&

&
&
&
د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان
&
زارنا في اليابان، في الأسبوع الماضي، مجموعة من طلاب المدارس الثانوية في مملكة البحرين، وقد برز التغير في تفكيرهم وسلوكهم بسرعة، وخلال أيام قليلة، بعد أن بدأوا يتعرفوا على الثقافة، والسلوك، والتعليم، والتكنولوجية اليابانية. وحينما تشرفت بمقابلتهم، وتناولت الغذاء معهم، طرحوا سؤالا مهما: "بعد تجربتك سعادة السفير لعقد من الزمن في اليابان، ماذا تنصحنا في إختيار مجالات تخصصنا؟" وقد كان ردي بسيطا جدا: "أنتم المستقبل، ونحن الماضي، فاليوم في عالم التكنولوجية، المتطورة بسرعة هائلة، وفي عالم العولمة الواسعة، من الصعب أن يخمن رجل الماضي عن مستقبل الشباب. وأقترح عليكم أن ترجعوا للإنترنت، وتدرسوا ما هي التطورات التكنولوجية القادمة، كما عليكم أن تختاروا مهمنة مستقبلية لن يسرقها "لروبوت" منكم. فاليوم في الدول المتقدمة، 80% من الإعمال مرتبطة بالخدمات، بينما كثير من الصناعات لعبت تكنولوجية "الروبوت" دورا كبيرا في خفض عمالتها البشرية. فقد زرت مصنعا في اليابان يصنع الروبوت، الإنسان الألي، لعدة مجالات في الصناعة، ويعمل هذه المعمل أربعة وعشرون ساعة، بدون عمالة بشرية، ويتحدد دور العمالة البشرية في الغرفة المركزية للمراقبة."
وقد شجعني الحديث مع طلبة مملكة البحرين، للبحث عن تكنولوجيات المستقبل، وقد لفت نظري كتاب، لأليك روس، وبعنوان، صناعات المستقبل. فلنتصفح عزيزي القارئ بعض بنود هذا الكتاب الشيق. فيعتقد الكاتب بأنه في العقد الماضي إعتمدت صناعة الترليون دولار على تكنولوجية الإنترنت، بينما ستبنى صناعة التريليون دولار المستقبلية على بيولوجية الشفرة الجينية للمورثات. وهنا قبل أن نكمل الحديث، ليسمح لي عزيزي القارئ مقدمة علمية بيولوجية بسيطة لفهم موضوع الجينوم والشفرات الجينية. يتكون الجسم البشري من أعضاء مختلفة، كالجلد، والعضلات والعظام، والقلب والرئة، والمعدة والأمعاء، والمخ والأعصاب. وتتكون كل من هذه الأعضاء، من وحدات ميكروسكوبية متناهية في الصغر تسمى بالخلايا. فيتكون جسم الإنسان من آلاف التريليونات من الخلايا، وتتميز معظم هذه الخلايا بتناسق عملها مع بعضها البعض، وبأن بها مصانع عديدة تقوم بإنتاج الطاقة اللازمة للعمليات الصناعية في الخلية، كما أن بها مصانع مختلفة تنتج أنواع مختلفة من المواد السكرية والدهنية والبروتينية والهرمونات، ومواد بيولوجية معقدة أخرى. كما أن هناك جهاز مركزي يقوم بالسيطرة على مهام كل مصنع من مصانع الخلية، ويتكون هذا الجهاز المركزي من مركز كومبيوترات بيولوجي، يعتمد على شفرات بيولوجية، مكونة من مادة تسمى "دي. إن. أيه." والتي تحتوي على شفرات بيولوجية تحدد مسئوليات مصانع الخلية. وتكون مادة دي. إن. إيه. الجينات، والتي بدورها تشكل المورثات. وقد إكتشف العلم الحديث تكوينة جميع جينات الجسم البشري، والذي