لغز المركبات الفضائية المجهولة المعروفة بالـ OVNIS الأطباق الطائرة:
تعتبر ظاهرة الأطباق الطائرة من أكثر المواضيع غموضاً وإثارة للجدل، ففي كل يوم تقريباً تخرج علينا الكثير من الصحف والمجلات في مختلف أنحاء العالم بعناوين مثيرة عنها ولكن ما هي حقيقة الأطباق الطائرة وهل هي موجودة حقا؟ لا أحديمتلك إجابة علمية دقيقة وافية وشافية، فهناك من يعتقد بوجودها وهناك من ينفي وجودها على نحو قاطع ولكن تبقى هناك دائماً تساؤلات كثيرة حول هذا الموضوع وهناك كذلك آلاف من المشاهدات والشهادات التي لا تجد لها الأوساط العلمية تفسيرها علمياً أو منطقيا.
من طبيعة البشر الإعتقاد والتصديق حتى بما هو غير مرئي وغير واقعي أو عقلاني ويدخل في ذلك الإطار الاعتقاد بوجود الأطباق أو الصحون الطائرة أو الأجسام المحلقة مجهولة الهوية. ويبدو أنه لا يمكن رؤية الأطباق إلا إذا كنا نعتقد بوجودها أو على الأقل على الاستعداد بتصديق أطروحة وجودها، على الأقل على مستوى اللاشعور أو اللاوعي، لكي نتمكن من رؤيتها. ووراء كل شهادة عن ovni، هناك المشاهدة المباشرة لظاهرة سماوية غير معروفة وغير عادية وغير مألوفة. يعتقد الناس أنهم يعرفون السماء وما فيها من سدم وأبراج وكوكبات وكواكب ونجوم، ولكن في الحقيقة هناك القليل منا من هو معتاد على النظر إليها وبالتالي سنندهش بسهولة عند رؤيتنا لألوان ليست غريبة بالنسبة للعين المدربة. لذلك فإن أغلب الحالات والشهادات التي ترد إلى المؤسسات العلمية المتخصصة، كمجموعة الدراسات والمعلومات حول الظواهر الجوية الفضائية غير المشخصة Geipan، تجد لها تفسيراً علمياً بعد دراستها وتفحصها بدقة علمية مثل إطلاق القناديل التايلندية المضاءة بالشموع في ليل حالك، أو طائرة حديثة لم يعلن عنها، أو كوكب فينوس. فالناس تعرف بوجود هذا الكوكب أو المناطيد والبالونات البيئية لدراسة الأنواء الجوية، ولكن من خلال المناهج الدراسية أو الدليل الفلكي لكن الصور التي يشاهدوها، والتي تظهر في السماء لاتشبه ما يعرفونه نظرياً. وما أن يلمح المشاهد شيئاً لغزياً يبدو غامضاً ومجهولاً، فإنه سيكون بحاجة إلى التقليل من التضارب incohérence بين ما يراه وما يعرفه للعثور على حالة توازن، إما بربط الظاهرة المرئية بشيء مألوف ومعروف قريب منها أو بتعديل نظام القيم لدى الناظر والمشاهد للظاهرة مثل القول " كنت لا أعتقد بوجود ذلك لكنني الآن بت اصدق بوجوده" كما يحلل علماء النفس في الغرب وكما جاء في دراسة نشرت عام 1981 عن المركز القومي للدراسات الفضائية Cnes. هناك آليات عصابية neurologiques، يمكن أن تفسر ذلك كحالات الوهم البصري التي يمكن أن تجعل أي شعاع أو إنارة تبدو للعين وكأنها مركبة فضائية vaisseau extraterrestre. وكذلك بخصوص