&

هناك خواطر كثيرة برزت بعد الاستفتاء البريطاني على عضوية الاتحاد الأوروبي، فقد قرر الشعب بفارق ضئيل الخروج من الاتحاد الأوروبي، وعليه، فقد حسم الموقف بقرار خروج بريطانيا من الاتحاد. وهذا الموقف يبرز إرادة المجتمع المدني التي فرضت بحزم. ولا يبطلها مسئول بجرة قلم. وهذا مؤشر على أن بريطانيا لن تنهار طالما أنها ديمقراطية إلى حد جعل المجتمع المدني يتخذ قرارات مصيرية. وعلى الرغم من التكهنات السوداء ببداية الانهيار والأزمات الاقتصادية وانفراط العقد الأوروبي، فالموقف واضح وهو أنه لن يتأثر أحد بخروج بريطانيا كونها لم تكن تستفد كثيرا من تلك العضوية، وإلا لما اختارت الخروج. وعلى أية حال، فبريطانيا لم تكن عضوا في منظومة اليورو ولا الشنغن، وهي لا تخسر عسكريا لأن حلف شمال الأطلسي منفصل عن الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن دعاة الخروج من العضوية وهم الشريحة المتقدمة بالسن تناولوا الأمر بصورة واقعية وفي ميزان الربح والخسارة.

إن قوة المجتمع المدني من قوة الدولة، واللجوء إلى الاستفتاءات والانتخابات تعني ثقة واعترافا بإرادة الشعب، وهذا سر قوة وتقدم الدول الديمقراطية، فليس هناك خوف من موت زعيم أو تغييره، وليس هناك خوف من تردي الأوضاع، لأن هناك ظهيرا قويا، كل فرد فيه زعيم وله رأي. وعندما يتخذ القرار يجب أن ينفذ بقوة المجتمع المدني. وقد شاهدنا قمة الحضارة والرقي عندما تنحى رئيس الوزراء كاميرون، إذ لم يلجأ إلى السلاح ولم يبطل القرار بجرة قلم. واحترم الرأي العام وانسحب، هذا إذا لم نشر إلى أن الاقتراع كان نزيها وشفافا. فأين نحن منهم؟

كان سقراط معارضا لنظام الانتخابات بحجة أن بعض المقترعين جهلة وغير مدركين لعواقب الأمور، ويحتج البعض بآرائه عندما يرفضون الديمقراطية، ولكن الامبراطورية الإغريقية لم تعر له اهتماما ولم تأخذ بآرائه، ذلك أن أوروبا هي مهد العلوم والمعارف والفلسفة البشرية. والمجتمع البريطاني عالي التعليم والإدراك ويدرك أبعاد قراراته. وقد قيل أن الذي رجح كفة الاقتراع هم كبار السن وليس الشباب، وهذا يعني أن القرار كان فيه مصلحة لبريطانيا إذا ما أخذنا الشريحة التي اختارت الخروج، فهؤلاء الكبار في السن أكثر خبرة وقد عايشوا ظروف بريطانيا قبل وبعد عضوية الاتحاد. وتفسير هذا الانقسام هو أن كبار السن حسبوا المكاسب والخسائر الاقتصادية والشباب المندفع حسبوا عوامل أكثر رومانسية، كما أن جيل الثورة الرقمية هو جيل الانفتاح الاجتماعي على الشعوب الأخرى، لذا فقد كان القرار صعبا عليهم.

هناك أهمية بالغة للمجتمع المدني وإذا ما تمكنت الدولة من رفع مستوى الوعي لدى الشعب فسوف يكون صمام الأمان من الانهيار، ولن يلجأ أحد لحمل السلاح، ولن ينساق أحد وراء دعاة الفرقة والقتل والتفرق والتشرذم، وهذا يستدعي فرض النظام وحكم القانون، كما أنه يستدعي تنحي القائد الذي يفشل في قيادة الركب، وحينئذ، سيكون المجتمع في أمان ويعرف كل فرد أن عليه القيام بواجباته أولا لكي يحصل على حقوقه كاملة تحت مظلة المواطنة الصالحة، دون تمييز قائم على العرق أو الديانة أو الجنس. وصحيح أن السبيل إلى ذلك هو التعليم، ولكن أيضا فرض المساواة بين جميع الأفراد يلعب أهم دور في الحفاظ على النسيج الاجتماعي من التهتك والتمزق.