&

عندما أعلن يوم 8 مارس الماضي عن بدء المناورات العسكرية السنوية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والتى قيل إنها ستتواصل إلي نهاية شهر إبريل الحالي ، لم تعلق بكين بأي تعليق بعكس إعتراضاتها علي مثل هذه العمليات خاصة وأن غالبية أدوارها ستجري بالقرب من مياه بحر الصين الجنوبي الذي تتمسك الصين بأن لها وحدها حق السيادة الكاملة عليه .. بل أكدت مرة أخري أن هذه التدريبات لن تثنيها عن إستكمال إنشاء الجزر الصناعية وتعزيز قدراتها بالوسائل الدفاعية وفق احدث ما تملك من تقنيات حربية .. &
لكن هذا الحال تبدل يوم الرابع من إبريل حيث أصدرت بكين تحذيراً شديد اللهجة عندما إنضمت الفلبين إلي المناورات التى تحاكي تجربة إنزال بحري علي احدي الجزر للسيطرة علي منصة للنفط والغاز لأنها تعرض السفن التى تعمل علي الخط الملاحي بينها وبين العالم الخارجي لأخطار جمة " الأمر الذي من شأنه أن يُعرض الامن والإستقرار في هذا الجزء من العالم للإهتزاز والإضطراب " ..&
هل موقف الصين متغير إلي هذا الحد ؟ ..&
ليس هناك تغيير ولا تبديل في الرؤية .. الأمر وما فيه ..&
في المرة الأولي كان توقيع بكين علي قرار مجاس الأمن – أوائل مارس الماضي - بتوسيع العقوبات الدولية المفروضة علي كوريا الشمالية لا زال طازجاً ، كما أن أجواء ومراحل مناورات الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية السنوية ، كانت بعيدة إلي حد ما عن بحر الصين الجنوبي .. لذا لم يكن هناك محل من جانبها لأن تبدي إعتراض أو تحذير في هذا الشأن خصوصا وانها تجري في هذا التوقيت منذ اربعين عام ..&
ولكنها من جانب آخر صبت كافة إعتراضاتها علي " الأمر التنفيذي " الذي وقعه الرئيس الأمريكي بتعزير العقوبات التى تفرضها واشنطن علي سيول ، بإعتبار أن فحوي بنود قرار مجلس الأمن فيها الكفاية !! ورفضاً لما وصف بأنه عقاباً لحزب العمال الكوري الشمالي الحاكم لا يقصد به الشعب الكوري ، وإنكاراً لربط البيت الأبيض قضية الطالب الأمريكي الذي حكمت عليه محكمة كوريا الشمالية العليا بالسجن 15 عام " لإدانته بإرتكاب جرائم ضد الشعب الكوري ودولته " بالعقوبات أي كان نوعها ..&
لكن في المرة الثانية عندما اقتربت المناورات من حدودها المائية كان لابد لها أن تطلق هذا التحذير الذي قُصد به التأكيد علي أن مثل هذه التدريبات العسكرية لا تعني أن الفلبين قادرة علي تطبيقها في الواقع علي أن جزيرة من الجزر التابعة لها .. ولإعادة التذكير بأن الأخرين ليس لهم حقوق سيادية في هذه المنطقة من العالم ..
الصين شاركت الولايات المتحدة في وضع مسودة قرار مجلس الأمن الخاص بتوسيع العقوبات المفروضة علي حليفتها كوريا الشمالية بما في ذلك إخضاع السفن الخارجة من موانيها وكذا المبحرة إليها للتفتيش الدقيق ردا علي قيام بيونج يانج بإجراء تجربة نووية في السادس من يناير الماضي وإطلاق صاروخ بالستي بعدها بعدها بشهر واحد .. وإعتراضاً علي ما تقوم به من إستفزازات حيال جارتها الجنوبية بما يفتح الباب لتداعي مؤشرات التوتر والقلق بين الطرفين ..&
كان بامكان الصين أن لا تشارك في الصياغة وأن تستخدم حق الإعتراض عند التصويت عليه في مجلس الأمن ، لكنها أقدمت علي كلا الخطوتين – الصياغة والموافقة - للتقليل من صرامة ما قد تصمم واشنطن علي أن تفرضه علي سيول من عقوبات من ناحية ، ولكي تخفف من غلواء حليفتها وتَحد من إندفاعاتها التي لابد أن تضر أبلغ الضرر بشبة الجزيرة الكورية واليابان من ناحية أخري ..&
أما كوريا الشمالية فواصلت ترقي سلم التصعيد .. &
أعربت عن رفضها للقرار الأممي بعد ساعات معدودة من إعلانه بإطلاق إثني عشر صاروخاً قصيرة المدي علي مرتين متتاليتين من إحدي قواعدها علي الساحل الشرقي .. في شكل رسالة مزدوجة إلي واشنطن تقول انها ترفض مقولة الرئيس الامريكي أن العالم يتحدث إلي سيول بصوت واحد ، وانها لن توقف برنامجها النووي العسكري وانها مستعدة دائماُ للدفاع عن نفسها في أي وقت ..
