أدخلت وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة منهاج التربية الأخلاقية في مدارسها إدراكا منها بأن الركيزة الأخلاقية هي أهم أساس يرتفع عليه بنيان التنمية البشرية، وذلك كي يتعلم الأطفال منذ نعومة أظفارهم ما لهم وما عليهم ويلتزمون بالسلوك القويم. وعندما يصبحون أفرادا أنقياء السريرة وقويمي السلوك تصبح إمكانية النجاح في التنمية أكبر ويصبح النسيج الاجتماعي متماسكا وينطلق الجميع للعمل والبناء.

لم يساو الدين الإسلامي بين الشرع والأخلاق، والدليل على ذلك قول الرسول "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" ولو كان الدين شاملا للأخلاق لما فصل الرسول بينهما. فقد حدد الشرع أحكاما لمختلف الأمور وافترض أن الأخلاق تستقيم بعد أن يصبح الإنسان مسلما صالحا. ولكن ماذا عن الذي لا يلتزم بمواعيده؟ والذي يغتاب الناس ويقول "لا مغيبة لفاسق؟ والذي يقيم وليمة لعشرين شخصا ولديه خادمة واحدة؟ والذي يتقرب من ذوي السلطان طمعا في منصب؟ والذي يترك حنفية الماء تنقط ولا يصلحها؟ والذي يترك الحمام في حالة فوضى بعد أن يستحم؟ والذي يرى أمه تحمل شيئا ثقيلا ولا يهرع لحمله عنها؟ والذي يتزوج على زوجته دون مبرر؟ والذي يتزوج بامرأة للحصول على الجنسية؟ والذي تفوح منه رائحة كريهة؟ والذي يستضعف الغريب ويرفع صوته به؟ والذي يضرب خادمه أو سائقه أو طباخه؟ والذي يعد ولا يفي بوعده؟ والذي يتهرب من التزام ولا يرد على الاتصال؟ والذي لا يحب العمل؟ هذا كله عن أمور صغيرة، فماذا عن الأمور الكبيرة؟ كالذي لا يعطي عماله أجورهم ويقول "نظرة إلى ميسرة"؟ والذي ينهب المال العام ويسيء استخدام منصبه؟ والذي يخون وطنه؟

كثيرا ما نردد أنه يوجد في الغرب إسلام بلا مسلمين، أي أننا نعرف أن مستوى أخلاقنا متدن وأن الركيزة الأخلاقية في مجتمعاتنا مهتزة، ولجأ الكثيرون منا إلى التركيز على أهمية التنشئة الدينية، فماذا كانت النتيجة؟ لقد انحرف الكثيرون عن مقاصد الشريعة وأصبحوا مثالا للتخلف والعنف والاعتداء على الآخرين وتكفيرهم والإساءة لهم. بل أن كثيرا منهم انصرفوا عن تعلم العلوم والتكنولوجيا واكتفوا بما لدينا من علوم غير منتجة تقوم على حفظ المعلومات. وهذا أبعد ما يكون عن متطلبات التنمية وتحقيق الرخاء للجميع.&

لقد أصابت دولة الإمارات بهذا الإجراء، ولا بد أن تجني ثمار ما زرعته وذلك بخلق أجيال تحترم الذات وتحترم الآخرين وتقوم بالواجبات وتعطي الحقوق لأصحابها، وتسعى للتنافس الشريف مع الشعوب الأخرى، وتركز على الإنتاج والمساءلة والمحاسبة والتطوير والأبحاث والصدق والأمانة، حتى تصبح هذه المفاهيم جميعها جزءا من الثقافة الاجتماعية فلا أحد يعد وينكث وعده ولا أحد يخلف مواعيده ولا أحد يكذب ويراوغ ولا قوي يستأسد على الضعيف وغير ذلك حتى نصل إلى أهم الأخلاق جميعها وهي لا أحد يخون وطنه، ولا أحد يتآمر مع الخارجي ضد اخوته.&

هذه هي الأخلاق وبالأخلاق ترتقي الشعوب.&