&في مقابلتي التلفزيونية مع رئيس منظمة next century foundation قبل أشهر قليلة.. بينت خلالها أن تصاعد التطرف هو ما يهدد العالم بأسرة.. وحين علّق بأن هذا التطرف موجود حتى في إسرائيل.. أكدّت على ذلك بأن هذا التطرف هو ما قد يهدم الدولة الإسرائيلية في المستقبل.. لأن أشكال هذا التطرف.. لا تقتصر على المختلف الاخر.. وإنعدام المساواة.. وإنما تصل إلى هدم أهم أركان الديمقراطية داخليا وهو موضوع المساواة بين الرجل والمرأة من خلال التسلط الذكوري. وغيره من أشكال القمع على المرأة... ولهذا فقد سعدت وأنا أستمع إلى حوار في إحدى القنوات على الراديو.. ’مستندا إلى ما نشرته أكبر الصحف اليهودية جويش كرونيكال.. التي كشفت عن ما ’يعتبر أول فتوى أو تصريح رسمي لطائفه " بلس هاسيديت ".. المعروفه بتشددها الديني.. تسكن في منطقة في شمال لندن هذه الطائفه معروفه بدخلها المحدود.. وكثرة إنجابها للأولاد.. والعديد منهم يتخصص في الدراسات التلمودية طيلة حياته (خاصة في إسرائيل ) مما يجعله عبئا على دافعي الضرائب.. الفتوى تمنع المرأة من قيادة السيارة حتى ولو لتوصيل أبنائها إلى المدرسة !!! وأن مدرسة هذه الطائفه حذّرت طلابها بالفصل والحرمان من الدراسة فيما إذا لم تمتثل أمهاتهن للفتوى.....لأن القيادة في رأيهم تتعارض مع مبدأ التواضع والحشمة التي يفرضها الدين اليهودي على المرأة... إلى هنا وإنتهى الخبر.. ولكن والأهم كان ردود فعل بقية الطوائف الدينية اليهودية التي إستنكرت كليا مثل هذه الفتوى. وأصرّت أنها لا تنتمي للدين اليهودي على الإطلاق..و تنتمي فقط للمملكة السعودية!

في مقالتي هنا.. لن أدافع عن موقف المملكة من حرية المرأة في القيادة لأني أؤمن بأن هناك حريات محرومة منها أكثر أهمية للمرأة السعودية والعربية.. وعلى الأقل فإن اليسرالمادي الذي تتمتع به المرأة السعودية قد ’يسهّل على الأقل من هذا الأمر.. وإن كان كله يقع تحت بند الحرمان من الحقوق.

ولكني سأحاول تحليل ما نادت به الأصوات اليهودية الأخرى.. التي إعترفت بان هذا المنع ينتهك حرية المرأة كإنسان مولود حر.. وينتهك حقها في حرية التنقل والحركة والسفر.. وأنه يعمل على إعاقتها وحرمانها من الإستقلالية.. وليس له أي سند ديني في التوراة.. ولكنها تعكس رغبة الرجل في السيطرة على المرأة وتعكس الإستبداد الذكوري.. ولكن والمهم أيضا.. أن تهديد الأطفال بالحرمان والمنع فيما لو جاءوا للمدرسة مع أمهاتهن كسائقات ليست فقط مقلقة بقدر ما أنها تتعارض مع الهدف الديني الأسمى لحماية حق الأطفال في التعليم.&

ما لفت نظري أنه وبرغم الإستنكار العام من الطوائف اليهودية الأخرى إلا أنهم أصروا على إحترام حق الإختلاف.. وحق الآخر في القرار وإحترام الرأي الآخر المختلف.... وحريته في العيش بما يراه مناسبا لحياته..حفاظا على السلم الإجتماعي.. والحريات.

تعليق وزيرة التعليم نيكي مورجان..والذي ركّز على مسؤولية المدارس في الترويج للحريات فكان " إذا لم تشارك المدارس في الترويج لمبادىء إحترام حرية الشخص الآخر..فإنها تنتهك المعايير المعمول بها في بريطانيا. لقد علمنا بهذا الإنتهاك وسنحقق بالأمر ونتخذ الإجراءات اللازمة لتصحيح هذا الوضع ".

