كلما اقترب موعد الانتخابات الأمريكية، تزداد حدة المنافسة بين المرشحين الرئيسيين بوش وكيري، كما تزداد حدة، الهجمات الإعلامية من هذا الجانب أو ذاك.. وإذا كانت كفة بوش هي الراجحة هذه الأيام حسب تخمينات معظم حملات الاستطلاع التي تقوم بها المؤسسات المختصة بعمليات الانتخاب، فلا يعني هذا أنها ستحافظ على هذه النتيجة وقت إجراء الانتخابات.. فكل شيئ قد ينقلب رأسا على عقب إن تأثر الوضع العام بهزات سياسية واقتصادية، أو نكسات أمنية في الداخل والخارج، إضافة إلى فشل أو تلكؤ العمليات العسكرية في البلدان التي تتكاثر فيها القوات الأمريكية.. لذلك يبقى المرشحان بحاجة ماسة إلى من يدعم مواقفهما والاستفادة إلى أقصى الحدود من حلفائهما الداخليين والخارجيين..
وتاتي زيارة د. علاوي رئيس الوزراء العراقي المؤقت إلى الولايات المتحدة في وقت تزداد فيه خسائر العسكريين الأمريكيين في العراق، ووسط تزايد الإنتقادات اللاذعة للإدارة الأمريكية من قبل عدد من ممثلي كلا الحزبين في الكونغرس الأمريكي، إن كان على فشلها في فرض الأمن والاستقرار في العراق، او تلكؤ عملية إعادة البناء.. وقد حاولت الإدارة الأمريكية الحالية الإستفادة القصوى من تواجد د. علاوي على أراضيها حيث خصصت له مساحة واسعة في وسائل إعلامها للتعبير عن ما تريد تلك الإدارة إيصاله للناخبين والرد على منتقدي سياستها.. كما تمت دعوته لإلقاء خطاب معد سلفا في الكونغرس الأمريكي.. وعندما القى كل من بوش وعلاوي كلمتين أمام المراسلين قبل استقبال أسئلتهم، علق أحد المحللين الظرفاء من أن الاطراء المتبادل على أداء كلا الطرفين يضع الكثير من الشكوك حول حسن هذا الأداء، خاصة في ظل تصاعد موجات الإرهاب وتزايد الخسائر البشرية والمادية!! هذا وقد عززت مصافحة د. علاوي لوزير خارجية إسرائيل في الأمم المتحدة موقف بوش، حيث قدمه الأخير كرئيس وزراء عراقي (واقعي ومرن)، وكان الهدف واضحا بالطبع، وهو ضمان الحصول على أصوات الناخبين اليهود!!
والمهمة العسيرة والشاقة امام المنافس كيري ستتركز على مدى نجاحه في نقد سياسة الإدارة الجمهورية الحالية وتفنيد طروحاتها، مع طرح البدائل المقنعة للناخبين حول كيفية معالجة النواقص الكثيرة والقاتلة في الملف الأمني العراقي ومكافحة الإرهاب.. فالملف العراقي كان فعلا النقطة الساخنة في المناظرة التي جمعت بوش وكيري الخميس الفائت، والتي كانت وحسب إجماع المحللين تميل لصالح المنافس كيري. وكما صرح السناتور إدورد كيندي قبل أيام من ان ملف العراق هو الذي سيحدد مسار ونتيجة الإنتخابات الأمريكية المقبلة.. هذا إلى جانب معدلات البطالة المرتفعة وتباطئ الإقتصاد الأمريكي والذي يؤثر سلبا على البرامج الإجتماعية والصحية والتربوية، والتي تقلص الصرف لها بسبب أعباء الحرب وتزايد تبعاتها الاقتصادية..
وإذا كانت تصريحات د. علاوي تعتبر نصرا لمواقف بوش وإدارته بدءا من تأييده للحرب الأخيرة التي شنت على العراق أو (تحرير العراق) كما كان يحلو له ان يقول، إلى أسلوب معالجتهم للوضع الأمني المتردي في العراق وعملية ما يسمى بإعادة البناء، وبناء أسس الديمقراطية والتهيئة للإنتخابات البرلمانية القادمة، فإن إدارة بوش لم تقدم أي حلول ملموسة للوضع العراقي سوى تصريحات لا تغني ولا تسمن.. وظل مسؤوليها يرددون ما صرحوا به سابقا حول صحة مواقفهم تجاه القضية العراقية والإرهاب الدولي..بينما جاءت تصريحات كل من وزير الخارجية السيد باول ووزير الدفاع رامسفيلد متناقضة حول عملية إجراء الانتخابات في العراق.. فالأول أكد على إجرائها على عموم العراق بعد أن يهزم الإرهابيين قبل حلول موعدها، اما الثاني فقال بأنه يمكن إجراء الانتخابات في المناطق الهادئة ويستثنى منها بعض مناطق (المثلث السني) وتكون نتائج هذه الانتخابات ناجحة ومقبولة!! ولكن هل كان رامسفيلد ليقول ذلك لو تم إجراء إنتخابات بالطريقة ذاتها في فينزويلا أو فلسطين أوغيرها من الدول التي لا تلتقي سياستها مع الولايات المتحدة؟ ام إنه سيعربد ويهدد ويدين مثل هذه الممارسات اللاديمقراطية؟!