الأشياء المتحركة إرادياً auto – cinétique، والوهم البصري عند النظر إلى نقطة مضيئة ثابتة في الظلام الدامس يمكن أن تبدو وكأنها تتحرك أو تهتز وتتنقل، وهذا الوهم ناجم عن تفسير خاطيء للحركة اللاإرادية لكرة أو مقلة العين globe oculaire، عندها سيعتقد دماغنا أن الهدف المستهدف بالنظر هو الذي يتحرك وليس عيننا. وتحدث هذه غالباً عندما نفتقد لمفهوم المسافة الفاصلة بيننا وبين النقطة المضيئة، أو عندما نكون متعبين أو أن يكون سطوع النقطة المضيئة ضعيفاً، أو عندما تكون السماء داكنة كالحبر الأسود وفي وقت متأخر، ما يوفر الشروط المثالية لكي نرى النجوم وهي تتراقص. إن الحركة الإرادية الذاتية autocinétique استخدمت من قبل العالم النفسي والاجتماعي مظفر شريف سنة 1935، لكي يظهر بداهة ظاهرة أخرى مهمة في إدراك الأجسام المحلقة مجهولة الهوية أو الأطباق الطائرة، ألا وهي ظاهرة التوافق الاجتماعي أو الاتفاق الجمعي. فلقد وضع العالم مظفر شريف مجموعة من الأشخاص المتطوعين للمشاركة في التجربة، في غرفة مظلمة، وعرض نقطة مضيئة ثابتة وعلى المشاركين في التجربة أن يقدروا معدل ومدى تحركها وتنقلها. وسرعان ما لاحظ أن مشاهدات البعض تتوافق مع وصف البعض الآخر وهو نفس التوافق الذي نعثر عليه في أمثلة المشاهدات الجمعية للأطباق الطائرة كما كان الحال مع الموجة البلجيكية بين 1989 و 1992. المتشكك الأكثر شهرة حيال ظاهرة الأطباق الطائرة الصحافي الأمريكي فليب ج كلاس philip j. Class، الذي قال سنة 1986 بهذا الصدد أنه في حالة وجود تغطية إعلامية واسعة لمشاهدات لأطباق طائرة فسوف يدفع ذلك العقل الجمعي المجتمعي للاعتقاد حقاً بأن هناك أطباق طائرة في المنطقة وسيكون السكان مهيئين لترجمة أية رؤية غير عادية أو غير مألوفة على أنها رؤية لطبق طائر. وستظاف تلك الشهادات لما تم نقله عن طريق الصحافة مما يحث ويدفع الآخرين للبحث عن أطباق طائرة أخرى على نحو جماعي إلى أن تخف حماسة وسائل الإعلام. ومن المحتمل أيضاً أن مشاهدات أخرى لما يعتقد أنه أطباق طائرة يعود إلى عمليات أعصابية إدراكية أخرى processus neurologiques، كالهلوسات، أي حالة إدراك حسي حقيقي أو واقعي ولكن بدون محفز خارجي. وهي تجارب واختبارات خادعة و مضللة بمكان، بحيث تبدو للدماغ البشري وكأنها حقيقية لا يمكن التشكيك بواقعيتها. وبدون أن نكون مجانين، فإن 5 إلى 10 بالمائة منا يتعرض لتجربة هلوسة ولو مرة واحدة في حياته. ويمكن أن تتسبب الحرارة والحمى بالهلوسة أو ربما بتأثير تناول منشطات أو مخدرات أو عقاقير طبية وربما بفعل الإصابة بمرض الباركينسون وإنفصام الشخصية أو الشيزوفرينيا schizophrénie، أو الإصابة بالتسمم الخ.. وكلها يمكن أن تقف وراء الاعتقاد برؤية طبق طائر.
