&

سأل موظف الجمارك القس الذي جاء لزيارة ابنته هل تحمل معك إنجيل؟ فأجابه الرجل بنعم، عندئذٍ طلب موظف الجمارك من الرجل فتح الحقائب لكي يخرج منها الإنجيل، وشرع في تحرير محضر المخالفات. فقال القس عفوا سيدي هل أنت تبحث عن جسد الإنجيل أم روح الإنجيل؟ فقال الموظف واضح انك تهذي وعندما تأكد من عدم وجود إنجيل في الحقائب طلب مدير الأمن للتعامل مع القس وانصرف هو لممارسة أعماله مع بقية الزائرين.

اصطحب مدير أمن المطار القس لغرفة خاصة وسأله ماذا تقصد بجسد الإنجيل وروح الإنجيل؟ فأجاب القس جسد الإنجيل هو الكتاب الورقي أو الإلكتروني أو ما يحفظه الناس عن ظهر قلب من آيات ويستطيعون تلاوته بأعزب الأصوات. لكنني أتكلم عن الإنجيل الحي. فقال مدير الأمن وأين هو؟ فأجاب القس انأ هو الإنجيل الحي!! لأن كلمة الله هو روح وحياة...كلمة الله هي الماء الحي الذي إن شرب أحداً منه لا يعود يعطش أبدا وأنا أعيش حياتي بهذه الروح في تعاملاتي مع نفسي وفي تعاملاتي مع الناس كل الناس.

فقال مدير الأمن مادمت تقول كل الناس إذن أنت مبشر أليس كذلك، فأجاب القس نعم يا سيدي أنا هو. فقال مدير الأمن ولكن في بلادنا الإسلامية غير مسموح بالتبشير بأي دين آخر لا بالقول ولا بإقامة الندوات ولا بأي شكل من الأشكال ونعتبر هذه جناية عظمى.

قال القس اعرف ذلك تماما سيدي ولذا لم اصطحب معي لا إنجيل ورقي ولا مطبوعات مسيحية ولا أية ممنوعات. فكيف إذن ستقوم بالتبشير؟ سأله مدير الأمن.

سيدي اعرف أن كثيرين عندما يرون ملبسي سوف يسخرون مني أما أنا سوف ابتسم لهم وأباركهم وأدعو لهم بالخير. وإذا وجدت جائعا أطعمته أو عطشانا فسقيته أو مريضا فزرته أو عريانا فكسوته وسوف أشكرهم

لأنهم سمحوا لي بهذا العمل فما أعمله ليس فضل مني ولكن هكذا يجب أن يكون ولم أفعل إلا ما يجب عليّ.

عندئذٍ اندهش مدير الأمن وسأله ولكن إنجيلكم محرف ولهذا نمنع دخوله إلى بلادنا فقال القس يا سيدي إذا كان الإنجيل المحرف يدعونا للتعامل مع الآخرين هكذا بكل الحب والعطاء فبماذا يدعونا إذن الإنجيل غير المحرف الذي تتحدث عنه؟ وأين هو؟ صمت مدير الأمن ثم سأله ألستم تقولون أن سيدنا عيسى عليه السلام هو الله؟ أنتم تؤلهون إنسانا يأكل ويشرب ويعمل حاجته مثل باقي البشر هل هذا معقول؟

أجابه القس هذا الكلام ليس لنا ولا نعتقد فيه ولا نؤمن به. يا سيدي إذا كنت تقصد يسوع المسيح أبن العذراء مريم فنحن نؤمن بأنه كلمة الله القدير الكائن بذاته غير المحدود والمطلق في كماله وصفاته وأن كلمة الله لم تفارق الله لحظة واحدة ولا طرفة عين. وهذه الكلمة صار لها جسدا ولدته مريم العذراء في الزمان الذي حدده الله الخالق القدير. فالمسيح عندنا هو كلمة الله التي بها خلق الله كل شيء فالمسيح ليس مخلوقا من تراب مثل آدم ولكنه كلمة الله الأزلية التي تجسدت في ملء الزمان وروح من الله.

إن يسوع ليس اسما وإنما فعل "كن فيكون" ولذلك أنتم تقولون عنه انه وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين وانه سوف يأتي في آخر الزمان ليدين المسكونة بالعدل، وأن كل مولود المرأة ينخسه الشيطان إلا المسيح ولذلك هو الكائن الوحيد الذي لم يصنع خطية في حياته على الأرض وهو لا يزال حيا موجودا حتى الآن لأن كلمة الله أبداً لا تخطيء وأبداً لا تموت.

سيدي إن كلمة الله لم تدعونا أن نغير لا عقائد ولا معتقدات ولا مذاهب ولا أديان الناس ولا يوجد في الإنجيل ولا آية واحدة تشير إلى هذا وإنما تدعونا أن نقدم المحبة لكل الناس وأن نبذل كل ما في وسعنا من أجل سعادتهم لتكون لهم الحياة الأفضل وهذا هو مفهوم الإيمان بالمسيح كلمة الله.

في آخر هذا النقاش رفض مدير الأمن بعد مشاورات كثيرة مع مسئولين آخرين دخول القس إلى البلاد واعتذر له، فعاد القس على نفس الطائرة إلى وطنه.

هذا جزء من كل مما حكي هذا الإنسان الإنساني الورع التقي في ندوة عقدت بإحدى الدول وحضرها الآلاف... والمدهش أن القس لم ينس أن يشكر موظف الجمارك وكل المسئولين على المعاملة الحسنة التي عاملوه بها.

تذكرت هذا الحوار وأنا أقرا تعليقات الشباب القبطي الغاضب الذي أنتقد قداسة البابا تواضروس الثاني لأنه لم يحمل معه صليبا كالعادة في إحدى مقابلاته الرسمية بناء على طلب أحدهم. وعندما تناقشت في الأمر مع رجل حكيم قال لي أنه على استعداد أن يتخلى عن زيه الكهنوتي وعن حمل الصليب إذا كان ذلك سيقدم مشاعر محبة ومودة يقبلها ويشعر بها الآخر، وأضاف أن الصليب ليس خشبة ولكن قوة.. الصليب يرمز للتضحية من أجل الآخر أي آخر.. الصليب يعني الفداء. هل تذكرت حكاية الشاب الذي سأل قداسة البابا شنودة هل يجوز له بعد التناول من الأسرار المقدسة أن يتبرع بدمه لصديقه المسلم فأجابه البابا ليس فقط أن تتبرع له بدمك بل وتفتديه بروحك...

إن إنكار الذات يرفع الذات والتواضع يقتل الكبرياء والتسامح يكسر قيود الشيطان على بني الإنسان.

&

[email protected]

&