من المادة الخاملة أو الجماد inerte إلى الحياة:

تختلف الأرض عن باقي الكواكب التي نعرفها اليوم، بأنها تحتضن الحياة بمختلف أشكالها وتنوعاتها. بيد أن الشروط والظروف التي أتاحت ظهور الحياة ما تزال لغزاً وعرضة لمجادلات وسجالات عديدة بين العلماء. فالكون كان قبل الانفجار العظيم أي قبل 13.8 مليار سنة، مجرد خليط من المادة البدائية التي تغلي على نحو غير منظم، فلم يكن هناك بعد لا مجرات ولا نجوم و لا مادة منظمة و لا ضوء une bouille de matière informe، ثم ارتفعت درجات الحرارة مليارات المليارات المرات وتم تحرر كمية مهولة من الطاقة خالقة خليطاً من الجسيمات الأولية للمادة وكان ذلك يؤشر دخول الكون البدئي في مرحلة التنظيم المركب والمعقد.

ومن بين الجسيمات الأولية التي ظهرت كانت الفوتونات وهي دعامات الطاقة الضوئية. وهناك جسيمات أخرى كالإلكترونات والكواركات تجمعت فيما بينها لتولد بروتونات ونيوترونات، والتي بدورها تشكلت على هيئة عناصر كيميائية بسيطة غازية و ذرات هيدروجين وهيليوم. ثم تركزت غيوم غازية حول نفسها من عنصر الهيدروجين تحت ثقل الجاذبية مكونة بعض المجرات والنجوم الأولية، وفي مرحلة لاحقة تكونت الكواكب الغازية والصخرية، وعلى سطح الأرض تكونت عناصر الكربون والسليسيوم والأوكسجين والحديد والزئبق والألمنيوم الخ.. وبعد مرور بضعة مليارات من السنين عندما استهلكت نجوم الكون البدئي البدائية، طاقتها، انفجرت ناشرةً مادتها في جميع أنحاء الفضاء وتبخرت بعض العناصر الثقيلة كالحديد والسليكون والألمنيوم والنيكل داخل المجرة. ثم دخلت الأرض في مرحلة تبريد طويلة وتكثف بخار الماء تدريجياً والموجود في الغلاف الجوي وسقط على شكل أمطار ملأت الأراضي المنخفضة والوديان مكونة البحار والمحيطات والأنهار الأولى.

كيف تواجدت الجزئيات التي تسبق التكوين الجنيني molécules prébiotiques وهي الجزئيات العضوية التي تشكلت بدون تدخل كائنات حية، داخل المواد المكونة للأرض، وهل هي التي أولدت العناصر أو الكائنات الحية organismes vivantes؟. هناك عدة سيناريوهات قدمها العلماء بهذا الصدد لكن مناطق العتمة ما تزال قائمة بخصوص أصل الحياة على الأرض، وأهمها فرضيتين لم يثبتهما العلم على نحو قاطع ولم يتحولا إلى قانون علمي صارم لا اجتهاد فيه، وهما: الأصل الأرضي الذاتي للحياة، والأصل السماوي أو الفضائي للحياة.&