فحكومة د. علاوي لم تحصل إلا على تأييد لفظي لما تقوم به من مهام صعبه وشائكة..أما على صعيد تسليم الملف الأمني للعراقيين وتزويد القوات المسلحة العراقية بما تحتاجه من معدات وأسلحة متطورة وتدريب عالي لمواجهة مد الإرهاب وعمليات الخطف والقتل العشوائي،والذي يقترفه حلف غير مقدس من بقايا النظام المقبور والإسلاميين المتطرفين بشقيهم السني والشيعي وبعض المرتزقة العرب والأجانب، فلم يجري التطرق إليها في وسائل الإعلام، أو حتى الوعد بتلبيتها.. فهذه المسألة الملحة بالنسبة للعراقيين، ليست كما يبدو، من اولويات الإدارة الأمريكية الحالية.. أما ما تريده هذه الإدارة هو جعل تواجد القوات الأمريكية على الأراضي العراقية واقع وضرورة، وحاجة يومية ماسة للعراقيين.. وإلا كيف نفسر غياب مراقبة الحدود العراقية ولحد اليوم رغم تشخيصهم (الصائب) بأن واحدة من الآسباب في تردي الوضع الأمني هو تسهيل مهمة توافد الإرهابيين إلى العراق من وراء الحدود؟ وكيف نفسر، وبعد أكثر من سنة ونصف على سقوط النظام وحل الجيش والقوات المسلحة الأخرى، لا يحمي أرض العراق سوى 100 ألف من الحرس الوطني والشرطة المزودين بالأسلحة الأنوماتيكية وسيارات لا تحميهم من أسلحة أعدائهم المتطورة؟ فمتى ستتزود إذن قواتنا المسلحة بالمصفحات والدبابات والأسلحة المتطورة الأخرى والتدريب على الإلمام بها وقيادتها من اجل حماية حدود العراق وأرواح أبناء شعبنا من هجمات أعداء الديمقراطية والمجتمع المدني؟ وكم من الوقت والجهد والدم سيحتاج إليه العراق لتحقيق ذلك، لو اخذنا بالحسبان طول فترة تشكيل هذه القوة الصغيرة والغير مدربة جيدا من القوات المسلحة الحالية؟ أما تصريحات بعض الساسة حول سحب القوات الأجنبية من العراق، عندما تستقر الأمور، فليست هذه التصريحات سوى محاولة لذر الرماد في العيون، حيث يجري بناء القواعد العسكرية الأمريكية، في جميع أنحاء العراق وتجهيزها بأحدث المعدات والتكنولوجيا الحديثة.. ويبدو انهم قد قرأوا وطبقوا بعض شعارات النظام المقبور في المعسكرات التي يحتلونها الآن، حيث تقول إحدى هذه الشعارات (يد تبني ويد تقاتل)!!
فالمتوقع إذن، أن الوفد العراقي قد أجرى مباحثات مستفيضة وجادة مع الجانب الأمريكي، وطرح تصوراته حول الخطوات الواجب اتخاذها للحيلولة دون السماح للإرهابيين وكل أعداء الديمقراطية من عرقلة توجه العراق نحو إجراء الإنتخابات البرلمانية القادمة والتي تعتبر خطوة هامة وأساسية في تشييد دولة حديثة ومعاصرة تحترم حقوق الإنسان وتعمل من اجل خير ورفاه واستقلال العراق.. أما ما ستتمخض عنه الانتخابات الأمريكية القادمة من نتائج، إن كانت لصالح بوش أو كيري، فإن الملف العراقي وبعد الإنتخابات هذه سيظل ساخنا.. وسوف لن نتوقع أن يجري تغيير حاسم ودراماتيكي في السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة ونحن نتحدث عن العراق والذي كان ولا يزال يتنقل في أروقة المخطط الاستراتيجي للسياسة الأمريكية، حيث سيجري التعامل معه وفق هذا المخطط وبغض النظر عمّن سيفوز بالانتخابات القادمة، الديمقراطيون كانوا أم الجمهوريين..
التعليقات