البحث عن معنى بأي ثمن:
إن صياغة التساؤل التالي: لماذا نرغب برؤية طبق طائر؟" حسب عالم النفس بيير لاغرانج pierre Lagrange، يطرح مشكلة منهجية. فالناس لا " ترغب" بأن ترى بالمعنى الحرفي للكلمة بل يتعرضون لشيء يثير فضولهم ويبحثون عن معنى ما، وعندما لا يجدون ذلك، يقدمون فكرة الأصل الفضائي للشيء المثير. فهناك حقاً أشخاص عجيبين غريبي الأطوار يريدون أن يروا طبقاً طائراً في أي شيء يثير الغرابة، لكنهم نادرون. وفي أغلب الحالات نجد الميل لطرح فرضية الأصل الفضائي مرتبط بمدى غرابة الظاهرة المرصودة أو المشاهدة. وأي كان أصل أو سبب هذه المشاهدات وهم، أو سوء فهم، أو هلوسة الخ يبقى السؤال قائماً: لماذ تعزى دائماًا إلى أصل فضائي؟ لأنه لا يوجد شخص لا يرى العالم كما هو عليه حاله الحقيقي فعيننا ليست آلة تصوير أو كاميرا، ودماغنا يفسر ما يراه وفقاً لما تعلمه من صغره كيف يرى الأشياء، أو وفقاً لما أدى إلى هذا الاعتقاد أو حسبما يقترح عليه أن يرى. فالإنسان المتدين أكثر ميلاً لاعتبار الحدث الغريب والخارق للمألوف " معجزة" ربانية" والأشخاص الذين يعجزون عن السيطرة على مايحيط بهم من ظروف يلجأون في أغلب الأحيان إلى التفسيرات السحرية لإضفاء معنى ما على وضع غير متوقع.
اهتم عالم النفس الشهير كارل يونغ Carl G. Jung بظاهرة الأطباق الطائرة أو الأجسام المحلقة مجهولة الهوية ovnis، وكرس لها كتاباً كاملاً تحت عنوان "أسطورة العصر إشارات السماء Un Mythe Moderne – Des Signes du Ciel" الصادر عام 1961. ولم يتخذ هذا العالم والمحلل النفسي موقفاً أو حكماً بخصوص الوجود الفعلي والمادي للأطباق الطائرة. إلا أنه درسها لتأثيرها السيكولوجي الهائل إذ يمكن لمثل هذا الجسم المتقدم أن يثير المخيلة الواعية أو التخيل الفنطازي اللاواعي في اللاشعور. فلقد خلقت حول ظاهرة الأطباق الطائرة أسطورة مثيرة للغاية إلى درجة أن 99 بالمائة منها اختلاقات نفسية متخيلة كتفسير ممكن وإن الشهادات التي يدلي بها الشهود عن الــ ovnis هي السند أو الأساس أو الأرضية لظاهرة نفسية تعكس عدم كفاية الإنسان المعاصر لنفسه وللعالم وما ينجم عنها من إحباطات ومحن نفسية. الباحث الفرنسي في علم النفس جون ميشيل آبراسارت Jean Michel Abrassart، كرس أطروحته للدكتوراه لهذا الموضوع وكانت بعنوان " النموذج السيكولوجي الاجتماعي لظاهرة الأجسام المحلقة مجهولة الهوية Modèle sociopsychologique du phénomène ovni، وقال إن ما نراه ما هو إلا ثمرة لهيمنة الثقافة الأمريكية المخصبة بالخيال العلمي في الرواية والسينما والتلفزيون وفي إطار أجواء الحرب الباردة والتي امتدت إلى كافة أنحاء العالم الغربي. فالتفسير الــ extraterrestre يطبع ما كان في وقت مضى ظاهرة من الظواهر الخارقة للطبيعة surnaturel، وحكايات الجنيات fées، والجان والفعاريت والملائكة والشياطين elfes , anges , démons.
