شكل سقوط الامير خزعل بن جابر، آخر حاكم عربي لإمارة عربستان - او مملكة عربستان كما يصفها الفرس - في العام 1925، انطلاقة لعملية تفريس مستمرة الى يومنا هذا. فقد قام الشاه رضا البهلوي بتغيير اسم عربستان الى ”خوزستان“؛ وفي العام 1935 وبالتزامن مع اغتيال الامير خزعل في محل اقامته الجبرية بطهران، تم تغيير اسماء المحمرة وعبادان والخفاجية والفلاحية الى خورمشهر، وآبادان، وسوسنغرد، وشادغان. اذ شكلت تغيير اسماء الاقليم والمدن، خطوة اولى لتفريس نحو 172 مدينة وقرية وحي ونهر وموقع طبيعي وجغرافي عربي في الاقليم. و كانت تغيير الاسماء مقدمة لتغيير الخريطة الديمغرافية للامارة السابقة والمحافظة الحالية، لصالح غير العرب. وقد بذلت السلطات المتعاقبة - قبل وبعد الثورة - جهودا حثيثة وبشتى الطرق والوسائل، الناعمة والخشنة لكي تصبح عربستان باغلبيتها، منطقة فارسية، بل وهناك عدة مخططات، كانت اخرها توصف ب“الاستراتيجية الأمنية“، ترمي الى تحويل الأهواز العاصمة وخلال عشرين سنة من الان الى مدينة ذات اغلبية بختيارية، نسبة الى القومية البختيارية القاطنة في الاقليم المجاور لعربستان والتي تم اسكان العديد منهم في الأهواز العاصمة والمدن العربستانية الاخرى خلال عهد الجمهورية الاسلامية الإيرانية.

بعد قيام الثورة الايرانية وعند زيارة وفد الشعب العربي الأهوازي الى طهران في ابريل 1979 طالبنا الحكومة المؤقتة بإعادة الاسماء العربية التاريخية الى الاقليم وجميع المدن التي تم تغييرها، حيث اعلن اية الله الخميني، الغاء كل ما قام به النظام البهلوي من اجراءات. فلم يتم ذلك بل كان ردهم على مظاهرات جماهيرنا السلمية في المحمرة في يونيو من ذلك العام بالحديد والنار.
في العام 2002 ولأول مرة بعد سنوات من البطش والقمع، طرحت مسمى ”المحمرة“ بدل ”خورمشهر“ - الاسم الفارسي المفروض على اهل المدينة - واقترحت ان تطرح الاسماء العربية للمدن العربستانية في البرلمان للتصديق عليها وذلك في محاضرة لي بوزارة الداخلية الايرانية وتم نشر ذلك في صحيفة همشهري الواسعة الانتشار في ايران. وقد اثار مجرد ذكر هذا المسمى، حفيظة القوميين والمتشددين الاسلاميين في ايران. اذ كان احدى التهم الموجهة الي في المحكمة الثورية التي رأسها، القاضي السيء السمعة، ابوالقاسم صلواتي في طهران، ”استخدام اسماء عربية لمحافظة خوزستان ذات طابع انفصالي“. لكنني استمريت، وانا في ايران، في استخدام الاسماء العربية في مقالاتي بل فندت ادعاءات الرئيس الاسبق هاشمي رفسنجاني ووزير الخارجية الاسبق علي اكبر ولايتي حول اختراع و اطلاق هذه الاسماء من قبل الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين، واكدت في رسالتين موجهتين لهما، نُشرتا في الصحف الايرانية وبالفارسية الفصحى، ان هذه الاسماء كانت تطلق على المدن منذ مئات السنين ولايزال تستخدمها الجماهير العربية في اقليم عربستان وتبقى الاسماء الفارسية المفروضة، رسمية فقط. فلم يتجرأ لا علي شمخاني ولارجل الدين محسن حيدري ولااي شخص اخر من جماعة النظام الديني القمعي في ايران ان ينبس ببنت شفة في هذا المجال، بل كانوا من المعارضين المتشددين للتسميات العربية. والانكي من ذلك كانت لي في العام 2003 مقابلة مع الشيخ محمد الكرمي، احد ابرز مراجع التقليد الشيعية في الأهواز، وفيما كنت استخدم كلمة المحمرة كان يستخدم مسمى ”خورمشهر“ في تلك المقابلة وشاهدي حي حاليا في بريطانيا. والكرمي هذا كان مؤيدا للنظام الديني في اوائل الثورة وضد الحركة القومية الاهوازية ومن ثم تم تهميشه واصبح معارض منفعل.
