&

الدولة والحكومة والمجتمع المدني هي ثلاث تكوينات تشكل أزمة العالم العربي في الوقت الحاضر. قبل الشروع بالحديث عن هذه المكونات يجهل جزء كبير من الشارع التمييز بين الحكومة والدولة ويجهل أيضاً ماهو المجتمع المدني وكيف السبيل اليه، وهل يتعارض مع الموروثات الدينية والتقاليد العربية؟

فالدولة هي الارض والشعب ومايلحق بها من حدود جغرافية ومصادر إقتصادية وثروات طبيعية تشكل تابو وطني مقدس يسمو بأنتماء وطني وشعور بالحرص والملكية من قبل أفراد الشعب، فهي ملك للجيل الحالي وامانة لتسلميها بأفضل حال الى الأجيال القادمة. أما الحكومة فهي صنيعة سياسية تُنتج بإسلوب سياسي معين، بقائها وإحترامها رهين بقدرتها على إحترام الشعب وسلامة أرض الدولة وحدودها وثرواتها ومؤسساتها وأمنها وعلاقاتها الخارجية والداخلية. أما المجتمع المدني فهو المُنتج النهائي الذي يتألف من مجتمع يتمتع بحس وطني ووعي ديموقراطي يقوم بتأسيس مؤسسات متنوعة قوية قادرة على حماية الدوله وسلامة أراضيها والمحافظة على مصادرها الطبيعية وبيئتها ورفاهية شعبها بدعم مادي من الشعب ذاته والمطالبة بدعم حكومي مادي ومعنوي بشرط التعاون دون الوقوع تحت سيطرة الحكومة. في هذا الإطار ستكون الديموقراطي هي المنهج والاسلوب الوحيد القادر على إيجاد لغة التفاهم بين أثنيات المجتمع – حيث لا مجتمع يتألف من طائفة واحدة- لتوجيه الجميع باتجاه بناء المؤسسات القادرة على خدمة الدولة البوتقة النهائية وسفينة الجميع.

ضمن الحركة التاريخية لمسيرة البشر يبقى اكتشاف المجتمع المدني هو الهدف والوسيلة للوصول الى الحد الادنى من العدالة الاجتماعية. استخداماً لهذا المنظار فاِن دولنا المشرقية مازالت متخلفة عن مرحلة المجتمع المدني بمرحلتين : الأولى هي بث الديمقراطية كثقافة شعبية واسلوب تعامل، والثانية هي مرحلة الدولة. بناء الدولة وتأسيس حكومة لتلك الدولة بحاجة الى كمية كافية من الادراك والفهم للديمقراطية لاستخامها في اخراج مؤسسات الدولة ونظام حكم يصلح للعبور الى المرحلة الثالثة والاخيرة في عصرنا هي مرحلة المجتمع المدني، على اعتبار ان الدولة والحكومة والمجتمع المدني هي نتاج لقرنين من الكفاح المدني في الغرب لانتاج دول تصدرت قائمة ما اُتفق على تسميتها بقائمة الأمم الحرة.

هذه خارطة طريق وفهم متقدم حري بالنخب العربية التي تتصدر المشاهد السياسية والاعلامية والدينية أن تدركها بعد الانهيار الذي احدثته ضجة الربيع العربي في اكثر من بلد. هناك مجتمعات تسير بلا توجه ولا كتاب مبين لمعرفة ملامح المسيرة والى اين نحن ذاهبون !! من هنا ظهر في المشهد قوى رجعية متخلفة تصورت ان فرصتها قد جاءت لنشر فكرها وتوجهها في المجتمع ولو بالقوة وهذا ما تجلى واضحأ باستعلال تلك الثغرات وظهور الجماعات العشائرية والمذهبية والطائفية وجماعات التطرف والارهاب والتي أتت على فكرة الدولة والمجتمع وعرضتهما للضعف والتشتت وفتحت ثغرات للاجرام والفساد , وأجهضت تلك القوى أيضاً فكرة الديموقراطية وقيمها وسممت فكر المجتمع ببدع وأفكار غلفتها بلون الدين لكنها عبارة عن سموم من الفتنة والطائفية والمذهبية بثتها على شكل تقاليد وقيم جديدة فقد بها المجتمع أخلاقه وتقاليده وقيمه التي عاش بها بأمان نسبي رغم الدكتاتوريات التي تحكمت بالامة خلال القرن الماضي.

