&

لا شك ان نتائج الاستفتاء البريطاني التي رجحت كفة انصار الخروج من تحت مظلة الاتحاد الاوروبي، كانت صدمة كبيرة لدول الاتحاد والبريطانيين من انصار البقاء، والمؤسسات المالية العالمية والشركات الصناعية الكبرى. كما ان هناك نسبة لا بأس بها ممن صوتوا لصالح الخروج قد ابدوا ندمهم على اتخاذ مثل هذا القرار بعد ان رأوا بأعينهم انزلاق نظامهم السياسي في الفوضى والتخبط، وهبوط اسعار الاسهم في الاسواق المالية، وفقدان عملتهم (الجنيه الاسترليني) نسبة كبيرة من قيمتها، وخفض تصنيف بلادهم الائتماني من قبل مؤسسات التصنيف العالمية. وهناك الكثير ممن يعتقدون انه لو تم إعادة الاستفتاء لرجحت كفة انصار المؤيدين للبقاء.
&
بعد ايام من الصدمة، شرعت الأسهم والعملة البريطانية في استعادة بعض القيمة التي فقدتها بعد التصويت مباشرة، لكن كبار المحللين الماليين كانوا غير متفائلين وقتها ويعتقدون ان الاوضاع ستبقى كما هي عليه في المدى القصير ما لم يتم تفعيل المادة رقم 50 من اتفاقية لشبونة، وفعلا تراجعت اسعار الأسهم والجنيه مرة ثانية.
&
حتى الان يبدو ان المسؤولين البريطانيين عاجزين عن اتخاذ اي اجراءات عملية للخروج من الاتحاد، رغم اصرار الدول الست المؤسسة للاتحاد على ان تبدأ الحكومة البريطانية محادثات الخروج طبقا للمادة رقم 50 من اتفاقية لشبونة المنظمة لعملية خروج اي دولة من الاتحاد والموقعة في عام 2007م. محادثات الخروج من الاتحاد ليست عملية بسيطة، بل هي عملية قانونية معقدة قد تستغرق عامين على الأقل او ربما فترة اطول.
&
رئيس الوزراء الحالي "ديفيد كاميرون" الذي اعلن انه سوف يستقيل من منصبه في شهر اكتوبر القادم، حسم الأمر بأنه لن يتخذ أي قرار في هذا الشأن، وسوف يترك مثل هذا القرار لمن يخلفه في منصبه. أما وزيرة الداخلية "تيريزا ماي" التي تملك حظا اوفر لخلافة "كاميرون" حيث احرزت المركز الاول بحصولها على 199 صوتا في الجولة الثانية من التصويت في الانتخابات الداخلية التي اجراها حزب المحافظين، قالت في وقت سابق: "هناك مهمات كبيرة امامنا لتوحيد حزبنا وبلدنا، ثم حشد كل الجهود للتفاوض على افضل صفقة ممكنة ونحن نغادر الاتحاد الاوروبي وجعل بريطانيا تعمل لصالح الجميع". بهذا القول، هل كانت تلمح بطريقة غير مباشرة الى ان قرار الخروج اصبح نافذا لا رجعة فيه؟
&
في المقابل، انصار البقاء في الاتحاد من البريطانيين يطرحون بعض الحلول للإلتفاف على نتائج الاستفتاء، منها حسب رأيهم: "ان السيادة في النظام البريطاني للبرلمان، وان الاستفتاء هو رأي استشاري محض، لذلك يطالب هؤلاء التصويت في مجلس العموم ضد تفعيل المادة رقم 50 من اتفاقية لشبونة". وهناك فريق آخر يطالب بإجراء انتخابات مبكرة او استفتاء جديد او كليهما معا.
&
رغم ان نتيجة الاستفتاء كانت صدمة كبيرة لدول الاتحاد والبريطانيين من انصار البقاء، إلا انه يبدو ان قادة دول الاتحاد الاوروبي وشعوبه قد إمتصوا الصدمة وبدأوا يعدون العدة لمعالجة التداعيات والاثار، سواء
&
بقيت بريطانيا عبر عدم تفعيل المادة رقم 50 من اتفاقية لشبونة او عبر طريق آخر، او قررت الخروج من الاتحاد. قادة الاتحاد الاوروبي في طريقهم لمراجعة الكثير من قوانين الاتحاد الحالية المثيرة للجدل والخلاف بين اعضاءه، واضافة قوانين جديدة تجعل من الاتحاد تكتلا سياسيا واقتصاديا اكثر جاذبية للدول الاعضاء الحالية والدول الاوروبية الاخرى التي ترغب في الانضمام اليه في المستقبل. الدول الرئيسية في الاتحاد التي تترتب عليها مسؤولية خاصة متفقة بالفعل على نقاط مشتركة تتمثل في فكرة أوروبا التي توفر مزيدا من الحماية لمواطنيها، وأوروبا اكثر فعالية على الصعيد الاقتصادي عبر تأمين مزيد من فرص العمل والنمو.
&
اما بريطانيا فسوف تسعى الى الدخول في اتفاقيات اقتصادية منفردة مع دول الاتحاد، وإعادة تأسيس نفسها كدولة مستقلة ترتبط بعلاقات ذاتية مع بقية دول العالم، وذلك لتعويض ما سوف تفقده من إمتيازات اقتصادية وسياسية يوفرها لها الاتحاد حاليا.
&
في مقال سابق بعنوان "بريطانيا – هل ستبقى عضوا في الاتحاد الاوروبي ام لا؟"، نشر يوم الاحد 19 من الشهر الماضي، قلت: "القرار النهائي بيد البريطانيين، اصحاب اول واعرق الديمقراطيات في العالم، والاغلبية هي التي تقرر. في حال خرجت بريطانيا من الاتحاد الاوروبي تحت رغبة الاغلبية، لن تنهار بريطانيا سياسيا او اقتصاديا. كما ان الاتحاد الاوروبي لن يتأثر كثيرا بسبب خروجها. الاتحاد الاوروبي يتكون من دول ديمقراطية تحترم بعضها البعض، والحكومات تحترم رغبات شعوبها وتعمل على تنفيذها".
&
علينا ان لا نخاف على مستقبل بريطانيا او الاتحاد الاوروبي، بل ان نتعلم الدروس منهما في كيفية حل الخلافات السياسية والاقتصادية بإسلوب حضاري، واحترام إرادة الشعوب وتحقيق رغباتها. من محاسن الديمقراطية انها تصحح اخطائها.
&