شتان بين الدولة الجزائرية ومؤسساتها ونخبها وأحزابها السياسية وتياراتها المجتمعية المختلفة قبل أن يوافق البرلمان في السابع من شهر فبرايرالحالي علي التعديلات الدستورية التى اقترحتها مؤسسة الرئاسة.. وبعدها..&
فرق شاسع لاحظه المراقبون علي مستوي حالة الحراك السياسي في هذا البلد قبل إقرار هذه التعديلات وما بعدها..&
الجدير بالملاحظة هنا.. أن الضغوط الإقتصادية التى إنتشرت انعكاساتها السلبية منذ الربع الأخير من العام الماضي، إستفحلت نتائجها بعد هذه اللحظة الفارقة في مسيرة المجتمع الجزائري وزادت تداعياتها..&
مظاهر هذه الضغوط تمثلت في أربعة أمور أساسية.. &
أ - إعلان محافظ البنك المركزي اأن إحتياطيات البلاد من العملات الأجنبية إنخفضت من مستوي 185 مليار دولار / سبتمبر 2014، إلي مستوي 152 مليار دولار / سبتمبر 2015 كنتيجة مباشرة لترجع اسعار النفط..&
ب - تأكيد وزير المالية أن العجز في ميزانية الدولة للعام القادم سيبلغ 40 مليار دولار !! وبين بوضوح صعوبة إيجاد سبل كفيلة بتغطيته في ظل تقلص موارد صندوق ضبط الإيرادات..&
ج - صندوق ضبط الإيرادات، وهو صندوق سيادي يتم تمويله منذ سنوات طويلة من فروق تصدير النفط وفق السعر المرجعي وهو 37 دولار للبرميل وسعر بيعه الحقيقي في الأسواق العالمية بهدف سد اي عجز تعاني منه ميزانية الدولة، يتعرض لتقلص في حجم موارده منذ منتصف العام الماضي..&
د - يرجح الخبراء أن مشاكل البلاد الإقتصادية والمالية ستنعكس سلباً بشكل مباشر علي مكونات وتوجهات الخطة الخمسية التنموية الحالية ( 2014 – 2019 ) لعدم توافر حجم التمويل الكافي لتحقيق أهدافها والذي يصل إلي 260 مليار دولار..&
هذه المظاهر والمؤشرات دفعت بعض المحللين إلي توقع ان تتبني مؤسسة الرئاسة خطة إصلاح سياسي وإقتصادي مرحلية للحد من سلبياتها المجتمعية وتداعياتها الأمنية بدلاً من أن تشغل الدولة ومؤسساتها بتعديلات دستورية للمرة الثالثة منذ تولي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سدة الحكم، لكن هذا التوقع لم ير النور وسارت الأمور في المسار المعاكس له تماماً !! حيث قامت بإستكمال خطوات عرض التعديل الدستوري علي السلطة التشريعية وفق المخطط الذي ينفذه مستشاروا الرئيس منذ حوالي عام.. &
لذلك..&
هناك شبه إجماع بين المراقبين للشأن الجزائري علي أن مؤسسة الرئاسة عندما تمسكت بإنفاذ مخططها بغض النظر عما قد يسببه من إضطرابات هي في غني عنها، كانت تستغل الحالة المجتعية السياسية المضطربة لكي تزيد من إحكام قبضتها عن طريق تكريس صلاحيات الرئيس ( تولي المسئولية عام 2008 ويمضي قدماً في مسار إستكمال فترة حكمه الرابعة ) فيما يتعلق بتعيين وعزل الوزراء بعيداً عن حق حزب الأغلبية في هذا الخصوص، وتقليص دور الغالبية البرلمانية علي مستوي حقوقها التشريعية و الرقابية..&
ما هي ملامح الحراك المجتمعي الذي كان يتخوف منه المراقبون ؟؟..&
1 – إنفسام غالبية أقطاب الطبقة السياسية علي أنفسهم حيال التعيلات الدستورية بين..
