سؤال أوجهه بنية سليمة الى الجميع لأنى سمعت هذه الجملة فى كل اتهام يوجه ألى صاحب رأى قد يخالف المألوف بصرف النظر عن صحة هذا الرأى من عدمه،، سمعنا هذه الجملة فى الأتهامات التى كيلت للشيخ طنطاوى في قضية الحجاب رغم أنه لم ينكر أن الحجاب فرض دينى و سمعنا نفس الأتهام لفرج فودة قبل قتله و نجيب محفوظ قبل الأعتداء عليه و نصر أبو زيد قبل الحكم بتفريقه عن زوجته، وهانحن نسمع نفس الكلمة كمبرر لاتهام اسامة انور عكاشة في دينه عندما قال رأيه في عمرو بن العاص.. رغم ان نفس هذا الرأي كتب في كتب التراث والتاريخ الاسلامي المعتبرة كالبداية والنهاية وتاريخ ابن خادون وغيرها.. جملة نسمعها كثيرا و لكنى لا أعرف ماذا تعنى بالضبط. ورغم أنى لا أدعى أطلاقا التفقه فى الدين ولكنى كمسلم بسيط كنت أعتقد أن ما هو معلوم بالدين بالضرورة هو شهادة لا أله ألا الله و أن محمدا رسول الله و الأيمان و التصديق بأركان الأسلام من صلاة و صوم وزكاة والحج ألى بيت الله الحرام لمن استطاع أليه سبيلا و هذا ما يعرفه أى مسلم مهما كان بسيطا أو جاهلا مثلى. أما لماذا أسال فهو مخافة أن أكتب أو أبدى رأيا قد يعتبره البعض مخالفا لما هو معلوم من الدين بالضرورة فأتهم بالزندقة أو أجد نفسى مذبوحا رغم حسن نيتى.
فأذا كان الشيخ طنطاوى الذى هو شيخ الأزهر و العالم الجليل قد اتهم من قبل البعض أنه خالف ماهو معلوم من الدين بالضرورة فما بالك بواحد غلبان مثلى كل ذنبه أنه مهموم بالحالة السيئة التى وصلت لها بلده التى يعشقها و التى يعيش و سيعيش فيها أولاده و أحفاده و قرر أن يمارس حقه الدستورى فى أبداء رأيه المتواضع.. و بما أننا نعيش فى بلد المكون الثقافى و الحضارى الأول لغالبية شعبه هو الأسلام فلابد أن يدخل مفهومنا للأسلام فى النقاش و هنا المطب فما أدرانى أننى لن أخالف ماهو معلم من الدين بالضرورة حينئذ و بدون قصد و فى نفس الوقت أنا مصمم على استخدام حقى و ألا مت كمدا و غيظا لأننى لا أستطيع أن أمشى جنب الحيط أكثر من هذا فالحيط على وشك السقوط فوق نافوخي!!!.
لقد حاولت أن أجد تعريفا محددا و متفقا عليه لهذة الجملة فلم أستطع.. قد يكون هذا نتيجة جهلى أو تقصير منى ولكنى كلى رجاء أن تعذرونى و أن يفيدنى من يملك تعريفا لهذه الجملة يمكن أن يتفق عليه ولو عدد معقول من الخلق لأن الكثيرين ( وهذا واضح من كثرة الأتهامات التى وجهت ألى) يعتبرون أنه لا يمكن فصل الدين عن السياسة و العكس و بما أن معظم ما نكتبه له علاقة بالسياسة بطريقة أو أخرى فلابد أن تنزلق القدم.. أرجوكم أفيدونى فأنا خائف أن أكون فى هذه اللحظه أخالف ماهو معلوم من الدين بالضرورة.

فأنا عبد لله فقير قد يؤمن و ينادي بفصل الدين عن السياسة ولكنه في نفس الوقت مسلما يؤمن أن لا أله ألا اللة ومحمدا رسول الله ويحب الله و رسوله.. عبد فقير ينادي بألا يتدخل رجال الدين في السياسة حتي لايفسد كل منهما الآخر.. ولكنه يجل و يحترم رجال الدين عندما يفقهوننا في أمر ديننا لكي نزداد قربا من الله و نزداد حبا للخير و العدل.. عبد فقير يؤمن أن الدين لله و الوطن للجميع و أننا جميعا مسلمون وأقباط أخوة في هذا الوطن لنا نفس الحقوق و علينا نفس الواجبات ويجب أن نكون جميعا متساوون أمام القانون.. ولكنه القانون المصري وليس الأمريكي أو الكندي أو السعودي ويؤمن أن من حق الأنسان أن يعبد الله بالطريقة التي يراها صحيحة و لكنه في نفس الوقت يؤمن أنه ليس من حقه أن يجبر الآخرين علي اتباع طريقته لأن أثمن ما خلقه الله في الانسان وميزه به عن بقية مخلوقاته هو حرية الأختيار و تحمل مسئولية هذا الأختيار.

