كان الموضوعان اللّذان استحوذا على اهتمام الإعلام العربي الإسلامي و العالمي، انعكاسا حقيقيا لعقلية و ثقافة المنطقة '' الشرق أوسطية،، و ما تمثله من إيمان بالصنم، فمن معركة (( الفلّوجة )) الأخيرة إلى مسألة موت أو حياة (( ياسر عرفات ))، توّضح أن المنطقة تعيش صراعا بين أنصار '' مودة،، الحكم القديم و من حولها من عساكر السلف الطالح، فالفلوجة تحمل في أحشائها ـ فعلا ـ مقاومة مسلحة و ترفض النظام الجديد، لكنها مقاومة '' العسكر الصدّامي القديم،، الذي سيلفظ أنفاسه الأخيرة ـ أُسوة بعرفات ـ خلال الأشهر الستة القادمة، و الأمريكيون و العراقيون على حدّ سواء قادرون على سحق التحالف القومي السلفي و لكن المسألة تتطلب فقط بعض الوقت و الصبر، فالنظام العراقي الديمقراطي الجديد ينظر إلى استعمال القوة كـ(( ضرورة قصوى )) و كحل أخير للحفاظ على العراق الديمقراطي العادل، على نقيض النظام السابق الذي كان لا يكتفي باستعمال الحلول القمعية!! بل و يتفنّن فيها إلى درجة أن حزب البعث كان فعلا مدرسة في القسوة و صناعتها، و من حـُسن حظ الإرهابيين (( البعثيين و السلفيين )) أن النظام العراقي الحالي ـ و الذي ما كان ليكون لولا الله و الأمريكيين ـ لا يؤمن و لا يستخدم أساليب البعث الوحشية و إلاّ لكانوا الآن رمادا تذروه الرياح، و الرابط بين موضوع الفلوجة و عرفات أن كليهما يمثل أزمة ثقافة واحدة، الثقافة التي تؤمن بحق القوة لا بقوة الحق، و تؤمن بزعماء السوبرمان أو الخارقين، فالدنيا قامت و لم تقعد لمرض عرفات و القلق الحقيقي لم يكن على صحة الرجل بقدر ما كان على خلافته، و الشعب الفلسطيني مشغول بتعليق صور الرجل هنا و هناك، بينما لا أحد يتكلم عن مرض شعب بأكمله في الأراضي الفلسطينية يعاني من مرض اسمه (( القومية و السلفية ))، فبينما يعيش المسؤولون في القصور الرخامية، يفترش المواطن العادي تراب الأرض و بيوت الصفيح، هذه كانت حال الشعب العراقي أيام النظام المقبور في أحسن أحواله، إن معركة الفلوجة تشكل مع مرض و وفاة عرفات إنعطافة تاريخية مهمة للتحول من الثقافة القديمة التي جلبت لشعوب المنطقة المزيد و المزيد من الأوهام و المعاناة بكل أشكالها، من نيل الفقر و الذل إلى هتك الأعراض، إن العراق الجديد سينهض فعلا إذا ـ أؤكد على كلمة إذا ـ تنبه العراقيون إلى واجبهم و ميّزوا فعلا بين العدو و الصديق و أدركوا أن (( البعث )) ليس محصورا بين أُناس علمانيين، بل هناك بعثيون من نمط آخر، يقرأون القرآن و يُـطلقون اللحى و يروجون للإرهاب و التخريب باسم الدين، فقد طلع علينا مفتي (( شيعي )) هو محمود الحسيني مُشكّكا في (( وجوب )) المشاركة في الإنتخابات، و هذا الموقف إنما ينطلق من دافع سياسي لا شرعي، إيران الآن و معها جيش القومية العربية و السلفية تدرك أن مرجعية النجف الأشرف لا تؤمن بولاية الفقيه الخامنئية و أن العراقيين ـ الشيعة منهم بالذات ـ يرفضون أن يخدعهم أي أحد