بعدها بعدة أيام أعلنت سيول عما وصفته بـ " الإنجاز التاريخي علي مستوي ملفها النووي " وذلك بعد أن قامت بتجربة ناجحة أطلقت من خلالها صاروخ متوسط المدي يعمل بالوقود الصلب .. وفي أعقاب هذا الإنجاز اعلن زعيمها كيم جونج أون أن بلاده نحجت في تصغير رؤوس نووية ، الأمر الذي سيتيح لها في المستقبل القريب تحميلها علي صواريخ بالستية ..&
وقبل نهاية شهر مارس الماضي تعمدت بوينج يانج رداً علي المناورات التى أجرتها كوريا الجنوبية في بحر اليابان القريب من حدودها الجنوبية ، أن تنشر شريط فيديو بعنون " الفرصة الأخيرة " يكشف قدراتها الذاتية علي توجيه ضربة نووية لواشنطن وأخري لعدوتها اللدود كوريا الجنوبية ، ووصفت هذه العملية التى إنتهت بإحراق العلم الأمريكي بأنها كسر لطوق الحصار التى تفرضه واشنطن عليها كما فعلت عندما فرضت حصار غير مبرر علي مدينة ليننجراد أيام الحرب العالمية الثانية ..&
دعونا نتفق علي أنه ..&
لا جدال بين المهتمين بالعلاقات الدولية في هذا الركن من العالم أن سيول معزولة سياسياً ودولياً بشكل يتوافق مع السياسات الأمريكية في هذه المنطقة من العالم .. وليس هناك من ينكر براعتها – سيول - في إستغلال علاقتها المتميزة مع بكين للتخفيف من هذه العزلة ولتعويض إحتياجات شعبها الحياتية ..&
ولا خلاف يذكر بين المراقبين حول ما تثيره سياسات سيول الإسفزازية من توتر علي مستوي شبه الجزيرة الكورية واليابان خاصة علي مستوي رفع درجات التأهب بين القوات المسلحة لكليهما وما تجريه دورياً من تجارب لإختبار اسلحها الجديدة سواء كانت دفاعية او هجومية ..&
من هنا يمكن لنا القول أن ..&
الورقة الكورية الشمالية في يد الصين تتميز بالمرونة التى تفرض عليها ان تلتزم الصمت تجاه ممارساتها الصبيانية في بعض الأحيان لذلك وافقت علي بنود قرار مجلس الآمن الأخير ، وهي علي يقين تام أن ..&
1 - مطلب تفتيش السفن الذاهبة إليها والقادمة منها به الكثير من الثغرات التى ستجعله في بعض الأحيان حبر علي ورق ..&
2 – منح أعضاء المنظمة الدولية حق طرد دبلوماسييها إذا ما ثبت تورطهم في أنشطة غير مشروعة لا يضيف شئ لمثل هذا الحق السيادي الذي يتم تطبقيه في جميع أنحاء العالم دون حاجة لقرار من مجلس الأمن ..&
3 – وضع 16 شخص و 12 كيان ساعدت سيول علي تطوير اسلحتها النووية البالستية علي قائمة العقوبات لن يؤثر كثيراً علي حركتهم وحركة أموالهم التى يقال أن مؤسسات الصين المالية والاستثمارية ترعاها حق الرعاية ..&
وبعيدا عن ممارسة سيول الصبيانة ، لا تسمح الصين بأن تمس سيادتها من قريب ولا ان تتعرض للتهديد .. لذلك سارعت بلإطلاق تحذيرها شديد اللجهة عندما إنضمنت الفلبين للمشاركة في المناورات العسكرية وأعلن المتحدث الرسمي بإسمها أن " تخطيط واشنطن لنشر حاجز من الصواريخ الدفاعية في المنطقة الواقعة بين كوريا الجنوبية والفلبين سيقابل بالرفض علي كافة المتسويات " ..
لذلك رأينا بكين تقابل بهدوء أعصاب خبر فقدان حليفتها منتصف الشهر الماضي لواحدة من غواصاتها أثناء مشاركتها في دورية روتينية لحراسة لسواحلها الشرقية ، ولم تتوافق مع التصريحات التى أكدت أن الغواصة ضلت طريقها ووقعت في يد طرف معادي لسيول أو أنها غرقت في المياه الدولية أو الإشاعات التى رجحت أنها أُصيبت بصاروخ علي يد واحدة من القطع البحرية الأمريكية المشاركة في المناورات العسكرية التى لا زالت تجري في هذه المنطقة التي تطل علي الحدود الجنوبية لكوريا الشمالية ..&
معاناة كوريا الشمالية بسسب أيدلوجيتها وموقعها الجغرافي منذ نهايات الحرب العالمية الثانية حتمت عليها ليس فقط التقارب من الإتحاد السوفيتي ولكن أن يكون تحالفها الإستراتيجي مع الصين قابلاً للتطوير والتحديث من عام لآخر بعد تباعد موسكو النسبي عنها نتيجة لإنهيار منظومة الإتحاد السوفيتي .. وفرضت عليها أن تكون في مواجهة مستمرة مع السياسات الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية واليابان طالما انها لا تنصاع لمتلطبات هذه السياسات خاصة في مستواها الأمني المخابراتي ..&
لذلك كان صوتها دائماً صارخاً ضد كل ما تقوم به واشنطن من ضغوط متواصلة لكي تخضعها لتوجهاتها السياسية علي مستوي بلدان هذه المنطقة .. وقادرا في نفس القوت علي الإعلان عن قدرتها علي السير فوق الألغام لتأكيد قدرتها منفردة علي اتخاذ القرار الاستفززي لها ولحلفائها في المنطقة إعتمادا علي الظهر الصيني الذي تستند إليه .. &
&