فهل في ما سبق أنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة؟

وهل عندما قال اسامه أنور عكاشه رايه في عمرو بن العاص وهو رأي مشتق من كتب التراث والتاريخ الاسلامي لعلماء أجلاء أمثال ابن كثير وابن خلدون فهل أنكر في نظر من هاجموه شيئا لا نعرفه مما هو معلوم من الدين بالضرورة..هل عمرو بن العاص.. هو من أصول الاسلام؟.. ونحن اول من ندعي انه لا قدسية الا لرسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم وفيما أوحي الله أليه.. ونحن من ندعي ان لا كهنوتية في الاسلام فماذا تكون الكهنوتية ان لم تكن ما يفعله من نصبوا أنفسهم متحدثون رسميون باسم الله واسم الاسلام.. هؤلاء الذين يريدوننا أن نحنط عقولنا.. ونقطع السنتنا..هل هم أفضل من علماء أجلاء مثل من ذكرناهم و أفضل من الصحابة الاوائل الذين اختلفوا فيما بينهم الي حد الاقتتال وعمرو ابن العاص هو من أكبر المساهمين في هذا الاقتتال وبنص كلام كتب التاريخ المعتبرة وسأورد بعضها :

ويروي الذهبي أن عمرا سأل معاوية: أترى أنا خالفنا عليا لفضل منا عليه؟ لا والله، إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها،وأيم الله لتقطعن لي قطعة من دنياك أو لأنابذنّك، فأعطاه مصر وأطلق له خراجها ست سنين، يعطي أهلها عطاءهم وما بقي له فجمع بذلك أموالا طائلة.

وقال ابن خلون في تاريخه :

حدثنا خلف ابي قاسم حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا الدولابي حدثنا ابو بكر الوجيهي عن ابيه عن صالح بن الوجيه قال‏:‏ وفي سنة خمس وعشرين انتقضت الاسكندرية فافتتحها عمرو بن العاص فقتل المقاتلة وسبى الذرية فامر عثمان برد السبي الذين سبوا من القرى الى مواضعهم للعهد الذي كان لهم ولم يصح عنده نقضهم وعزل عمرو بن العاص وولى عبد الله ابن سعد ابن ابي سرح العامري وكان ذلك بدء الشر بين عمرو وعثمان.

اليس فيما رواه الذهبي ورواه ابن خلدون مايؤكد ما قاله اسامة انور عكاشه..بل هناك ما هو اكثر مما قيل في كتب تاريخنا المعتبره عن عمرو ابن العاص وعن دوره في الفتنة الكبري.. وعن ان عمرو بن العاص كان يؤلب علي سيدنا عثمان لعزله عن مصر ثم بعد قتله انحاز الي معاوية طمعا في مصر وعن دوره في قضية التحكيم و غيرها،، فلماذا تمنعون عنا قراءة تاريخنا بصدق لنتعلم منه ونتلافي الاخطاء.. ولماذا تصرون ان نقدس بشر فاني أخطئوا و أصابوا وهم انفسهم لم يعطوا انفسهم هذا الحق والاسلام نفسه منعنا من أن نقدسهم.. ان منعنا من دراسة تاريخنا وتراثنا كما يجب يمنعنا من تنقية الكثير مما تسرب الي الاسلام واصبح و كأنه حقائق لا تقبل النقاش.. وهو ما أدي الي ما نحن فيه الان من تردي علي جميع المستويات.. وما أدي الي اعتبار الارهاب بطولة.. وما أدي الي رفض الديمقراطية والتقدم والحضارة.. رغم ان الاسلام نفسه كان ثورة حضارية وثورة ضد الظلم وضد احتكار القلة للثروة والسلطة علي حساب الغلابة والفقراء..رغم ان الاسلام كان دعوة الي العقل والتفكير والتدبر.. ولكننا بفضل فقهاء السلطة وفقهاء التكفير وتقديم النقل علي العقل وصلنا الي ما نحن فيه.. أعطينا عقولنا أجازة بدون مرتب وتحولنا الي عالة علي الامم الاخري.. الامم الاخري تعمل وتفكر وتنتج وتكتشف الجديد في كل مجال ونحن ما علينا الا ان نستهلك ونقنع أنفسنا اننا خير أمة أخرجت للناس وأن الله قد سخرهم لنا.. والي الوقت الذي نستيقظ فيه من هذا الوهم.. فسنظل علي ضعفنا وهواننا علي انفسنا وعلي الاخرين رغم كمية الدماء التي تهدر علي ايدي ابطالنا من أمثال الزرقاوي ومن شابهه.. فهنيئا لنا به وهنيئا لنا بهذه الجملة المسلطة علي رقبة كل من يحاول ان يستعمل عقله،، أنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة،،.. دون ان يتبرع لنا عبقري ليعرف لنا هذه الجملة بالضبط.

د. عمرو اسماعيل

[email protected]