&النسخة المعاصرة لأسطورة الأشباح:
مئات الشهادات والمشاهدات للــ ovnis التي وثقتها مؤسسة غيبان Geipan ومحاضر البوليس والدرك أو الجندرمة procés verbaux تجمعها نقاط مشتركة وتتبع نموذج سردي في التفاصيل والزمان والمكان والوصف. وأغلب الشهود يبدأون بالدفاع عن أنفسهم وإبعاد أية شبهة تسهم في تسقيطهم ونزع المصداقية عن أقوالهم رغم ما فيها من غرابة ويصعب تصديقها. البعض الآخر يقرنها بالخرافات والأساطير القديمة، حتى أن البعض بات يصدق أن الحياة على الأرض ذات أصل فضائي extraterrestre، من خلال كتب وأطروحات وأبحاث أصحاب نظرية رواد الفضاء القدماء anciens astronautes الذين هبطوا من السماء وزاروا الأرض واتصلوا بسكانها. العالم الأنثروبولوجي فيكتور ستوزكوفسكي Wiktor Stoczkowski، الأستاذ في الكوليج دي فرانس خصص كتاباً بعنوان " البشر والإلهة والمخلوقات الفضائية، إثنولوجيا الإيمان المعاصر Des hommes,des Dieux,et des Extraterrestres, Ethnologie d’une croyence moderne" وهي فكرة مستوحاة من الأدب الفنطازي الخيالي والوريث لمعتقدات قديمة كالسحر والتنجيم occulltisme في القرن التاسع عشر، و مذهب الغنوسطية والعرفانية gnostisme، في بداية العصر المسيحي، وهي معتقدات تعزى أصل الإنسان أيضاً إلى كائنات لا هي بالربانية الإلهية و لا هي بالبشرية، ولا الملائكة ولا الشياطين. وهكذا فإن الاعتقاد بالمخلوقات الفضائية والأطباق الطائرة يحل محل تلك المعتقدات الخرافية والأسطورية القديمة. المليئة بالميثولوجيات والقصص الدينية الخارقة والأشباح، ويأخذ صفات الخارق للطبيعة والبارانورمال surnaturel et paranormal.
الله والعلم والعوالم الأخرى:
أعتقد البعض أن تحقق عملية الاتصال بحضارات ومخلوقات فضائية متقدمة ومتفوقة علينا قد يؤدي إلى انهيار المنظومة الأخلاقية البشرية والمعتقدات الدينية. لكن هذه الفرضية قد لا تكون دقيقة إذ أن بعض الأديان كالهندوسية والبوذية تحدثت في كتبها ونصوصها المقدسة عن وجود عوالم أخرى ومخلوقات أخرى، بعضها يشبه البشر وبعضها الآخر يختلف عنه اختلافاً كلياً. ومثلما توجد على الأرض نفسها عدة مخلوقات وكائنات حية مختلفة يمكن أن توجد في الكون المرئي عدة مخلوقات وكائنات متنوعة منها ما يشبه البشر ومنها ما يختلف عنه تماماً. ففي الكتب المقدسة في الأديان السماوية التوحيدية الثلاثة الرئيسية هناك حديث عن مخلوقات وكائنات لها أسماء مثل الجن والعفاريت والشياطين والملائكة وأنصاف الإلهة والكائنات البشرية التي تتمتع بالخلود وهي لا تعيش بالضرورة على الأرض بل ربما على كواكب أخرى متوزعة في أنحاء الكون المرئي. كل المؤمنين بعتبرون أن كل ما هو موجود في الكون المرئي هو من خلق الله، فلماذا نفترض حدوث صدمة في نظام المعتقدات الدينية؟ أليس هبوط الملاك جبرائيل على إبراهيم و موسى وعيسى ومحمد، دليل على اعتقاد أتباع هذه الديانات بوجود كائنات فضائية على شاكلة جبرائيل الملاك، توجد خارج الأرض وتهبط من السماء على الأنبياء وهم جزء من البشر؟&
المزرعة التي حاصرها زوار الفضاء؟
سبق أن أشرنا أن الأجسام الطائرة قد ذكرت منذ أقدم العصور، إلا أن عودة الاهتمام بها في أواسط القرن الماضي وتشبيهها بالأطباق يعود كما قلنا في فصل سابق، إلى رجل أعمال أمريكي يدعى كنيث ارنولد، ففي حزيران عام 1947 كان ارنولد يقود طائرته الخاصة فوق جبال كسكاد عندما رأى تسعة أقراص مشعة تشق الطريق أمامه بسرعة فائقة وبتشكيل هندسي، وعندما سأله الصحفيون عن شكل هذه الأجسام قال ارنولد أنها تشبه أطباق الطعام عندما تتزحلق فوق سطح مائي وهكذا قفز اسم الأطباق الطائرة (Flying Saucers) إلى الصحافة ومنها إلى الكتب والقواميس رغم أن التسمية العلمية لهذه الظاهرة هي الأجسام الطائرة غير المحددة (Unidentified Flying Objects)أو مجهولة الهوية أو باختصار ( بالإنجليزية UFO وبالفرنسية OVNI.
