&

&

ملف العلاقات البريطانية مع دول الإتحاد الأوربي بعد انسحابها من عضويته، كان من اوائل الملفات التى طرحت للنقاش العام والخاص بعد إستفتاء الثالث والعشرين من الشهر الماضي، كيف ستتواصل وإلي أين ستصل؟؟ وما مدي التوافق والاختلاف الذي سيطفو علي السطح بين الطرفين من الأن فصاعداً؟

وزاد الاهتمام به والخلاف حوله بعد ان اسندت رئيسة الوزراء الجديدة منصب وزير الخارجية إلي واحد من السياسيين الذين لم يتداول اسمهم لتولي هذه المسئولية..

إلتزاماً منها بما تعهدت به في أول خطاب لها ألقته من أمام مدخل مقر مجلس الوزراء ( 10 ادونينج استريت ) بوسط لندن، أنها ستعمل علي تقنين مطلب خروج المملكة المتحدة من عضوية الإتحاد الأوربي.. اختارت تيريزا ماي لشعل بعض المناصب الوزارية أنصار ومؤيدي الأنفصال عن الكتلة الأوربية..

وفي حين لم يفاجأ الشارع السياسي بتوزيعها ملف علاقات المملكة المتحدة الخارجية في الفترة القادمة بين ثلاث مستويات.. اثنان تم استحداثهما.. وزراة أُسندت إلي ديفيد ديفيس ستتولي العمل القانوني والتشريعي لوضع خطة الإنفصال موضع التنفيذ.. وتخطيطي ستقوم به وزارة التجارة الدولية التى تولاها ليام فوكس لرسم سياسات لندن مع العواصم الأروبية والعالمية بعد الخروج من عضوية الإتحاد.. إلا انه – اي الشارع السياسي - صدم بشخصية الذي اسندت إليه مسئولية إدارة الجانب السياسي والدبلوماسي للملف ككل..

عكس اختيار بوريس جونسون عمدة لندن السابق لتولي منصب وزير الخارجية في هذه الظروف الاستثنائية شديدة التعقيد، دهشة وردود فعل متباينة داخلية وخارجية لم يتعرض لها وزير من قبله منذ نهاية الحرب العالمية..

وزير خارجية بريطانيا الجديد من أصول تركية / أمريكية، ولد بنيويورك عام 1964 وقدم مع والديه إلي انجلترا وهو صغير السن.. ظهرت ميوله السياسية وهو في سن العشرين عندما إنتخب رئيسا لإتحاد الطلبة الجامعيين..

بعد تخرجه من كلية إيتون كوليدج الشهيرة التحق لدراسة الآداب القديمة بجامعة اكسفورد.. بعدها بدأ حياته العملية بصحيفة ديلي تلجراف.. وفاز بمنصب مراسلها في بروكسل.. ثم ترقي إلي منصب أحد نواب مدير تحريرها.. الأمر الذي فتح له ابواب العمل السياسي، وكان أن انتخب عام 2001 عضواً بمجلس العموم عن حزب المحافظين..

تزوج الرجل مرتين.. الأولي بدأت عام 1987 وانتهت بالانفصال عام 1993، والثانية لا زالت قائمة وله منها ثلاث فتيات..

لم ينجح بوريس في توثيق صورته كعضو تنفيذي بمجلس الوزراء عندما اختير وزير دولة مسئول عن الفنون عام 2004، لأنه سرعان ما اجبر علي الاستقالة بعد انكشاف علاقته الغرامية بالفنانة بترونيلا وايت.. وبالرغم من ذلك اختير في العام التالي وزير دولة لشئون التربية المجتمعية..

بقي الرجل بعيداً عن الاضواء حتي فاز بمنصب عمدة العاصمة البريطانية لأول مرة عام 2008، ومنذ اللحظة الأولي وعلي امتداد ثماني سنوات قضاها في هذا المنصب – التنفيذي السياسي الجماهيري - اشتهر بأنه يجيد التفكير خارج الصندوق، وأنه صاحب تصريحات مريبة ومرتكب لعدد من الهفوات التى لا يصح أن تصدر عن سياسي مُحنك..

لم يتنازل الرجل عن دراجته البخارية التى إعتاد علي استخدامها في كل تنقلاته بعد انتخابه لمنصب العمدة.. وإستبدلها بغيرها أكثر من مرة كلما سرقت من امام منزله.. وشجع سكان لندن والقادمين إليها للسياحة علي استأجار الدراجات العادية للتنقل بين مقار سكنهم وعملهم، وللتنزه والتعرف علي معالم المدينة الشهيرة مقابل ايجار رمزي.. ونجحت فكرته بشكل ملفت للنظر حتى أصبح عدد من يستخدمون هذه الوسيلة يوميا حوالي 90 الف.. ونجح في منع تناول المشروبات الكحلية بين مستخدمي وسائل النقل العام.. وتفوق علي غيره في تنظيم دورة الألعاب الأولمبية عام 2012، مما اكسبه شعبية واسعة..

أمضي صاحبنا العامين الاخيرين من حياته السياسية ( 2014 – 2015 ) قبل انتهاء ولايته الثانية كعمدة، يقدم نفسه من طرف خفي – كلما سنحت له الفرصة - أنه الوريث المستحق لمنصب رئيس الوزراء بعد ديفيد كاميرون.. ويري مراقبون كثيرون أن تزعمه لحملة خروج المملكة المتحدة من عضوية الإتحاد الاوربي كان يُمثل برنامجه الانتخابي للفوز بزعامة حزب المحافظين..