فقد ادت ثورة المعلومات وظهور جيل جديد في المجتمع الاهوازي وتعاظم شأن الحركة القومية في عربستان الى طرح مطلب إعادة الاسماء العربية التاريخية من جديد و بشكل علني. اذ اطلقت مجموعة من النخبة والناشطين العرب في مدينة الخفاجية قبل اشهر، حملة لإعادة اسم المدينة من ”سوسنكرد“ الفارسي الى ”الخفاجية“ وهم مستمرون في حملتهم المدنية حتى اللحظة. كما طالب قبل ايام، نائب مدينة الفلاحية (شادغان) في البرلمان الايراني، الشيخ مجيد الناصري بإعادة الاسماء التاريخية للمدن العربية بدل الفارسية وذلك بطرق قانونية. كما ناصره في ذلك ممثل الأهواز في مجلس الخبراء، رجل الدين محسن الحيدري. وقد تم بث شريط فيديو يظهر فيه امين المجلس الاعلى للامن القومي علي شمخاني وهو يتلفظ الاسماء العربية لبعض المدن العربستانية. ويبدو ان النائب الأهوازي الاخر في مجلس الخبراء، عباس الكعبي هو الاخر يدافع عن هذا الامر. وقد اثارت هذه الامور، حفيظة القوميين وبعض الاصلاحيين والمعتدلين من الاقلية الفارسية في الاقليم وكذلك هاشمي رفسنجاني الذي كرر في تصريحات له مؤخرا ما يقوله القوميين الفرس في هذا المجال. ويعارض هؤلاء اي حراك لتغيير الاسماء الفارسية المفروضة على العرب. اذ اتهم هؤلاء، المطالبين بإعادة الاسماء العربية بالبعثيين وبقايا مؤيدي صدام حسين. والانكى في الامر ان الاصلاحيين العرب الاهوازيين - خلافا للاصلاحيين الفرس - يدافعون عن عملية إعادة الاسماء ويشكلون الى جانب المحافظين العرب صفا واحدا في هذا الامر. اذ تنقلب هنا الاصطفافات - اصلاحي ومعتدل ضد محافظ متشدد - على مستوى ايران رأسا على عقب عند مثل هذه القضية التي تخص العرب وهويتهم. ولم نعرف موقف مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي الذي شبه في تصريحات له مؤخرا، موضوع القوميات غير الفارسية بالفالق الزلزالي، محذرا من خطر تفعيل هذا الفالق وتحويله الى زلزال مدمر. ويتحفظ التيار القومي العربي المستقل في الداخل على هذا الحراك بسبب طرحه من قبل المحافظين والاصلاحيين العرب. كما هناك عناصراهوازية تزعم ان ذلك لن يتم الا بعد تحرير عربستان وينفون بذلك اي حراك مدني مرحلي يتم من قبل ابناء شعبنا في الاقليم، اذ تخدم مواقفهم هذه، اهداف المتشددين المعادين للعرب في السلطة الايرانية.
ليس من المستبعد ان لايستمر هذا التيار العربي - المحافظ والاصلاحي - الى النهاية في طرح مثل هذا الموضوع الذي يثير حساسية الكثير من الفرس، لكن هذا لايعني ان تلتزم القوى الفاعلة في الداخل والخارج، الصمت، بل عليها ان تساند عملية إعادة الاسماء العربية التاريخية وبصوت مستقل، دون ان تكون تابعا للتيار الآنف الذكر الذي رفض محاولاتنا السابقة - بعيد قيام الثورة وحتى قبل اعوام - لإستعادة الاسماء العربية، و صمت ازاء كل جرائم النظام ضد الشعب العربي بعد قيام الثورة، بل وشارك البعض منه في قمع القوى القومية والتقدمية الاهوازية. وقد يحدث الان نوع من التلاقي التكتيكي حول هذا الموضوع بين القوى الأهوازية المتنوعة والفاعلة على الارض بالرغم من امتلاكها استراتيجيات مختلفة. فيجب على القوى القومية والمستقلة القيام بتعبئة الجماهير الاهوازية وحثهم على المطالبة لإستعادة اسماء مدنهم العربية تحت شعار ”خذ وطالب اكثر“، رغم اني لست متفائلا بإعادة اسماء كل المدن والاقليم لكن يمكن ان يصادق البرلمان على ذلك فيما يخص مدينة او مدينتين مثل الخفاجية والفلاحية لكن يجب القيام بنشاط توعوي ودعائي واسع، خاصة في الاعلام الفارسي وذلك للتأثير على الرأي العام الايراني. وحتى لو تم هذا، يجب الترحيب به لانه سيحفز جماهير المدن الكبرى ايضا بان تحذي حذو المدن التي يتم إعادة اسمائها. وسيكون ذلك مكسبا للحركة القومية في الاقليم وتأكيدا على هويته العربية.
فلاننسى ان تغيير مسمى ”باختران“ الذي اطلق على مدينة ”كرمانشاه“ بعد قيام الثورة عام 1979 لم يتم الا بعد احتجاجات واسعة وحراك مدني لأبناء المدينة التي تقطنها اغلبية كردية حيث اضطر البرلمان ان يصادق على ذلك في العام 1994. كما هناك نماذج اخرى لإستعادة الاسماء التاريخية لمدن ميناء انزلي واورمية وميناء ”بندر تركمن“ بعيد قيام الثورة والغاء اسمائها السابقة التي صادق عليها النظام الملكي البائد وهي ”ميناء بهلوي“، و“رضائية“، و“ميناء بندر شاه“. وفيما تمت أستعادة الاسمين الاوليين بسلاسة بسبب قوة القوميتين الجيلكية والأذرية القاطنة فيهما، فان محاولات التركمان لتغيير اسم ميناء شاه الى ميناء ”بندر تركمن“ اسفر عن مقتل وجرح العشرات من القومية التركمانية بسبب المعارضة الحادة للفرس والسلطة الدينية انذاك. ويبدو ان الامر اصعب بالنسبة للعرب؛ حيث لم تسمح السلطة الدينية بذلك في اوائل الثورة لكن الظروف الموضوعية والذاتية الراهنة تبدو اكثر ملائمة لطرح هذا المطلب الاهوازي القديم الجديد، فالامر المهم هي النتائج وتثبيت الاسماء العربية التي ستشكل خطوة تاريخية مضادة للخطوة التي قام بها الشاه الشوفيني رضا البهلوي وستتبع بخطوات اخرى على سبيل حق شعبنا بتقرير مصيره.