عجباً لأمر منطقة الشرق الاوسط وشعوبها التي كتب على جبينها أن تبقى تعيش الأمرّين. فإما أن تكون فيها حياً وأنت ميت فوق أرض الله الواسعة كأن تمتلك جسداً يتحرك ويتنفس ولكنه ميت من الناحية (الفكرية، الاقتصادية، الثقافية، السياسية)، أو أن تكون ميتاً وأنت ميت تحت الأرض. ولا فرق بين الأمرين فكلاهما سيّان بالنسبة للإنسان الذي يقطن هذه البقعة من الأرض لا دور له فيها وعديم الارادة.

فسابقاً عجّت شوارع وأزقة اوروبا بالمهاجرين العراقيين الذين ولّوا وجوههم شطر أوروبا علّهم يتخلصون مما كانوا يدّعونه من ظلم ودكتاتورية النظام القابع في العراق وينفذوا بجلودهم مما كان سيحيق بهم إذا لم يمتثلوا لأوامر ذاك الظالم الذي أصبح في ذكرى التاريخ.

أما الآن وبعد أن ولّى النظام البعثي من غير رجعة وذهب معه ظلمه وجوره واستبداديته وكل ما كان يخيف المواطن العراقي به. حلمنا وفرحنا كثيراً وتنفسنا الصعداء وتمنينا أن تعمّ فرحة الحرية في كافة بلاد الاشقاء القريبين والأصدقاء البعيدين. وتمنينا أيضاً أن يصبح العراق نموذجاً يحتذى به ويُضرب به المثل بكيفية تعايش شعبه من كل الاتجاهات والتيارات (القومية والمذهبية والطائفية) مع بعضهم البعض بعيداً عن التناحرات والمشادات.

هذا الذي حلمنا به وإن كنا بذلك مثاليين بعض الشيء ولكنها تبقى أمنية نسعى لتحقيقها على أرض الواقع لتصبح حقيقة نعيشها. وها نحن الآن نعيش أموراً بعكس ما كنا نرجوه ونحلم به. فقد زادت نسبة المهاجرين من وطننا الحبيب إلى الضعف وأن حالة عدم الآمان والاستقرار ايضاً حلت محل السعادة والفرحة. وكثرة عمليات القتل تحت ذرائع شتى وكذلك التفجيرات والتهديدات ووووالخ، من أمور يعجز ويخجل المرء عن ذكرها وسبب ذلك أن ما يطبق على ارض الواقع بعيد كل البعد عما كنا نحلم به.

سابقاً كنا نملك شمّاعة أو شيء نلصق به أسباب جهلنا وتخلفنا وهجرة أبناءنا وكذلك عمليات القتل والمقابر الجماعية التي انتشرت في كل أرجاء الوطن من دون تمييز وكان طينتنا أو شماعتنا هو نظام صدام حسين. والآن على من سوف نلصق اسباب هذه الحالة التي يعيشها العراقي في كافة الأماكن. فحالات القتل والتدمير والهجرة والخطف والحرق والتخويف والارهاب والاحتلال وووالخ، هل نلصقها على القوات الامريكية المحتلة لأرضنا أم على الجهات التي تنفذ عملياتها تحت مسميات الجهاد أو التحرير أو الاجانب الذين دخلوا العراق بطرق غير مشروعة؟

فهذا التخبط والمستنقع الذي أدخلونا فيه عنوة على من سيعود بالفائدة؟ ومن الذي يخطط له؟ وما هو الهدف منه؟ ويمكن اعتبار ظاهرة الفوضى التي تعصف بالعراق في راهننا هي نتاج طبيعي لمفرزات ومفارقات فرضت على الشعب العراقي طيلة حكم النظام السابق.

فنداؤنا هو إلى كافة الأطراف بغض النظر عمن تكون. اتركوا الشعب العراقي بحاله يعيش بكرامة وحرية، بعيداً عن الخوف أو الترويع أو التهديد لأنه بهذه الوسيلة لا يمكن أبداً تحقيق العدالة والحق.

صحفي عراقي