وقد ورد في مقال مثير وجيد جداً نشرته إلاف قبل فترة طويلة:" منذ ذلك الوقت شوهدت هذه الأجسام الطائرة آلاف المرات في مختلف أنحاء الأرض وأجوائها وقامت الدول الكبرى بدراستها وشكلت لجان حكومية وأخرى مدنية لتوثيق هذه المشاهدات. إن رؤية هذه الأجسام الغريبة تعود إلى أزمان قديمة كما أن الأدلة على هذه الأجسام المحلقة مجهولة الهوية موجودة في الكثير من الكتب والآثار القديمة. ففي تراث الشعوب القديمة نقرأ أن الآلهة كانت دائما تهبط من السماء في مركبات قوية وجبارة وتصدر أصواتا أو وميضا، وغالبا ما كانت الآلهة تتزاوج مع البشر وتنتج لهم أنصاف آلهة تقودهم إلى النصر في الحروب وتنظم أمور حياتهم أيام السلام ففي التراث الهندي مثلاً، تتكرر قصة استخدام الآلهة الهابطة من السماء بمركباتها القوية (الفيمانا) خلال الحروب المحلية بصورة مستمرة وفي الكتاب التراثي المشهور (مهابهارتا) وصف دقيق لهذه المركبات وكيف كانت نيرانها وأصواتها المرعبة تلعب دوراً حاسما في إنهاء المعارك لصالح الخير.
وقد سنح لأشخاص مشهورين مثل المكتشف كرستوفر كولمبوس أن يشاهد طبقا طائرا قبل اكتشافه أمريكا بيوم واحد. ففي العاشر من مساء 11 تشرين الأول عام 1492 كتب كولمبوس في سجل السفينة سانتا ماريا يقول “شاهدنا اليوم ضوءً يسبح في الفضاء ويختفي ليظهر بعد فترة وقد استمر ذلك فترات طويلة”.
ومن المشاهدات القديمة تلك التي حصلت في مدينة بازل في سويسرا في شهر آب عام 1566 حيث شاهد أهالي المدينة في السماء كرات سوداء وبيضاء ملونة تتراقص فيما بينها لمدة طويلة اختفت بعدها بسرعة. ومع ظهور الصحافة وغيرها من وسائل النشر، أصبح بالإمكان معرفة الكثير عن مشاهدات هذه الظواهر خلال العصور الحالية ولعل أول تقرير صحفي ورد فيه ذكر “طبق طائر” هو ما شاهده فلاح من مدينة تكساس وصف فيه رؤيته لجسم طائر يشبه الطبق ويسير بسرعة شديدة وذلك في عام 1878. وفي الفترة بين عامي 1896-1897 حدثت موجة من المشاهدات في أنحاء الولايات المتحدة ذكرتها الصحافة آنذاك، كان أغربها ما شاهده ثلاثة من الفلاحين في ولاية كنساس يوم 19 نيسان 1897، فعلى ارتفاع عشرة أمتار شاهد الثلاثة جسما كبيرا بطول مائة متر يشبه السيكار ويهبط ببطء على قطيع أغنام يعود إلى أحد الفلاحين الثلاثة وخلال الإدلاء بشهادتهم في المحكمة فيما بعد أفاد الرجال الثلاثة، تحت القسم، بأنهم شاهدوا ستة أشخاص على متن هذا الجسم الغريب، وبأشكال مختلفة لم يكن أحدهم قد شاهد مثلها من قبل، وأن الجسم الغريب اختفى بعد ذلك بسرعة بعد أن اختطف رواده بقرة صغيرة وجد جسمها المقطع في اليوم التالي على بعد أميال من المزرعة" وهذه معلومات موثقة ومتوفرة في الكثير من الأدبيات المخصصة لهذا الموضع وفي الكثير من الكتب والمجلات ومواقع الانترنيت.