السيناريو الأول يعتمد على الفرضيات والاحتمالات الكيميائية التي بدأها عالما الكيمياء الأحيائية biochimiste ألكسندر أوبارين Alexandre Oparine، و جون هالدان John Haldane، والتي تقول أن المادة التي تسبق التكوين الجنيني prébiotique، قد أنجبتها تطورات كيميائية محضة في محيط سمي بالحساء البدائي soupe primordiale، أو المرق الأساسي أو البدائي bouillon primordiale، الغني بالمواد العضوية والخالي من الأوكسجين الحر. تشكلت فيه خلايا أو جزيئات عضوية molécules organiques، من نوع حامض الهيدروسيانيك HCN - acide cyanhydrique، و الفورمالديهايد formaldéhyde HCHO، داخل البيئة البدائية للأرض وتحللت داخل المحيطات. وقد تم اختبار صحة هذه الفرضية في المختبرات العلمية الجامعية منذ عام 1952, والسيناريو الثاني عن الأصل الفضائي أو غير الأرضي origine extraterrestre للحياة، الذي لم يثبت بعد علمياً في المختبرات الأرضية لكنه يشكل فرضية تستحق الدراسة والتمعن، ويعرف باسم التبرز الشامل panspermie. ويفترض وصول أحاديات عضوية حية من أصل فضائي إلى الأرض، حيث يعتقد أن الفضاء ما بين النجمي يحتوي على تنوع كبير من العناصر الضرورية لظهور الحياة، والتي تتفاعل فيما بينها لتتجمع في سلاسل من الجزئيات أكثر فأكثر تعقيداً التي تملأ السدم والأغبرة الكونية. فالكيمياء العضوية نشطة على نحو خاص في السحب الغازية والغبار النجمي بالرغم من انخفاض درجات الحرارة التي تصل إلى – 260 درجة بالسالب، ومن بين هذه الجزيئات رصد علماء الفلك وجود الماء والأمونياك وعشرات التركيبات الكاربونية مثل ثاني أوكسيد الكاربون والميثان وبعض أنواع الكحوليات، يضاف إليها الحوامض الأمينية وترسبات النتروجين والآزوت وحوامض دهنية من الكاربوهيدرونات وذلك بعد تحليل الكثير من النيازك. بعضها يتجمع ليكون مركبات كيميائية شديدة التعقيد كالأدينين adénine، وهو من المركبات الأساسية للحوامض النووية التي هي بدورها من المكونات الأساسية للحمض النووي البشري ADN،وبالتالي فإن هذا الموكب من الجزيئات مابين النجمية يشير إلى توفر المكونات الأولية الأساسية للمادة العضوية التي منها يتم بناء الكائنات الحية التي تملأ الأرض اليوم. وبذلك يبدو الفضاء الكوني وكأنه مختبر طبيعي هائل الضخامة تتفاعل داخله الجسيمات والجزيئات التي تتشارك في صنع وتكوين العضويات الحية وهناك من العلماء من قال أن بعض الفيروسات والبكتريات قد ولد أصلاً في الأوساط مابين النجمية قبل أن تبدأ رحلتها الطويلة على متن النيازك لتهبط هنا وهناك تزرع الحياة كما حصل على الأرض ولكن لا يوجد لدينا دليل مادي وعلمي قاطع مثبت مختبرياً على هذه الفرضية. والحال إن ظهور جزيئات ذات منحى بيولوجي أتاح للخلايا أن تتطور، بيد أن آليات ظهور أول خلية حية ما يزال موضوع نقاش واجتهادات مختلفة و لا أحد يعرف على وجه التحديد كيف حدث الانتقال من الجماد إلى الحياة أي كيف حدثت الطفرة التطورية الحاسمة والجواب النظري هو أنها لم تحدث بل هي موجودة في ماهية المادية المرئية والسوداء أو المظلمة الموجودة في الكون المرئي فكل شيء حي في الكون الحي، إذ أن الكون المرئي هو بدوره مجرد جسيم صغير عضوي حي في جسد الكون الكلي المطلق والحي اللامتناهي الأبعاد، فكل شيء هو جزء لا يتجزأ في الوجود ينتمي للكل الحي.

مجال مجموعات التكرار الذاتي على طلاء السطوح المجهرية يمكن أن يسهم في ظهور تجمع عفوي في هيكيلية معينة كما في البوليتيتراهيدرون الحمراء polytetrahedron، أو البوليتيتراهيدون البولي رباعي السطح، ومنه تنطلق المجالات القريبة التي تؤدي إلى تشكيل بنية متطابقة. فهناك على الأرض في مرحلة متقدمة من عمرها، حدثت عملية النسخ المتماثل الذاتي أو المعروفة بيولوجياً في أيامنا هذه بعملية الاستنساخ والتي قامت بدفع عملية التطور البيولوجي على الأرض، والتي تعتبر أحد تلك الآليات المجهولة التي تعمل كذلك على تبديد كميات متزايدة من الطاقة مع مرور الوقت. وهذه العملية، أي التكرار الذاتي، يمكن أن تحصل حتى في المادة غير الحية كذلك كما في رقاقات الثلج، والكثبان الرملية و الدوامات المضطربة وفي أنظمة صغيرة مثل الدوائر الكيميائية التي تنطوي على عدد قليل من الجزيئات الحيوية. جاء ذلك وفقا لبحث جديد قام به فيليب ماركوس من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، و ذكر في الرسائل الفيزيائية عن الدوامات في السوائل المضطربة التي تقوم بتكرار نفسها عفوياً من خلال الرسم الطاقة من القص في السوائل المحيطة بها.

