&هنالك شكوك كثيرة حول الانقلاب الأخير في تركيا، والشكوك في غالبها تولدت من السرعة الكبيرة، التي تمكنت فيها الحكومة من معرفة المشاركين فيها، رغم تجاوز عددهم الالاف، ورغم توزعهم على القطاعات المختلفة من النشاط الحكومي.

&من الممارسات العادية التي يقوم بها أي معارض، حينما ينكشف تنظيمه او خططه، هي الاختفاء، ومحاولة إيجاد طريق للتواصل مع الرفاق، للوصول الى قرار حول الاحداث. هذا الامر الطبيعي، والذي يمكن ان ينتظر من أي معارض ومهما كان مستواه التنظيمي، لم نجده في المشاركين المفترضين في المحاولة الانقلابية التي حدثت ليلة 15 على 16 تموز الحالي. بل ما وجدناه وحسب الاستنتاج من بيانات الحكومة هو انهم قبعوا في مواقعهم المعروفة تماما للحكومة في انتظار القاء القبض عليهم. وكانهم دجاج تجمع في القن في انتظار وقت الذبح، الدجاج على الأقل يصدر نقنقة ما، ولكن من المعارضين لم نسمع أي اعتراض او مقاومة او هروب وتصريحات، ولو دفاعا عن الأهداف التي من اجلها تم القيام بهذا العمل الغير الدستوري.

ان سرعة رد فعل الحكومة، من القاء القبض وطرد واحالة على المحاكم، على العشرات الالاف من المواطنين الاتراك، ولعل ما قاله المستشار العسكري للسيد اردوغان، والمتهم أيضا بضلوعه في المحاولة يبين بعض المخفي من ما مارسته الحكومة بعد إعلانها فشل الانقلاب، فالسيد على يازجي صرح بانه ليس له أي ضلع في المحاولة الانقلابية، وان خطاه الوحيد هو انه لم يلتحق بالسيد اردوغان حال سماعه بخبر المحاولة الانقلابية الفاشلة. فاذا كان هذه الرجل والواضح انه قريب من السيد اردوغان، مشكوك في ولائه لاسباب قاهرة وبنت لحظتها، فما بال الاخرين اذا؟

الاغرب في محاولة الانقلاب، ان المتهم الوحيد فيها هو فتح الله غولن، الذي يقود حركة إسلامية اجتماعية، وحسب الظاهر من عدد المعتقلين وتوزعهم، انهم مجموعة كبيرة جدا، وبالتالي فان احتمال فشل المحاولة من المفترض ان يكون منعدما. والاغرب ان حركة فتح الله غولن كانت حليفة لاردوغان في السنوات الأولى لحكمه، ولكن الخلاف وقع بين الطرفين، بعدما كشف القضاء التركي ملفات الفساد، التي تورط فيها انصار ومؤازري السيد اردوغان وحزب العدالة والتنمية. ان مجرد، كون هذه الحركة وبهذا الامتداد، يمكن ان يكذب ادعاء السيد اردوغان بانها المسؤولة عن المحاولة الانقلابية، لان هؤلاء الناس كانوا موجودين دوما، فلماذا لم يقوموا بمحاولة ناجحة واحدة للانقلاب، علما ان محاولة انقلابية أخرى فاشلة نسبت اليهم سابقا.