قبلها بأشهر وفي بداية السنة.. حددت تريزا ماي (أحد الوزراء في حكومة كاميرون ) بأن التشدد الديني او التعصب الديني.. يتعارض كليا من القيم البريطانية بما فيها الديمقراطية وسيادة القانون الواحد. والحريات الشخصية وإحترام مبدأ الإختلاف.. وإحترام وتحمل حق الآخر في الإختلاف الديني.. وبهذا فإننا نرى كيف تتعارض هذه الفتوى مع قيمة الحرية الشخصية.

ما يهمني في الموضوع.. هو التشابه الكبير في الديانتين اليهودية والإسلام بالذات فيما يدخل في حقوق المرأة.. الفرق الوحيد أن اليهودية عملت على تجميل الكثير من الإنتهاكات ومحاولة تغطية الأخرى. وإستطاعت من خلال عمليات الإصلاح الداخلي والتطوير طمس الكثير من مظاهر الغلو والتشدد. ولكن هذا التعصب الديني اليهودي والغلو فية مؤخرا بدأ ’يظهر كل المخفي.. وكل الإنتهاكات لحقوق المرأة..خاصة في إسرائيل.. وبين الجاليات اليهودية التي تعيش في الخارج.. بدءا من أشكال الحجاب.. وكثرة الإنجاب.. وإصرار البعض على العمل بأحكام المحاكم التشريعية اليهودية الموجودة في الخارج. والتي يقع عبء أحكامها على المرأة.. فمثلا المرأة المتدينة لا تستطيع الفكاك من العلاقة الزوجية إلا بالحصول على ما ’يسمى الجت من المحكمه الدينية. حتى وإن حصلت على طلاق من المحكمة البريطانية؟

لنبدأ بالإعتراف بان الأديان الإبراهيمية الثلاث أخذت من بعضها البعض خاصة وفيما يتعلق بالمرأة.. وأن المسيحية أخذت الكثير من اليهودية.. بل وربما رجعت إلى الأخذ بالتشريعات اليهودية في بعض الكثير من القوانين التشريعية.. غافلة عن أن أهم ما حاول المسيح نشره من الرحمة والعفوفي العلاقات الإنسانية.. وإن لم يغفلوا عن مقولته "" من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر "".. في موضوع الرجم!

الإسلام الذي ’أعتبر آخر الأديان السماوية ومكملآ لما جاء فيها. أخذ من اليهودية الكثير. ربما لوجود كلتا الديانتان في الجزيرة العربية قبل الإسلام.. إضافة إلى تأثير القس ورقة بن نوفل إبن عم خديجة.. وهو اليهودي الذي إعتنق المسيحية.. وترجم العديد من الكتب التوراتية إلى العربية.. حتى أن الكاتب أبو موسى الحريري في كتابه قس ونبي.. يحاول أن ’يثبت بأن الجزء المكي من القرآن ما هو إلا ترجمة للإنجيل العبراني الذي كان يكتبه ورقه بن نوفل..&

أما الكاتب الأزهري الدكتور خليل عبد الكريم فإنه يؤكد من خلال كتبه العديده تأثر الإسلام بالديانة اليهودية.. وأخذه الكثير منها... ولكن والحق ’يقال بان الإسلام كان أول الديانات آنذاك التي أعطت للمرأة حقين لم يكونا موجودين في أي من الديانات الأخرى , هما حق طلب الطلاق.. وحق نصف الميراث.. ولكنه وقف عند حد معين في ثورته ضد الظلم على المرأة.. ليتماشى مع ما كان سائدا ومعمولا به في الجزيرة العربية آنذاك.. بل تماشى مع العديد مما كان معمولآ به..

وأنه آن الأوان للخروج من أي تشدد تحت غطاء الدين يحرم ويمنع المرأة من الحرية ومن المساواة... القرن الحادي والعشرين ليس قرن تصاعد التطرف.. أو المنافسة بين الأديان.. هو قرن التعقل.. والحكمة إن كنا فعلا حريصين على مستقبل كل أجيالنا.

&