ندفة الثلج:

قد تعتبر هذه المقاربة في المستقبل القريب بمثابة نظرية جديدة تشرح العوامل المسؤولة عن أصل الكائنات الحية وتشرح تشكيل العديد من الهياكل المنقوشة الأخرى في الطبيعة كندف الثلج والكثبان الرملية والدوامات الذاتية التكرار في قرص الكواكب غير المأهولة بالحياة وكلها أمثلة لافتة عن التكيف يحركها عامل التبديد كما يقول ويلسون بنتلي.

وقد تعرضت هذه المقاربة الجديدة للتدقيق وواجهت تمحيصا دقيقا في السنوات القليلة الماضية. وإن جيرمي يشغل حاليا المحاكاة الحاسوبية لاختبار نظريته في أن نظم الجسيمات تكيف هياكلها لتصبح أكثر قدرة على تشتيت الطاقة. وسوف تكون هذه هي الخطوة التالية لتشغيل التجارب على المنظومات الحية.

العالم برنتيس، الذي يدير مختبر الفيزياء الحيوية التجريبية في جامعة هارفارد، يقول يمكن اختبار نظرية جيريمي بمقارنة الخلايا مع الطفرات المختلفة و يبحث عن وجود علاقة بين كمية الطاقة في الخلايا التبديد ومعدلات تكرارها. " على المرء أن يكون حذرا لأن أي تحور قد يفعل أشياء كثيرة "، وأضاف. " ولكن إذا كان أحد يحتفظ بالعديد من هذه التجارب على أنظمة مختلفة، وإذا [ تكرر نجاح طريقة التبديد ] التي ترتبط في الواقع، فإن من شأنها أن تشير إلى هذا المبدأ التنظيمي الصحيح. "

وهو يعتقد أن وجود المبدأ الأسمى للحياة والتطور غايته إعطاء الباحثين منظوراً أوسع على ظهور بنية ووظيفة الكائنات الحية في العديد من المجالات. " الانتخاب أو الانتقاء الطبيعي لا يفسر بعض خصائص الفيزياء الحيوية وتشمل هذه الخصائص الموروثة تغيير في التعبير الجيني يسمى الحامض، ويزيد في التعقيد غياب الانتقاء الطبيعي، وبعض التغيرات الجزيئية.إن منهجية وطريقة جيريمي يمكن أن تزيد من تحرير علماء الأحياء الذين يسعون للحصول على تفسير دارويني لكل عمليات التكيف، والسماح لهم للتفكير بشكل عام من حيث التنظيم عبر حركة التبديد. لأنها قد تجد، على سبيل المثال، أن " السبب في أن يظهر كائن حي X سمة بدلا من Y قد لا يكون بسبب أن X هو أكثر ملائمة من Y، ولكن بسبب القيود المادية قد تجعل من السهل على X التطور أكثر من الـ Y والانتقال إلى مرحلة أرقى.

&

رحلة الحياة من البكتريا إل البشر:

