&صباح الخير من تونس ٣

&
حسونة المصباحي
بعد مرور أسبوعين فقط على انتحار محمد البوعزيزي حرقًا أمام مقرّ الولاية في مسقط رأسه سيدي بوزيد (وسط البلاد)، انهار نظام زين العابدين بن علي الذي ظل يحكم تونس على مدى 23 عامًا وشهرين بالتمام والكمال.&
&
وفي الحين بات الشاب الريفي الذي سيتبين في ما بعد أنه ولد عاق، وعصبيّ، وبلا شهادات جامعية، بطلًا يلهج باسمه الملايين، لا في تونس وحدها، بل في جميع أنحاء العالم، وبمآثره يشيد المستفيدون الجدد من "ثورة الكرامة والحرية" من جميع التيارات السياسية، وراح الشعراء يتبارون في مدح "أيقونة ثورات الربيع العربي" بقصائد عصماء.&
&
وعلى أطول شارع في العاصمة التونسية، أطلق اسمه. واحتفت به فرنسا فأقامت له تمثالًا في قلب باريس، وهو ما لم تفعله مع أي شخصية تونسية كبيرة إلاّ مع الزعيم الحبيب بورقيبة، الذي لو أفاق من قبره لاستشاط غضبًا محتجًا على هذا القرار، الذي يسيء الى تونس وتاريخها ورجالاتها العظام.
&
الآن، وبعد مرور خمسة أعوام على تلك الواقعة، ماذا حصل ويحصل في تونس؟
&
أولا، لم يعد التونسيون يذكرون محمد البوعزيزي إلا بالشر. فهو بالنسبة لهم سبب ما حل ببلادهم من خراب ودمار. وهو الذي جاءهم بحكام منافقين ومفسدين في الارض، وببرلمان أغلب نوابه جهلة ومتخلفون، وبدستور لا ينفع الا لمنح الحرية لكل من يرغب في التخريب ونشر الفوضى وبث الفتن والتحريض على العنف والإرهاب، وتفكيك اجهزة الدولة لكي تصبح كل الأفعال وكل الأعمال التي تمس من هيبة الدولة، ومن أمن البلاد واستقرارها مشروعة، ولا يجوز تجريمها، أو عرقلتها.&
&
ففي زمن"ثورة البرويطة" (العربة التي كان يستعملها البوعزيزي لبيع الخضار)"، أصبح كل شرّ مباح، وأمست الجريمة مستحبة ومغفورة. أما ما ينفع الناس فمضرّ ومعاب ومستهجن! وفي المناطق التي شهدت الانتفاضات التي ساهمت في إسقاط نظام بن علي، والواقعة بوسط البلاد وجنوبها، لم تعد أجهزة الأمن قادرة على التحكم في عصابات التهريب، وفي الجماعات الارهابية التي تسعى الى زعزعة آستقرار البلاد، وارتكاب جرائم تزيد في تأزم الأوضاع وتعفنها. وكلما حاولت أن تتحرك لتفعل ذلك، تصدى لها الحقوقيون، والعشائريون واليساريون، يتامى الديكتاتور الشيوعي الألباني أنور خوجه، للتنديد بـ"دولة البوليس التي لا تحترم حقوق الانسان". أما نواب تلك المناطق المذكورة في البرلمان فلا يقدمون افكارا ومشاريع للنهوض بها بل يرفعون اصواتهم للتذمر من "الحرمان والفقر"، متباكين على أوضاع أهاليهم هناك وكأن الدولة، التي باتت شبيهة ببقرة نفذ حليبها ولم يعد ضرعها يدرّ غير الدم، قادرة بقوة سحرية تحويل تلك المناطق الصحراوية الى جنة فوق الارض!
&
وفي الرابع عشر من شهر كانون الثاني (يناير) 2016، وهو يوم الذكرى الخامسة لـ"ثورة الكرامة والحرية"، لم يخرج التونسيون الى الشوارع للإحتفال والرقص والغناء. بل اعتصموا في بيوتهم وكأنهم يعيشون حدادًا مؤلمًا وحزينا.&
&
وفي شارع بورقيبة لم يكن هناك غير جماعات قليلة من "الثورجيين" المتخصصين في النعيق مثل غربان الشؤم. والذين مروا من أمامهم لعنوهم سرًا وجهارًا. وليس ذلك بالأمر الغريب. فحياة التونسي باتت جحيما حقيقيا بسبب الأزمة الإقتصادية الخانقة، والتي تزداد خطرًا يومًا بعد آخر. وأما الوعود الجميلة التي أطلقتها الأحزاب الجديدة فقد تبين أنها لم تكن غير أوهام وقبض ريح!
وقد يكون على حق ذلك الشاب التونسي الذي كتب على جداره في الفايسبوك يقول:”وكيف تسمونها ثورة تلك الواقعة الأليمة التي جعلت من الأنذال أبطالا؟"