بعد هذه الجولة لابد من الإتصال:
ولكن ماذا لو كانت رغبة الاتصال بالكائنات أو المخلوقات الفضائية فكرة سيئة وخطيرة؟ فنحن في الواقع لا نعرف ما إذا كانت الحضارات الكونية أو الفضائية الأخرى مسالمة أم عدوانية، صديقة أم عدوة، من هنا دعت مجموعة من العلماء إلى الحيطة والحذر وألا نكشف عن أنفسنا وعن وجودنا للغرباء الكونيين.
ما ذا سيحصل لو اندفعنا بلا تروي للإعلان عن أنفسنا وإعطاء عنواننا الكوني وإحداثيات كوكبنا مجاناً وبدون مقابل أو تفاوض للحضارات المجرية civihisations galactiques؟
هذا الموضوع يحظى باهتمام علماء كبار لهم وزنهم في الوسط العلمي اليوم ويؤرق نومهم منذ إرسال أولى الإشارات الأرضية عبر الفضاء الخارجي. واليوم توجد مشاريع جادة لإقامة اتصالات مع الحضارات الكونية المفترضة أو المحتملة ويرافقها نقاشات وسجالات حادة ومتوقدة وتتصارع فيها نفس الذرائع والحجج والمبررات.
في العام 1974، بعد إرسال رسالة آرسيبو Arecibo، أعرب العالم الحائزة على جائزة نوبل في الفيزياء وعالم الفلك الراديوي البريطاني مارتن رايلي Martin Ryle عن قلقه من هذه المبادرة واحتج رسمياً لدى الإتحاد الدولي للفلكيين مطالباً بوقف أية مبادرة للاتصال في الحضارات الكونية أو الفضائية المحتملة طالما لم يتوصل البشر بعد إلى إتفاقية دولية واضحة تكون موقعة باسم الجميع ومن قبلهم، يجري بموجبها الاتصال كبشر يمثلون الأرض وليس حكومات وأجناس وقوميات متفرقة ومختلفة في اعتقاداتها واجتهاداتها، وذلك بسبب الطابع الخطير الكامن في مثل هذه المبادرة الخطيرة التي تمس مصير الإنسانية برمتها. فلو اطلعت الحضارات المجرية الغريبة civihisations galactiques extraterrestres، على وجودنا فلربما سيضعون في رأس أولوياتهم وأهدافهم غزونا واستعمارنا وإخضاعنا لهم واستغلال ثرواتنا الطبيعية في كوكبنا وربما إبادتنا من الوجود فلا أحد يعلم ما ستكون عليه نواياهم تجاهنا. فلم يتم التوقيع على أي نص أو وثيقة، ولكن البشر توقفوا عن إرسال الرسائل إلى الفضاء الخارجي بعد تلك الرسالة واكتفوا بالتنصت للإشارات القادمة من أعماق الفضاء الخارجي التي قد تكون مرسلة عن قصد أو عن غير قصد من قبل مثل تلك الحضارات الفضائية المتطورة.