يسمي بالجينوم، وتحتوي خلية الجسم البشري على أكثر من ثلاثة بلايين زوج من "دي. إن. إيه." ويمكن أي إنسان أن يرسل دمه للمختبر لدراسة تركيبة الجينوم لديه، وبذلك من الممكن أن يتعرف المختصيين على نوعية دي. إن. إيه. عند الشخص، كما يمكنهم التعرف على أية جينات مرضيه قد تودي مستقبلا لإمكانية إصابة الشخص بأمراض مختلفة، كداء السكري، وأمراض القلب، وأمراض السرطان، والعمل على علاج المرض قبل أن يبدأ في غزو جسم الإنسان. كما يمكن من خلال دراسة الجينوم أن يدرك الطبيب أفضل طريقة لعلاج الشخص نفسه، فاليوم تعالج جميع مرضى مرض معين بنفس الدواء، بينما سيتمكن الإطباء في المستقبل تحديد وتخصيص نوعية العلاج لكل فرد على حدة، حسب طبيعة جيناته، بل يجرب الدواء على خلايا المريض في المختبر، قبل العلاج، وسيؤدي ذلك لنتائج علاجية أفضل. &ومع أن فحص الجينوم مكلف اليوم، ولكن مع الوقت قد يصبح فحص بسيط، بكلفة منخفضة، كإي فحص دم آخر.&
&
ومع معرفة مكونات الجينوم في الجسم البشري، يمكن الإستفادة من ذلك في تطوير تصنيع الكثير من العلاجات. حيث كما ذكرنا من قبل بأن مادة دي. إن. إيه التي يتكون منها الجينوم، والتي بها شفرات بيولوجية تحدد عمليات التصنيع في الخلايا البشرية، بحيث يمكننا اليوم أن نستفيذ من هذه الشفرات البيولوجية في توجهيه (بحقنها) الكائنات الوحيدة الخلايا، كالجراثيم، في تصنيع أي نوع من المواد الذي يصنعها الجسم البشري، كهرمون الإنسولين مثلا.
&
& وقد ناقش أليك روس في كتابه، صناعات المستقبل، تفاصيل الصناعات التكنولوجية للقرن الحادي والعشرين، كما وضح السياقات الجيوسياسية والثقافية والبشرية المستقبلية التي ستبرز منها، وأكد بأن التكنولوجيات المتنوعة الجديدة ستخل بهدوء حياتنا، من الروبوت والجينات، وحتى العملة الإلكترونية. بل وأهم هذه التكنولوجيات التي ستغير حياة معظم البشر في المستقبل تتعلق بتسويق الجينوم، حيث سيعيش أطفالنا عمر أطول، قد يصل إلى 146 سنة، وصحة أفضل. فمع تطور الرعاية الصحية اليوم، ولكنها محدودة في طرق علاجها على المجموع، وليس على التخصيص على الفرد الواحد، ولكن في المستقبل سيحدد علاج كل شخص حسب الشفرات الجينية الخاصة به، بعد أن يصبح الفحص الجيني رخيص جدا، ونعرف أكثر وأكثر ما الذي نبحث عنه، لنكتشف الأمراض قبل أن تبدأ في جسم الإنسان. "فصناعة التريلون دولار السابقة بنيت على شفرة الكومبيوتر، بينما صناعة التريليون دولار القادمة ستبنى على الشفرة الجنينية، فتسويق الشفرة الجنينية ستؤدي لثورة في حياة معظم البشر على سطح الكرة الأرضية."&
&