في العراق، مرت العلاقات بين الحركة الكوردية والأحزاب العراقية او العربية، بمراحل ما بين العداء الشديد والتحالف المتين، ولو اخذنا العلاقة مع الحزب الشيوعي العراقي، فاننا سنجد، ان هذه العلاقة مرت مرتين بحالة عداء شديد، وخصوصا في مرحلة حكم الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم، ولكن بعد سقوطه واستيلاء البعث على السلطة ومعاداته الشديدة للحزب الشيوعي العراقي، لدرجة محاولة اقتلاعه من الوجود، وخير مثال على ذلك حملات الإعدام والسجن الكثيفة التي لاحقت قيادات وانصار الحزب الشيوعي العراقي، لم يجد الحزب، من ملجأ للاحتماء والاخفاء سوى الالتحاق بقوات الحركة الكوردية. والمرحلة الأخرى كانت في أوائل حكم البعث الثاني في بداية السبعينيات وبالأخص أعوام 1973_1975 حيث تميزت بالتهجمات الإعلامية الشديدة و محاولة كل طرف الضغط على انصار الطرف الاخر، لكي يعلن تخليه عن حزبه. ولكن بعد ظهور ميول الحكومة العراقية بعد عام 1978، لاقتلاع الحزب الشيوعي، رغم تحالف الحكومة المعلن مع الاتحاد السوفياتي حينها، لجاء الشيوعيين للاحتماء وحماية انفسهم الى كوردستان العراق، وبات الطرفان وخصوصا الحزب الديمقراطي الكوردستاني والحزب الشيوعي العراقي اقرب حليفين وشكلا معا الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود). كما التحق بالحركة الكوردية الكثير من أعضاء الحركات الإسلامية والقومية العربية المعادية للبعث. المرحلة الثالثة هي المرحلة الحالية والتي يتشارك اغلبها في حكم العراق، ولكن مصالحهم الانية أبعدت بعضهم عن البعض. ولكن المهم من هذا السرد، هوان نبين ان الحركة الكوردية، كانت ملجأ لمعارض الحكومات العراقية بمختلف مراحلها، وذلك لرغبة الحركة الكوردية في بناء تصور موحد للحكم العراقي المستقبلي، ولا ظهار ارتباطها العراقي. والاهم التأثير في هذه المعارضات وايصال رؤية الحركة الكوردية وبشكل عملي ومن خلال الاحتكاك المباشر عن المستقبل العراقي. واعتقد ان الحركة الكوردية نجحت كثيرا في ذلك وخصوصا ان هذه الحركة، عمليا قادت المعارضات العراقية في طريق الصحيح واخراجها من المنزلقات الإقليمية والدولية. نتيجة الخبرات المتراكمة لهذه القيادات في العمل السياسي.

هنا يطرح السؤال نفسه، وهو هل سيقوم حزب الب ك ك، بنفس الدور ويكون المظلة الامنة لمن يتمكن من الهروب من سعير القائم في تركيا، وبحيث انه صار من الواضح ان السيد اردوغان يتجه لتأسيس تركيا الخاصة به. ان سعة الهجمة الاردوغانية، وشمولها أوساط مختلفة، بل ان محاولة طرد الالاف من معلمي المدارس المشكوك في ولائهم له ولحزبه، يبشر بانه يأمل في انشاء إدارة تأتمر بأمره وبأمر حزبه، لكي يتمكن من التحكم في تركيا من خلال التعليم والجيش والقضاة أيضا.

ان قيام الب ك ك بهذا العمل، وهو أساسا موصوم بالإرهاب من قبل حكومة السيد اردوغان، يعني بالضرورة كسب تعاطف وتفهم وتاثير سياسي في فئات واسعة من الاتراك. ان دعم القوى المعارضة، التي ولا بد ان تأخذ خطوات نحو العمل العسكري ضد الحكومة، لان الحكومة لم تترك لهم خيارات سلمية، وبالأخص ان الحكومة دفعت هذه القطعات نحو المعارضة جراء عمليات العزل والاعتقال الواسعة وعلى الشبهة او على أساس قوائم معدة سلفا، هو العمل السياسي الفضل حاليا لحزب العمال الكوردستاني ب ك ك.

من هنا يمكن ان نقول ان تركيا في الغالب تتجه ليس الى الدكتاتورية الحزبية، بل الى حرب أهلية طرفاها الرئيسيان اتراك القومية، علمان ان تركيا ليست غريبة عن مثل هذا السيناريو وخصوصا لو علمنا انه في وقت شاعت عمليات الانتقام والصراع العنيف في المدن التركية بين اليمين واليسار، وهنا اليمين كان في الغالب اليمين القومي. وعلى اثر تفشي هذا الصراع وبسببه قام انقلاب كنعان ايفرين في 12 أيلول 1980. الا ان ما متوقع حاليا، لو استمرت هذه الحملة الشرسة، نوع من أنواع التحالف الواسع بقيادة الب ك ك مع اطراف ذات طيف واسع من اليمين القومي واليسار الديمقراطي، ضد حزب العدالة والتنمية. مما سيؤدي الى تعاظم دور الكورد في تحديد السياسيات التركية مستقبلا.

[email protected]