وفي سنة 1999، انهار اتفاق مبدئي ضمني كان يجري التحضير له يحمل عنوان الدعوة الكونية Cosmic Call، بشأن أول إشارة بشرية مقصودة ومتعمدة أعدت على مستوى دولي منذ تجربة آريسيبو، وأرسلت إلى أربع نجوم تبعد عن الأرض بضعة عشرات من السنين الضوئية فقط. وهي مبادر فردية شخصية، أهلية وليست رسمية، قادها العالم الفلكي الروسي ألكسندر زاييتسيف Alexandre Zaitsev، تفلت من اية سيطرة أو مراقبة رسمية تبعتها محاولات فردية أهلية أخرى، مثيرة الكثير من ردود الفعل والاحتجاجات لأنها تعرض البشرية كلها للخطر. بل إن الإنقسام قد حدث حتى داخل منظمة سيتي Seti- Search for Extraterrestrial intelligence، حيث اختلفت الآراء بين العلماء العاملين داخل هذه المؤسسة العلمية المرموقة. والمعروف أنها تأسست عام 1960 في الولايات المتحدة الأمريكية وتضم عدد من المشاريع والبرامج عبر العالم هدفها رصد والتنصت على الإشارات الفضائية بواسطة أجهزة الرصد الراديوية Radiotéléscopes الأكثر تطوراً وكفاءة وقوة، والتي قد تبثها الحضارات الكونية، عن قصد أو بدون قصد، من كواكبها المأهولة باتجاه الفضاء الخارجي كما كنا نريد أن نفعل نحن سكان الأرض. الغاية الأساسية لهذه المنطمة العلمية، هي الاستماع وليس الاتصال، ولكن، ومنذ بضع سنوات دعا بعض العلماء العاملين فيها إلى مقاربة أكثر نشاطاً وحيوية وجرأة تمثلت بإرسال إشارات بشرية أرضية على نحو منتظم ومبرمج ومستمر systématique لإطلاع الكون المرئي بوجودنا، وبذلك تحولت سيتي إلى ميتي Meti – Messanging to Extraterrestrial intelligence، وكان رئيس هذه المجموعة شبه المنشقة في داخل سيتي هو دوغلاس فاكوش Dooglas Vakoch، عضو معهد سيتي لغاية شهر يناير كانون الثاني يناير 2016، ومعه سيث شوستاك Seth Shostak، المدير الحالي لمركز الأبحاث في معهد سيتي. وقد أكد الإثنان موقفهما إبان اللقاء السنوي للجمعية الأمريكية لتقدم العلوم AAAS- American Association for the Advancment of Science، التي تنشر مجلة العلوم الأمريكية الشهيرة Magazine Science، في شباط 2015. وقد ذكر دوغلاس فاكوش في مداخلته قائلاً: خلال خمسون عاماً وجهنا أجهزة الراديوتلسكوب التلسكوبات الراديوية باتجاه النجوم بحثاً عن إشارات من حضارات فضائية أخرى ولكن دون أن نحقق اية نتائد ودون أن ننجح في مهمتنا لذا آن الأوان لتغيير منهجنا ومقاربتنا". وأضاف:" مع برنامجنا هذا ستي النشطة Active Seti، نقوم بعكس العملية ونتخذ دوراً أكثر نشاطاً وتحركاً أكثر إيجابية وذلك بإرسالنا للعوالم الأخرى إشارات قوية وغنية بالمعلومات على أمل الحصول على ردود". والهدف المنشود من هذا التغيير هو كسر طوق " الصمت الكبير" بين النجوم والمجرات intersidéral وتحطيمه، من المصدر الذي هو مفارقة فيرمي paradox de Fermi، التي تقول بما أن نظامنا الشمسي هو أحدث من الأنظمة الشمسية الأخرى في مجرتنا درب التبانة، فكان من المفترض أن نكتشف بأنفسنا أو نكتشف من قبل غيرنا، ونعثر على حضارات كونية أكثر تطوراً وتقدماً علمياً