&
تحمل الاعتداءات الإرهابية الأخيرة في العديد من المدن الأوروبية الكثير من العلامات على وجود ما يستحق التوقف عنده من الخبراء والباحثين في دراسات الإرهاب؛ من بين هذه العلامات التساؤل الذي طرحته صحيفة "ذا جارديان" البريطانية في مقال لإيان كوبان نشرته مؤخراً، وجاء بعنوان "لماذا أضحى وجود الإخوة في الخلايا الإرهابية أمراً شائعاً؟". واستند الكاتب في ملاحظته إلى أن الخلية الإرهابية التي نفذت هجوم برشلونة، ضمت مجموعة من الإخوة، معتبراً ذلك أمراً بات شائعاً في تركيبات الخلايا الإرهابية.
يونسي أبو يعقوب (22 عاماً) الذي قتل عملية نفذتها الشرطة الإسبانية هو المشتبه الرئيسي الذي كان يقود شاحنة الدهس في برشلونة، فيما أخوه حسين (19 عاما) كان من بين الخمسة أشخاص الذين قتلوا على يد الشرطة على ساحل مدينة كامبرليس بعد ساعات من دهس عدداً من المارة بسيارتهم. وفي الاعتداء ذاته شارك أيضاً محمد هاشمي (24 عاماً) وشقيقه عمر (21 عاماً) اللذين قتلا على يد الشرطة الإسبانية، وهناك شقيقان أحدهما قتل هو سعيد علالا (18 سنة) وشقيقة محمد علالا (27) الذي يخضع للاستجواب لأن سيارته استخدمت في اعتداء برشلونة، وهناك عملية بحث جارية عن شقيقهما الثالث يوسف! وهناك شقيقان آخران أحدهما قتل، هو موسى أوكبير (17عاماً) وشقيقة ادريس الذي سلم نفسه للشرطة ولا توجد حتى الآن دلائل على علاقاته بالاعتداء الإرهابي في برشلونة. وفي ألمانيا جرى مؤخراً أيضاً اعتقال أربعة أشقاء سوريين بتهمة الانتماء إلى "جبهة النصرة" الإرهابية في سوريا، التابعة لتنظيم "القاعدة" والتي غيرت اسمها إلى "جبهة فتح الشام"
يقول كاتب المقال في صحيفة "ذا جارديان" إن دراسات الإرهاب الجهادي تشير إلى أن وجود روابط عائلية في هذه التنظيمات مسألة عادية، باعتباره "نشاطاً اجتماعياً للغاية ويخضع لتأثير الأقران".
هذا التحليل ربما يبدو منطقياً، ولكنه بحاجة إلى مزيد من الفهم لكيفية التورط الجماعي/ العائلي في هذه التنظيمات، لاسيما أن التحقيقات مع والد أحد الإرهابيين قد كشفت عن أنه لا يعرف شيئاً عن الانتماء الفكري المتطرف لابنه، وهذا الأمر يدق ناقوس الخطر بشدة حول آليات الرصد المبكر للفكر المتطرف، حيث ثبت أن السلطات الأمنية في معظم الاعتداءات الإرهابية كانت تعرف شخصيات الإرهابيين، ولكنها لم تستطع التنبؤ بجنوحهم إلى ارتكاب عمليات إرهابية، ومن ثم اخضاعهم للمراقبة اللصيقة بشكل استباقي بسبب اللجوء إلى التخفي والتستر والخداع.
هذه الظاهرة بحاجة إلى مزيد من التتبع والرصد والدراسات المعمقة لأنها تشكل خطراً داهماً وتؤثر سلباً في فرص الاكتشاف المبكر للفكر الإرهابي في حال تغلغله بشكل جماعي إلى أسر وعائلات بما يجعل من الصعب وجود فكرة الرقابة العائلية لاسيما أن معظم الإرهابيين الجدد ينتمون إلى شرائح عمرية تقل عن العشرين عاما.