وينتقل الكاتب من الحديث عن الشفرات البيولوجية للحديث عن الشفرات الإلكترونية، والكميات الهائلة من المعطيات التي تجمعها الدول، من خلال حكوماتها الإلكترونية، ومن خلال التجسس على شبكات التواصل الإجتماعي الإلكترونية. كما أن هناك خطر من الكمية الهائلة من المعطيات التي تجمعها الكومبيوترات الهائلة القوة، فهناك إحتمالات كبيرة في قيد التطور أكثر مما نتصورها. بل هناك تطبيقات إلكترونية يمكن من خلالها، مثلا، متابعة سلوك الطلبة، كتطبيقات "Good2Go "، بسبب إرتفاع نسب السلوك الشاذ في الجامعات، وتزايد العنف الجنسي، حيث توثق النشاطات الجنسية الشاذة، ويمكن أن يضاف لها قراءة نسبة الكحول في الدم، وتصرف الشباب في الحانات، وبذلك يتابع سلوك الطلبة، ومن خلال ذلك تحدد، وتقنن، وتجمع القوانين وتنسقها، للتعامل مع النشاطات السلوكية الشاذة في الجامعات. كما يمكن أن تكون تلك المعطيات مفيدة في &إتفاقيات الخدمة، بل ويمكن بيعها، بل الأسوء يمكن أن تسرق هذه المعلومات بالتلاعب بالشفرات الإلكترونية، فتكون العاقبة وخيمة.&
&
كما سيكون للمعطيات الإلكترونية دورا كبيرا في العمل الدبلوماسي، وخاصة في السياسات الشوؤن الخارجية والأمنية. فقد إنتقلنا من من مرحلة الحرب الباردة، إلى مرحلة حرب الشفرات الإلكترونية، فعسكرة الشفرات الإلكترونية هي أكبر تطور في العلوم العسكرية منذ إختراع القنبلة الذرية. فليس هناك اليوم قائد سياسي لا يعتبر من أولويات عمله الشفرات الألكترونية الإمنية، كأهم جدول عمل في الأمن الوطني. &ولكن يبدو بأن هناك خلافات دولية حول هذا الموضوع، والتطور بطيء في هذا المجال، والكل مغضوب عليهم من تصرفاتهم في عالم الشفرات الإلكترونية، ولأسباب مختلفة، "فالولايات المتحدة لتجسسها على الأخرين، والصين لسرقتها الأي بي، وروسيا لإستخدامها للدخول لحسابات بنوك الآخرين". ولكن مع ذلك بدأ يزداد الإهتمام بقوانين حماية حقوق الملكية الفكرية، بعد أن بدأ الإقتصاد الصيني ينضج، من إقتصاد نامي إلى إقتصاد متقدم، مع إستثمارت صينية هائلة في أبحاث الشفرات الجينية، لتتغير اولوياتها، كما نتوقع بأن تهتم الصين في العمل على حماية الحقوق الملكية الفكرية، والتي قد تفتح الطريق لنقاشات جدية في هذا المجال. وينهي الكاتب حواره بالقول: "فتكنولوجيات المستقبل ستحول عالمنا لعالم أفضل، بحيث نربط التطورات التكنولوجية بقيمنا، وأنظمة سياساتنا المجتمعية والدولية. وطبعا هذه المسئولية لا تقع فقط عبئا على الحكومة والصناعة، فقد إحتاج من قبل تنظيم الإنترنت للدولة والحكومة والصناعة والتجارة والأكاديمية، وسنحتاج ذلك أيضا للجنوميكس، والمعطيات الهائلة، والتكنولوجيات الأخرى المستقبلية. كما سيحتاج كل ذلك لتربية أطفالنا وتجهيزهم لوظائف المستقبل، وذلك بتهيئتهم عقليا للعولمة، وللثقافات المتنوعة، وبأن يكونوا على خبرة في طريقة البحث عن المعلومة لحل المعضلات المعقدة، لإيجاد الحلول المنطقية لعلاجها، وبأن تكون لديهم القدرة والإمكانيات التكنولوجية لتحقيق ذلك، كما عليهم أن يتعلمون تنظيم المعلومات وتنسيقها وتبويبها، فهذه القدرات تطور طريقة تفكيرهم، لتفيذهم كثيرا في إختصاصات وظائفهم المستقبلية." &ولنا لقاء. & &
&