منا. وقد اقترح فاكوش استغلال الفائض من الوقت للرادارت الأرضية الضخمة المخصصة لرصد وكشف المذنبات لإرسال رسائل باتجاه نجوم محددة بعينها. في حين أطلق سيث شوستاك من جانبه، فكرة إرسال المحتوى الكامل للأنترنيت الأرضي إلى الفضاء الخارجي، حتى لو بدى ذلك كما لو إننا نرسل المعلومات الهيروغليفية إلى القرن التاسع عشر، وسيكون بوسع الحضارات الكونية أو المجرية civihisations galactiques extraterrestres فك شيفرتها بالاعتماد على الوفرة المعلوماتية التي تحتويها الشبكة". الهجمة المضادة التي كانت تعتمل في السر منذ وقت طويل، كانت سريعة وقوية. وفي خضم النقاشات قام حوالي ثلاثون عالماً وباحثاً من أعضاء معهد سيتي بالاعتراض على إرسال إشارات أرضية وكتبوا رسالة مفتوحة بهذا الصدد. وطالبوا بتنظيم نقاش دولي مفتوح حول المسألة قبل الإقدام على أي إرسال من هذا النوع حتى لا يبقى القرار محصوراً بين أيدي بضعة أنفار، افراد يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الأجهزة القوية والفعالة المتطورة للاتصالات " وذكر النص هذه البديهية التي تقول أننا لا نعرف شيئاً عن طبيعة ردة فعل حضارة كونية فضائية متطورة وذكية ومتقدمة علمياً ومتفوقة علينا تكنولوجياً حيال رسالة تردها من الأرض، ولا نعرف شيئاً عن نواياها ولا عن قدراتها التدميرية ومقدرتها التكنولوجية والعلمية التي قد تتسبب في أستئصالنا وإبادتنا ومن المستحيل معرفة ما إذا ستكون مسالمة وأنيسة أم معادية وعدوانية". وعلى الرغم من كونه من غير الموقعين على الرسالة المفتوحة المعارضة لمشروع إرسال رسائل بشرية إلى الحضارات المتقدمة، عبر العالم البريطاني الشهير ستيفن هوكينغ عدة مرات عن رأيه لصالح أخذ الحيطة والحذر والتأني.وقد عبر عن ذلك أيضاً مؤخراً في الصحيفة الإسبانية ألبايس El Pais بمناسبة إطلاق مشروع التقصي أو الإستكشاف الفضائي Breakthrough initiatives الذي يدعمه قائلاً:" لا نعرف الشيء الكثير عن الحضارات الكونية المجرية المتطورة civihisations galactiques extraterrestres، لكننا نعرف البشر وتجاربهم. فلو نظرت إلى التاريخ، فإن الاتصالات بين البشر والكائنات الأقل ذكاءاً وتطوراً غالباً ما انتهت نهاية مأساوية ومفجعة بالنسبة لهذه الأخيرة فاللقاءات بين الحضارات المتفاوتة التطور العلمي أنتهت على نحو سيء بالنسبة لتلك الأقل تقدماً تكنولوجياً. فالحضارة الكونية المتطورة التي تقرأ رسائلنا يمكن أن تكون متقدمة ومتفوقة علينا بمليارات السنين وقد تكون متقدمة علينا كثيراً إلى درجة أنها لن تعبأ بوجودنا ولن توليه أية أهمية كما نتصرف نحن تجاه البكتريا".
ففي الحقيقة نحن لم نتمكن من تقنية الإرسال والاتصال الفضائي إلا منذ قرن وهي فترة لا تتجاوز فرقعة اصبع مقارنة بعمر الكون المرئي 13.8 مليار سنة. فلو كانت هناك حضارة فضائية كونية قادرة على استلام رسالتنا وفك شفرتها فإن احتمال أن تكون أقدم منا وأكثر تطوراً منا بكثير احتمال كبير وبالتالي ضمنياً وعلى نحو كامن أن تكون خطرة علينا".
التعليقات