منذ ظهور الخلية الحية الأولى إلى أعلى أشكال الحياة رقياً، أنجب التطور تنوعاً لا يصدق في كم ونوع الكائنات الحية. فقراءة وتحليل الحفريات الحية أتاح للعلماء إمكانية إعادة رسم وتشكيل أجزاء كثيرة من السيرورة التطورية التي تبلورت بالرغم من المعوقات والاضطرابات المناخية الأرضية. فقبل 4 مليار سنة بدأت كيمياء الحياة انطلاقتها في المحيطات. ويعود تاريخ وتنوع أشكال الحياة إثر التطور الكيميائي إلى ما يقارب 3.6 مليار سنة. إن تلك العناصر العضوية بدائية النوى procaryotes، كانت تعيش ربما في بيئات ساخنة حارة قرب مصادر هيدروحرارية أو قرب الفتحات الحرارية المائية sources hydrothermales، وتستمد طاقتها من جزيئات الوسط المحيط ومن خلال تفاعلات التخمير réactions de fermentation. وبعد ذلك قامت بعض البكتريا في تطوير وسائل استرداد أو استعادة طاقة الإشعاع من الضوء الشمسي وحدوث عملية التركيب الضوئي photosynthèse، من خلال تدخل البكتريا الزرقاء cyanobactéries، إذ تمتلك هذه الأخيرة على أصباغ الكلوروفيل pigments chlorophylliens، التي صممت أنظمة التركيب الضوئي photosystèmes. ومن خلال عمليات تفاعلية يغدو بمقدورها توليف الغلوكوز synthétiser du glucose، عندها تصبح تلك الجزيئات العضوية مستقلة تماماً عن أي مصدر غذائي في البيئة، إذ إنها تصبح عناصر عضوية ذاتية التغذية organismes autotrophes، و التي تنتج المادة العضوية التي ستحتل كل المحيطات. والتي هي بدورها مصدر توريد الطاقة لكافة العضويات التي لا تقوم بعملية التركيب الضوئي وتعتمد على غيرها في غذائها، أي عضوية التغذية hétérotrophes. فالبكتريا الزرقاء هي الأساس لأولى الحفريات بسبب نشاطها الأيضي métabolique، والستروماتيلات stromatolites هي الهيكليات الأولى للبنيات الحيوية bioconstruits، وهذه البناءات تظهر على هيئة أكوام monticules مؤلفة عموماً من عناصر على شكل فطريات أو سلاسل يعود تاريخها إلى 3.4 أو 3.5 مليار سنة. ثم غزت بكتريا التركيب الضوئي كافة المياه الضحلة غير العميقة حيث يمكنها التقاط ضوء الشمس بسهولة. ومن المعروف أن عملية التركيب الضوئي تؤدي إلى تكوين غاز الأوكسجين الذي تراكم وتزايد في الطبيعة مما أدى إلى هلاك العديد من الكائنات اللاهوائية anaérobies، أو التي لا تتنفس الهواء. فيما تكيفت كائنات أخرى وطورت لنفسها أنظمة للتنفس التي تحيد الأوكسجين، وتصبح شيئاً وشيئاً معتمدة على الكائنات ذاتية التغذية للتغذى بها. وفي نفس الوقت يغتني الجو بالأوكسجين ويفتقر أكثر فأكثر لثاني أوكسيد الكاربون المستخدم في عملية التركيب الضوئي. وفي الجو يتعرض الأوكسجين إلى تأثيرات الإشعاعات فوق البنفسجية ليتحول جزء منه إلى آزون أو نتروجين وبفضل ذلك تشكلت بالتدريج مع مرور الوقت طبقة من الآزون مهمتها حجب جزء كبير من الإشعاعات الشمسية المضرة أو المميتة. في تلك الفترة كانت أغلب الكائنات من نوع أحادية الخلية unicellulaires. ثم تطورت بعض من تلك الخلايا فاقدة حوافها ومطورة شبكة من الأطراف البدائية أو شبكات الأغشية réseaux membranaires، المتخصصة بعدة وظائف، تجمعت وارتبطت بعدة خلايا أحادية في حالة من التعايش الجواني endosymbiose، مكونة أولى الخلايا حقيقية النوى eucaryotes، قبل حوالي 2.6 مليار سنة. كانت تلك الكائنات الحية البدائية الأولية وحيدة الخلية لكنها أكبر من سلفها ولها نواة تعزل المادة الوراثية matériel héréditaire.