تحت ستار الدين أو القومية أو أي شعار كان، إن المتاجرة بالدين و تسويقه سياسيا هي إحدى ميّزات النظم القديمة و التي حرفت معاني الإسلام الحقيقية منذ وفاة الرسول (( عليه السلام )) و إلى الآن، و من يتابع إعلام (( الجمهورية الخامنئية )) كقناتي العالم و سحر يدرك أن هناك من هو مُـستعد في ظل نظام يزعم أنه إسلامي أن يرسخ حكم (( الولي السفيه )) و إن بجيد فنانة عربية مشهورة تتقن الرقص الشرقي، و إلا كيف نفسر عرض قناة (( سحر الفضائية الإيرانية )) لمسلسل فارس بلا جواد!! المسلسل الذي يبرز دور (( العوالم ـ مصطلح باللهجة العامية المصرية لبائعات الهوى و الغرام )) في مقاومة ما يسمى بالإحتلال البريطاني لمصر، للأسف فإن الشعب الإيراني لم يدرك ـ ربّما هو في طريقه للإدراك ـ بعد، إلى أي درجة يحتقره الخامنئي و ملاليه، فالولايات المتحدة حينما سلّطها الله على نظام البعث و قامت بتحرير العراق، صرخ الخامنئي على رؤوس الأشهاد و تناقلته أكثر وكالات الأنباء: لقد فاقت جرائم أمريكا في العراق خلال ستّة أشهُر فقط كل جرائم النظام السابق!!، إن قتل الجيش الأمريكي لبضعة مئات من البعثيين و السلفيين فاقت ـ بنظر خامنئي و زمرته ـ قتل صدّام لمليون و نصف المليون إيراني، عدا مليون عراقي، في حرب دامت ثمانية سنوات، و فاق المقابر الجماعية و سجون الإغتصاب و التعذيب الوحشي، و الخسائر التي فاقت مئات المليارات و المشاكل و الأزمات التي ستستمر عشرات السنين، كل هذا و أكثر نسيه (( الولي السفيه )) في لحظة انتشاء أمام جماهير محتشدة (( تنعق وراء كل ناعق ـ تعبير للإمام علي عليه السلام ))، إن العراق الجديد إذا نجح و إذا فشلت مؤامرات الثالوث الضال (( الخامنئية و السلفية و البعثية )) سيغير ثقافة المنطقة إلى الأبد و لن تكون هناك أزمات كلّما مرض أو مات حاكم، فالشعب فيه من العقول و المثقفين من يستطيعون خوض الإنتخابات و المناقشات ليحكموا بالقناعة لا بالحرس القومي أو الثوري، إن تجّـار الدين لا يملكون ذرة من الحياء، فها هو أحدهم يطلع علينا على قناة الجزيرة ليعاتب أحد أُمراء آل سعود لأنه وقف ضد المقاومة (( المزعومة )) ضد ما سمّاه الإحتلال الكافر في العراق و هو الأمير صاحب الفضل في نشر قيم و أفكار '' الإمام المجاهد المناضل البطل الإرهابي ابن تيمية،، و هذا المفكر المُـعاتب كان يتكلم من لندن عاصمة أكبر دولة للكفر و الزندقة و الإلحاد ـ حسب إيمان الرجل طبعا لا حسب إيماننا ـ و هذه الدولة العظمى منحته كل الحقوق و الرفاهية و الضمانات، ضمان الصحة، ضمان السكن و المعيشة، الضمان الإجتماعي و.. و إلخ،، سؤال أخير نطرحه على القراء: رغم كل هذا نصرّ أن المسلمين الظلمة و الفسقة المبذرين المبددين لثروات أُمم كاملة سيدخلون الجنة!! و أن الأمريكي و البريطاني العادل الرحيم الشفوق الديمقراطي المتواضع المحافظ على ثروات أُمته سيدخل جهنم لأنه '' كافر،،!! و لا حول و لا قوة إلا بالله.