وبينما كان الرأي العام يمنظر منه أن يُقدم علي هذه الخطوة، إذ به يعلن إنسحابه من سباق المنافسة بدون مقدمات بعد ان وقع خلاف بينه وبين وزير العدل السابق الذي كان يشاطره تزعم حملة الخروج، عندما تمسك الوزير بحقه في الترشح علي عكس رغبة صاحبنا الذي كان يسعي لأن يكون رقم واحد في القائمة..

أول رد فعل علي إعلان اختياره لمنصب وزير الخارجية تمثل في تغريدة علي وسائل الإتصال الإجتماعية قالت " أكيد، إنت بتهزر.. طمن قلبي وقول انها نكته ".. ولكنها كانت حقيقة.. عرضت عليه تيريزا ماي المنصب، وقبله الرجل.. وبدأ فوراً في التعرف علي أركان واحدة من أعرق وزارات الخارجية في العالم، وتقابل مع عدد من كبار موظفيها الدائمين وعدد من المستشارين المسئولين عن أهم ملفاتها..

المدقق في التغريدة التى اشرنا اليها، سيجدها شديد التركيز بالغة الواقعية..

فالرجل لا يتردد في التفوه بكلمات حادة وجارحة تعليقاً علي خبر أو تعقيباً علي مقابلة أو ترحيباً بهذا الضيف او ذاك.. نُقل عنه عبر وسائل الإعلام أنه قال في حق الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن أصوله الكينية " تجعله كاره للتاريخ البريطاني وإرثه الحضاري ".. ووصف&هيلاري كلنتون المرشحة لمنصب رئيس الجمهورية الامريكية عن الحزب الديموقراطي، انها " ممرضة ذات طبيعة سادية تعمل في مستشفي للأمراض العقلية "..

تساءل الشارع السياسي البريطاني عقب سماع خبر اختياره..

كيف سيتعامل مع المفوضية الأروبية ووزراء خارجية الدول أعضاء الإتحاد وهو الذي وصف منظمتهم بأنها " مجسم حي لمشروع زعيم النازية ادولف هتلر، عندما فكر في وضع اوربا كلها تحت همينته منتصف القرن العشرين "؟؟..

بروكسل كانت محطته الأولي.

شارك ( 18 الجاري ) في الإجتماع الشهري لوزراء الخارجية الأوربيون، وأعلن أن المملكة المتحدة لن تتخلي عن دورها القيادي علي مستوي أوربا، وعندما سأله أحد الصحفيين " أليس هناك تعارض بين خروج بلدكم من الإتحاد، وبين الدور القيادي الذي تتحدث عنه؟؟ ".

رد بثقة " علينا ان نُنفذ إرادة الشعب وأن نغادر منظومة الاتحاد الأوربي، ولكننا لن نتخلي عن دورينا القيادي في المشاركة الأوربية " ولما الح عليه السائل " كيف؟؟ " اجاب ببساطة " الخروج من الاتحاد لا يعني مغادرة أوربا "..

وهنا تكمن الصخرة القوية التى تحتمي بها لندن لخلق صيغة متوازنة لعلاقاتها المستقبلية مع دول الإتحاد الأوربي، خاصة بعد أن ابدت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل ترحيبها بمواصلة الحفاظ علي " روح الصداقة التى تجمع " بين البلدين..

أوربا بذراعيها القويين فرنسا والمانيا، لا يمكن ان يسغنيا نهائيا عن الدور البريطاني علي مستوي السياسة الخارجية الأوربية، خاصة وان كافة ملفات القضايا المشتعلة هنا وهناك، لا يمكن ان تهمل وجهة نظر لندن ولا خبرتها الواسعة فيما يتعلق بالشرق الأوسط وبالعلاقات مع موسكو وكذا بالعلاقات مع واشنطن.

المانيا بقيادتها لقاطرة الإقتصاد الأوربية لا يمكن ان تستغني عن المملكة المتحدة، وهي وحدها القادرة علي التوافق معها علي صيغة متوازنة لتيسير سبل التجارة المتسقبلية بين الطرفين و تقنين حرية انتقال مواطني الإتحاد الأوربي إلي المملكة المتحدة بالصورة التى لا تزيد من ابتعاد لندن عن محيطها الأوربي باكثر مما ترتب علي الإستفاء الشهير..

هذا الموقف قدم له وزير خارجية أمريكا الدعم الذي يحتاج له ضمن وقائع المؤتمر الصحفي الذي عقده ( الثلاثاء أمس ) في لندن بعد جلسة مباحثاته مع وزير خارجية بريطانيا ولقاءه العابر مع رئيسة الوزراء، حين ذكر الحضور بتاريخ العلاقات بين البلدين ونجاحهما معا في مواجهة المخاطر التى كانت تهدد السلم والإستقرار في عدة امكان حول العالم.. ونوه علي سبيل المثال بنتائج التنسيق بينهما فيما يتعلق بخطط مقاومة الارهاب الذي تمثله داعش في كل من العراق وسوريا..