اجتمعت الكائنات من حقيقيات النوى eucaryotes مع نخبة الطائعيات والأولانيات les protistes، على شكل مستعمرات مجتمعية بدائية وشكلت فيما بعد بالتدريج أولى الميتازوريات métazoaires، أي الكينونات المتعددة الخلايا. ويعود تاريخ أولى تلك التشكيلات إلى 700 مليون سنة، ولقد تم العثور على بقايا حفريات عن تلك الكائنات المجهرية الحية مؤخراً. واستطاع العلماء أن يتأكدوا عام 2010 من أن تاريخها يعود إلى أبعد من ذلك بكثير. عالم الآثار عبد الرزاق الألباني يقدر أنها تعود إلى 2.1 مليار سنة لكن الانعطافة الحقيقية في مسيرة الكائنات الحية المتعددة الخلايا حدثت قبل 600 مليون سنة وانتشرت في جميع أنحاء الأرض. ومع مرور الوقت ظهرت كائنات متخصصة وخلايا عصبية وخلايا هاضمة أو تساعد على عملية الهضم digestives، واختفت قبل 542 مليون سنة ثم أعقبها الإشعاعات التطورية للكمبريات cambriens، وفي تلك الحقبة ظهرت الرخويات mollusques ثم من الرخويات القديمة gastéropodesظهرت المفصليات، وأقدم المفصليات من فصيلة ثلاثية الفصوص تعود إلى ما قبل 530 مليون سنة. وحدث تطور جديد حينما استخدمت العناصر الكيمياوية الخارجية في الطبيعة لتشييد الهياكل العظمية المعدنية squelletes minéralisés، أي ذات البنيات الصلدة المقاومة والحامية ومنها ولدت الهياكل الخارجية exosquelettes، والهياكل العظمية الخارجية squelettes externes والهياكل العظمية الداخلية squelettes internes، حوالي 500 مليون سنة حيث انتشرت كافة أشكال أسلاف الحيوانات الحالية وقد انتشرت بكثرة حيوانات الكمبري في الأوساط المائية aquatiques.

الخروج من الماء:

كانت أولى الكائنات الحية التي استعمرت القارات اليابسة هي النباتات وتمكنت بعض الطحالب algues والأشنات lichens من البقاء على قيد الحياة على اليابسة خارج المياه بالقرب من ضفاف وشواطيء المحيطات قبل 460 مليون سنة. أول نبات ذو أوعاء سمي الكوكسونيا Cooksonia، لكنه بدون أوراق و لا زهور بل مكون فقط من حزمة من قضبان مستقيمة منقسمة في قمتها وبعد بضعة ملايين من السنين تطورن النباتات وازدادت تركيبا وتعقيداً وطولاً وارتفاعاً وامتلأت الصحاري بسجادات من العشب النباتي ازدهرت فيها المفصليات anthropodes. وبين 410 و 435 مليون سنة غامرت أنواع من الحشرات والعث والعناكب للانتشار في القارات في اليابسة وتطورت حيوانات فقرية vertébres، الملتهمة للمفصليات وهكذا بقية القصة التطورية التي فصلها كتاب أصل الأنواع لدارون وصولاً إلى الثدييات البدائية التي انحدر منها الإنسان مروراً بالزواحف بأنواعها وهيمنة عصر الديناصورات، التي اندثرت بفعل الكوارث الطبيعية وتعرض الأرض لهجمات النيازك والمذنبات الضخمة إلى أن ظهر الإنسان العاقل Homo sapiens قبل 200000 عام ومن ثم الإنسان الذكي المعاصر المبدع للشعر والنحت والفن والصناعة والزراعة والتكنولوجيا.

الشبكة الكونية للبرانات أو الأغشية:

يمكن للكوازارات المكثفة، مثل مصباح يدوي، أن تضيء جزءا من الشبكة الكونية المحيطة. وفي هذا العمق الكوني المذهل تسبح بنيات أو هيكليات بالغة التعقيد والتطور قادرة على فعل كل شيء، عاقلة ذكية مفكرة،سميت بعقول أو أدمغة بولتزمان cerveaux de Boltzmann، أو برانات بولتزمان بالانجليزية Boltzmann brains، على إسم العالم الإنجليزي لودفيغ بولتزمان Ludwig Boltzmann. أحد آباء قانون الثرموديناميكا، أو الديناميك الحراري، حيث كانت المقاربة الإحصائية له قد أستخدمت كأساس للفيزياء الكمومية أو الكوانتية. إن " أدمغة بولتزمان" هي بمثابة كينونات عاقلة وذكية ومفكرة ولكن ليس لها وجود مادي بل نظري بحت لدى من افترضوا وجودها وليس لها ماهية مادية ملموسة بل طاقة وقدرة لانهائية لا بد منها لأنصار نظرية الأكوان المتعددة من فطاحل العلماء ومن بينهم أندريه ليند Andrei Linde و آلان غوث Alan Guth، واللذين يعتقدان أنه إذا كانت ظاهرة غير مرجحة الحدوث قد حدثت بالفعل مثل الحياة على كوكب ليست له قيمة كونية ولا يتصف بأية مزايا استثنائية تجعله فريداً من نوعه في الكون المرئي، فمن المنطقي اعتبار وجود مثل هذه الكائنات أو الكينونات العاقلة أمراً منتشراً. تم تخيل وجود عقول بولتزمان كجواب على المفارقة التي فرضها القانون الثاني للديناميك الحراري حيث ينص هذا الأخير على أن الأنثروبي entropie أو انعدام النظام ونسبة الفوضى أو الاضطراب في نظام معزول تزداد بالضرورة مع مرور الوقت، فالأنثروبي ليس إلا مقياس للاضطراب mesure du désordre، الذي يفسر حالات مثل استحالة إعادة ترميم كاس مهشمة مائة بالمائة بطريقة عفوية أو على نحو ذاتي، وكل حياتنا اليومية ما هي إلا تعبير عملي ملموس لهذا المبدأ. فالتنظيم يتنازل ويخلي المكان للفوضى والاضطراب، ما خلا البنية أو الهيكلية الكونية، وللكينونة الحية. ففي كوننا المرئي، نظمت الغازات والسحب والأغبرة الكونية، نفسها على شكل مجرات، التي تكونت بدورها من جراء تنظيم النجوم المكونة لكل مجرة لنفسها على هذه الهيئة المجرية، وحول النجوم تشكلت الكواكب في أنظمة شمسية على غرار نظامنا الشمسي، وتمكن أحد هذه الكواكب، في أحد هذه الأنظمة الشمسية العديدة، من احتضان الحياة خلال حقب زمنية جيولوجية، وحمل على متنه كائنات حية راقية التنظيم، من هنا يمكننا القول أن تاريخ الكون المرئي وغيره من الأكوان الأخرى المتعددة، ما هو إلا عبارة عن نظام متنامي، ولا يشذ كوننا المرئي عن هذا المبدأ الثاني للديناميكا الحرارية. إذ يلاحظ أننا نعيش داخل كيان عالي التنظيم ونعيش في تركيبة فائقة التنظيم سيكون المقابل لها كون آخر يتصف بالحد الأقصى من الفوضى والاضطراب.

فذكاء أدمغة بولتزمان هو الأرجح والأكثر احتمالاً. فالثرموديناميك مؤسس على وسائل حسابية وإحصائية محسوبة انطلاقاً من التقلبات والتأرجحات، وإن هذه التقلبات الطاقوية أوالتأرجحات في الطاقة بمكن أن تفسر وتشرح البنية المنظمة كالتي يتحلى بها كوننا المرئي أي الذي يجد التعويض في خارجه. وفي نفس الوقت، كلما كانت البنية منظمة ومتسقة، كلما كان انبثاقها غير مرجحاً أو غير محتملاً لأن الطاقة التي تحشدها ستكون هائلة. والنتيجة هي إن عقلية فضائية ذكية وعاقلة من نوع أدمغة بولتزمان تكون أكثر احتمالاً في وجودها من وجود كوننا ذاته أو الحياة التي فيه والتي تمكنت من التطور رغم تعقيدها، ولم يبق سوى اكتشاف الآثار والمؤشرات التي تدلنا على هذه الكينونات الذكية التي لاتستبعدها الفيزياء النظرية.