&

الديموقراطية + الدولة =المجتمع المدني

مسيرة البناء السياسي والاِجتماعي ليست بالاتجاه الصحيح، وأحياناً تتجه إتجاهاً معاكساً نحو التشتت والتقسيم والتلاشي وارتهان الاقتصاد الوطني لدول كبرى من خلال تعيين كوادر بقوانين المحسوبية لاتملك الخبرة ولا الوطنية في ادارة الشؤون العامة. ولهذا ظهرت لدينا إنهيارات كبرئ، مدن سقطت تحت سيطرة قوى متخلفة إرهابية مجرمة عاثت بأهلها قتلاً وتشريداً، مصادر الثروات الطبيعية التي كانت أغنى ورقة سياسية يحاور بها العرب سقطت هي الأخرى ضحية بعد سيطرة تلك الجماعات. قوى سياسية عالمية تمكنت من ضرب أسعار النفط وإستنهاض الأرهاب حتى أخذت تفقد دول الشرق الأوسط أهميتها عالمياً في مجال النفط، الأستثمار، السياحة وغيرها...

ليس هناك من حل إلا في تهيأة نخبة وطنية مستقلة تكنوقراطية خبيرة في شؤون الإدارة والإقتصاد والسياسة والإجتماع بعيداً عن أمراض الطائفية والمحسوبية والعشائرية تشكل مجلس من الخبراء لأنقاذ المجتمع. الحل يكمن بإيمان النخبة المنقذة والمؤمنة بخارطة طريق تنتج عن استخدام الديموقراطية لبناء الدولة لتنتج المجتمع المدني. هذه القاعدة تساعد في تشكيل مؤسسات الدولة وحمايتها&وتشكيل الحكومة وسلطاتها الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وفصل عمل كل منهما عن الاخر وابعاد التأثيرات الدينية والمذهبية والطائفية عن مؤسسات الدولة والحكومة. يدفع هذا لإنتاج المجتمع المدني وهنا نحصل على ضمانة وطنية ذاتية لإحكام حركة المجتمع. يساعد المجتمع المدني كمحصلة نهائية لإستخدام الية الديموقراطية ودعم الدولة في تنفيذ قوانين الحكومة ونشر فلسفة جديدة لإعادة النظر الى تفاصيل الحياة الجديدة ونشر قيم جديدة.

&

ألية العمل في المجتمع المدني

لا يخلو الموضوع من تجارب طموحة للوصول الى عتبة المجتمع المدني على أقل تقدير.فالتغيير في مصر تم على مرحلتين بتحريض مباشر من مؤسسات مدنية إجتماعية وإعلامية. والتجربة الثانية كانت أكثر وضوحاً في رفض شعبها وبتحريض أيضاً من مؤسسات المجتمع المدني المصري الاعلامية والسياسية والأجتماعية حالت دون استمرار تجربة الحكومة الدينية التي تعارضت مع منظومة المجتمع. بالدرجة الثانية جاءت تجربة المجتمع العراقي التي رغم بداياتها كانت ومازالت متعثرة نتيجة لإصطدام القيم الديموقراطية مع التوجهات المذهبية والعشائرية وخلايا الفساد التي تنهش بجسد الدولة والمجتمع، الا ان النخبة العراقية رغم ضعفها وهجرتها خارج الوطن لكنها تدرك أن لا خيار لبناء الدولة وتشكيل الحكومة ونشر القيم الديموقراطية الا الايمان بخارطة المجتمع المدني.

القيم الديموقراطية في أي مجتمع هي التي تساعد بإنشاء مؤسسات مدنية تطوعية تعتمد على دعم عامة المجتمع مادياً ومعنوياً قبل دعم الحكومة، هذه المؤسسات هي الضامن الوحيد لتوجه مسيرة البناء للمجتمع والدولة في الطريق الصحيح. ولو حصل وإنحرفت مسيرة البناء ووقعت الدولة والحكومة والمجتمع رهناً تحت سطوة قوى منحرفة لاتوجه الأمة بأتجاه المجتمع المدني فأن قوى المجتمع المدني ستحسن مسيرة منظومة البناء ودعم مؤسسة الدولة والحكومة بالإتجاه الذي يضمن التمدن والتطور والمحافظة على استقرار المجتمع عن طريق ممارسة الضغط الشعبي والاقتصادي بتحريض من مؤسسات مدنية وشعبية، كانت اَلية التنفيذ لارادة الشعب هي توجه ودعوة من مؤسسات الامة المدنية، ظهر هذا المنهج في الشارع المصري وتم تغيير الحكومة من التسلط الفكري للاخوان الى التعددية الحزبية. أما في العراق فمازالت مؤسسات المجتمع المدني الخجولة مستمرة في الصراع مع قوى الفساد والطائفية لاعادة بناء الامة والمجتمع بالاتجاه الصحيح بدل الفساد ودعوات التقسيم والارهاب.