أ - مؤيد يري فيها بداية ميلاد الجمهورية الثانية التي ستبني الشرعية الديموقراطية والتى من شأنها أن تصون الحريات والحقوق..&
وب - رافض ينظر إليها كآلية لتكريس سطوة الجماعات المتصدرة للمشهد السياسي ككل من شأنها أن تبتعد بالبلاد عن المسار الصحيح للإصلاحات السياسية التي طال أمدها، مما يعمق من غياب الحريات ويسقط متطلبات التداول السلمي للسلطة وضمان نزاهة الإنتخابات..&
2 - الصدمة المجتمعة التى أحدثها قرار رفع إسعار بعض المواد الإستهلاكية الحياتية مثل الوقود والكهرباء والماء التى لجأت إليها الحكومة لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تراجع اسعار النفط الخام ( خسرت الحكومة نصف عائداته الخارجية في النصف الثاني من عام 2015 ) بين جنبات المجتمع الذي وجد نفسه بين يوم وليلة يعاني من زيادة اسعارها بنسبة 40 % إلي جانب تصاعد تكلفة عدد من الخدمات التى تعتمد عليها..&
3 – قناعة القاعدة العريضة من فيات الشعب أن مؤسسة الرئاسة، بموافقتها علي قانون رفع أسعار الإحتياجات اليومية للمواطن دون عرضه علي مجلس الامة، تساهم في توسيع هوة الإنقسام المجتمعي وتزيد من حدة اإنسداد السياسي الذي يعاني منه الشارع الجزائرء بعامة..&
4 – إندلاع شرارة المظاهرات التى رفعت شعارات المطالب الفئوية والمحلية، والاعتصامات التى نادي بعضها بإعادة التفكير في سياسات التفشف التى فرضت عليها بغير روية وبلا مراعاة للواقع المجتمعي المعاش، والنداءات الجماهيرية التى صرخت مطالبة بإستبدال قرارات الحكومة العلوية بتخطيط تنموي يراعي ظروف كل ولاية علي حدة وويحقق أهداف فئات المجتمع البسيطة ذات المداخيل المحدودة..&
5 - تعامل السلطة التنفيذية مع المظاهرات والإعتصامات بقسوة أدت إلي إصابة العشرات من المشاركين فيها بإصابات متنوعة، مما اكد تصميم الأجهزة الأمنية علي اللجوء إلي وسائل القمع دون النظر إلي ما يمكن ان ينجم عن ذلك من توسيع مساحة بؤتر التوتر الإجتماعي والسياسي خاصة تحت وطأة تراجع ميزانية " مخزون الريع " الذي توظفه الدولة لضمان إستقرار فئات شعبها المتنوعة علي المستويين الإجتماعي والاقتصادي..&
هذا التخوف من جانب المراقبين كان يقابله تخطيط محكم من جانب أجهزة الدولة المختصة لإقناع النواب بالتصديق علي التعديلات الدستورية المقترحة بهدف لتوحيد الجبهة الداخلية بين مؤيد ومعارض، قام علي..&
- تحذير من مخاطر تقلص فرص الإستقرار في ليبيا مع تزايد احتمالات توجيه ضربات عسكرية إلي قواعد الميليشيات المتطرفة التى تعمل فوق اراضيها، مما يهدد استقرار الجزائر وغيرها من دول الجوار وكذا بعض الدول الأوربية المطلة علي شمال البحر المتوسط..&
- تخوف من تداعي المواجهات المتتالية التي يشهدها المجتمع التونسي بين تياراته الليبرالية والإسلامية واتساع الفجوة بين رؤية كل منها لمستقبل التعاون فيما بينها تجت شعار مصلحة الدولة العليا..&
- الدعوة لأن يصطف الشعب بكل فئاته خلف قواته المسلحة لدعم جاهزيتها عبر عدد من المناورات العسكرية تمهيدا لنشر قواتها البرية والبحرية والجوية بالشكل المناسبة إستعدادا لأسوء الإحتمالات..&
ليس هناك خلاف علي واقعية مصادر التهديد الخارجي التى سهلت علي الحكومة الجزائرية توظيف تداعياتها لصالح إقرار التعديلات الدستورية بنسبة عالية من التصويت البرلماني..&
لكن الخلاف يدور حول ما قد تؤدي إليه هذه المجموعة المتداخلة من التوجسات الداخلية والقلاقل المحتمعية إستعلها النظام لكي يرسخ من صلاحيات رئيس الجمهورية بحيث يسمح له بتوريث منصبه لشقيقه الأصغر، من تنشيط لبؤر التطرف التى قد تستغلها انظمة دموية في إشعال حرائق متفرقة علي الساحة اجزائرية..&
الأمر الذي نأمل ان لا يتحقق لأن ما هو مشتعلمنها فعلا يكفي وزيادة..&
&