&

شطحات علمية في الكون والفيزياء

الحضارات الذكية على الجانب الآخر من الواقع المادي تفرض علينا أن نعترف بأننا لسنا الكائنات الذكية الوحيدة في الكون المرئي، ويجب علينا أيضا أن ندرك أن ليس كل حياة ذكية تأتي من كواكب أخرى و أنظمة نجمية أو شمسية في فضاء الكون الفسيح. هناك من البشر أو الكائنات الفضائية من يتمكن من السفر عبر الزمن، وربما البعض منهم يعود إلينا من مستقبلنا، ثم هناك أولئك الذين هم كائنات من ذوي الأبعاد اللامرئية، أو يأتون إلى زيارتنا من أبعاد كونية أخرى خفية أو مجهولة لا نعرفها. لذا لا ينبغي الخلط، ولهذا فالأمر معقد جدا بالنسبة للعقل البشري الحالي المحدود. فالحقيقة بالنسبة لنا هو ما نراه ونلمسه وندركه بحواسنا الخمس، ولكن، الفهم والإدراك والاستيعاب والتقبل يخضع لمختلف الاحتمالات، لذلك يجب عليك التفكير خارج منطقة الواقع المألوف, علينا أن نتحرر من جهلنا ونتخلص من نرجسيتنا ونتواضع في وجودنا وتقييمنا لأنفسنا كنوع حي من كائنات الكون التي لا تعد و لا تحصى.&

السفر إلى النجوم ليس مسألة أسبوع أو شهر أو حتى سنة، بل سنوات طويلة جداً تزيد كثيراً على متوسط عمر الإنسان الواحد وقد تستغرق الرحلة آلاف السنين، بل وحتى ملايين ومليارات السنين حسب المسافة التي تفصل المجموعة الشمسية التي نرغب بزيارة كواكبها عن كوكبنا الأرضي، فالبعد المكاني لا يمكن قهره أو تجاهله حتى لو استخدمنا أسرع مركبة فضائية يمكن أن يصممها البشر اليوم وغداً.

فمثلما تتحرك الأرض حول الشمس، توجد كواكب تدور حول نجومها ولقد رأينا على النجوم القريبة منا تغييرات طفيفة على خلفية من النجوم الأخرى التي هي أبعد. وقد استخدم علماء الفلك هذا التأثير، لتحديد المسافة إلى أقرب النجوم.

قام بذلك العالم الألماني فريدريك بسل سنة 1836، وذلك باستخدام تلسكوب صمم خصيصا لهذا الغرض، لمعرفة موقف النجم الذي يبدو أنه يغير مكانه بتغيير حركة الأرض حول الشمس. وجد فريدريك أن هذا النجم يبعد عن شمسنا مسافة تزيد 700000 مرة أكثر من نصف قطر نظامنا الشمسي! كما عثر على نجمة الثريا التي تبعد 400 سنة ضوئية. والسنة الضوئية هي ما يقطعه الضوء خلال عام واحد بسرعة 300000 كلم/ثانية في الثانية الواحدة. وهي مغلفة بغلاف الحجاب الأزرق و يعكس ضوء النجوم من الغبار الذي يلف الكتلة النجمية التي تتواجد فيها نجمة الثريا.&

واكتشف العالم هالي بحساباته أن كل 121 سنة يمر كوكب الزهرة أمام الشمس. ويتواجد كوكب فينوس، نسبة إلى الشمس، وراء ذلك، ويبدو مختلفا جدا عندما ينظر إليه من مكانين مختلفين على الأرض. وتبدو الرؤية مختلفة لأنها تعتمد على مدى بعد الزهرة و الشمس عن الأرض.

وفي سنة 1761. أستغل علماء الفلك عبور كوكب الزهرة بالقرب منا ليقوموا بتحديد المسافة مع الشمس واكتشفوا أنها 93 مليون ميل.

الشمس هي أقرب نجم للأرض وتبعد حوالي 93 مليون كيلومتر، وبهذه المسافة توفر الشمس الدفء اللازم للحياة، وهو الأمر الذي سمح للتطور أن يتحقق على الأرض. وقد تكون حياة مماثلة قد تطورت في مكان آخر من المجرة؟

يتبع