ثمة علامة أخرى فارقة في تطور الظاهرة الإرهابية تتمثل في خلفيات الإرهابيين الجدد في أوروبا، حيث لوحظ ان بعضهم يمتلكون خلفيات لافتة للانتباه، مسجد مدينة ريبول الكتالونية عبد الباقي السعدي الذي أشار إليه الجميع بالمسؤولية عن غسل أدمغة الشبان المغاربة ودفعهم لتشكيل الخلية الجهادية المسؤولة عن الاعتداءين، وهو العقل المدبرة للخلية الإسبانية الإرهابية قد يكون تطرف في السجن على يد أحد المشاركين في تفجيرات مدريد.
السعدي دخل السجن لقضاء عقوبة لمدة عامين بسبب تهريبه مخدرات من المغرب إلى اسبانيا، والتقى أثناء ذلك رشيد أغليف آكا الملقب بـ "الأرنب" الذي كان يقضي حكماً بالسجن لمدة 18 عاماً لتورطه في تفجيرات مدريد التي راح ضحيتها 192 شخصاً وإصابة 2000 آخرين.
هذا "الإمام" لم يكن متديناً من الأساس قبل دخوله السجن، بل كان يجلب المخدرات إلى اسبانيا كما تؤكد المعلومات الرسمية. والإشكالية في هذا الأمر أن هذا "الإمام" لم يكن معروفاً بتشدده في الخطاب الديني المعلن داخل المسجد، كما قال الشهود، بل كان يبدو طبيعياً للغاية، وهذا ربما يفسر عدم اثارته لشكوك الأجهزة الأمنية، وفي ذلك يقول أحد مرتادي مسجده "تصرفات هذا الإمام كانت طبيعية بين الناس فإذا كان قد غسل أدمغة هؤلاء الشبان، فإنه كان يقوم بذلك سرا وفي مكان غير معروف". ولكن أقوال الشهود للصحافة الإسبانية تكشف بعض سمات قادة الإرهاب، حيث قال أحدهم "كان إمام المسجد منطوياً جداً وفي حال اختلط بالآخرين كان يفضل الشبان أكثر من الرجال من عمره" وقال آخر أنه "كان ينظم مباريات كرة القدم داخل صالة شارك فيها شبان تورطوا في الاعتداءين مثل موسى أوكبير (17 عاما) الذي قتل خلال اعتداء كامبريلس". مايعكس وجود تفكير مسبق في التخفي والعمل السري.
رحلة التطرف لإمام المسجد وتحوله إلى زعيم إرهابي استغرقت نحو عامين، ومضت بشكل مثير، فقد وصل عام 2015 إلى ريبول، ثم ذهب إلى بلجيكا كإمام قبل أن يعود الى ريبول، وفي أبريل 2016 بدأ يؤم المصلين في هذا المسجد، وفي نهاية يونيو 2017 طلب إجازة لثلاثة أشهر للتوجه إلى المغرب لزيارة زوجته، وهكذا عاد مدبراً لاعتداءي اسبانيا، وكان يعد لتنفيذهما بشكل أخطر بكثير مما حدث، حيث ضبطت الشرطة في موقع الاعتداء 120 أسطوانة غاز وآثار لمادة متفجرة استخدمت من قبل في تفجيرات بروكسل وباريس ومانشستر ومترو أنفاق لندن، وكان يخطط لاستخدام ثلاث شاحنات مؤجرة لشن هجمات منسقة بعد تحميلها بالمتفجرات وأسطوانات الغاز ضد أهداف يقصدها السياح.
العلامة الثالثة في هذا الصدد، تتعلق بسيرة خلية اسبانيا، حيث عاش معظم المشتبه بهم الـ 12 في بلدة ريبول، الواقعة شمالي برشلونة قرب الحدود الفرنسية، وجميعهم شبان صغار ينحدرون من أصول واحدة، ما يعكس حجم التأثير المتبادل سواء من حيث السن او من حيث التجمعات العرقية في مكان واحد صغير.
&
التعليقات