أثارت قائمة الموقعين على النداء العالمى لإنقاذ النوبة فى مصر والسودان ردود أفعال مختلفة، أبرزها وأكثرها حدة تلك التي رددها المبهورون بالعنصرية والمبشرون بها في الفضاء السياسي والثقافي المصرى، وإختلاق ذرائع جاهزة سلفا منها وصف العمل النوبى بأنه يهاجم الوحدة الوطنية أو
السياسة العامة للدولة، ومحاولة تقويض الحركة الفكرية النوبية فى مصر من خلال وضع العديد من المحاذير على الأفكار التي يمكنها أن تعبرعن الواقع النوبى، وأيضا دعم العمل غير الهادف الذي يعمل على هدم حقوق النوبيين وحقوق الأجيال المقبلة... دأبت الآلة الإعلامية المصرية التابعة للسلطة فى مخاطبة أبناء النوبة من منطلق إستعلائي بغيض، ودائما ما يقلب الصورة التي يريدون ترويجها إلى الضد تماما، ولا ندرى هل العيب فى رسالة النداء أم فى قائمة الموقعين على النداء. هناك اختلافا جوهريا بين رجال أعلام مصر وكتاب النوبة حتى بعد مرور 40 عاما أو أكثر على نكبة النوبة، في كيفية نظرة كل منهم للمقابل النقدى الذاتى الذي ينتظره من الآخر. فرجال صحافة مصر لا يكترثون قطعا فى كتاباتهم عن أمور النوبة وأبناءها، فهم سلبيون أكثر من رد فعلهم لنقد كتاب النوبة. فهم يجدون فى الحاق الضرر بكتاب النوبة أمر محبب إلى نفوسهم لمرحلة من الانفعال الذى يطفح بهم الكيل عندهم حتى يفرز هرمون الأدرينالين الذي يجرى في شرايينهم بقوة أكثر من نقدهم الهدام، فيحتاجون للشفاء الفسيولوجى من هذا الحال لوقت أطول، وقد يصل إنفعالهم إلى مرحلة وضع حاجز من الصمت، لأنهم متأكدون من سخونة المناقشات القادمة مع أصحاب الحق النوبى. فقد قام بعض ممن يسمونهم رجال الأعلام وهم في مرتبة دونية عنصرية، يدعون أبناء النوبة التخلى عن العرقنة النوبية معتقدين أنه سيحل كل مشاكل النوبيين بين عشية وضحاها، يعتقد هؤلاء ايضا ان العرقنة النوبية مثل القفطان المصرى يمكن ارتداؤه او خلعه في اى لحظة يشاء النوبى. ولكنهم خانتهم ذاكرتهم وتناسوا بأن المنطق التعميمى العروبى لا يمكن الإعتماد به بأن جميع الناطقين باللغة العربية هم أمة واحدة مهما أنبسطت حدودها وتباينت أو توحدت تواريخها. الإنتماء للغة واحدة ليست العامل الحاسم لتعميم عروبة الأوطان، وليست أبدا دليلا قاطعا للإنتماء القومى العرقى، وإنتشار اللغات الحية كالفرنسية والإنجليزية والأسبانية بين الشعوب المختلفة عرقيا فى أنحاء العالم إلا دليل حاسم على هذه الحقيقة المؤكدة. إن رفض الثقافة النوبية وسحق تراثها ومحاولة إذابة المجتمع النوبى فى بوتقة غريبة ومنع بث إذاعة باللغة النوبية والحصار الـذى يفرضه تليفزيون مصر على دخول المـذيعات والمـذيعين السود، كلها من مجريات المشاريع الإستبدادية، حاول أن تدقق في المثال جيدا لتعرف فكرة عمل الفضائيات المصرية التى تعج بالمسلسلات الهزلية ويظهر النوبى فيها على شكل خادم أسود يتمنطق حزام أحمر أو أخضر ويضع على رأسه طربوشا أحمر لإظهار الولاء للمتعجرفين. لتلاحظ كم الحقد الذى يكنه هؤلاء نحو النوبى المختلف عرقيا عنهم. وبما أن
قضية النوبة تحتاج إلى مزيد من الاجتهادات والدراسات، وعلى جميع النوبيين في وادى النيل النوبى التمسك بشعار نوبى موحد وبفلسفة وحيدة هي إنهاء الإستبداد المصرى والسودانى، فالالتهاء بالفرعيات ينسينا القضية الأصل.
نلاحظ فى الفكر المصرى المتهافت بطرح نهاية التاريخ النوبى، والمواجه للفكر المقاوم الذى يمثله الشعب النوبى باستمرار، من خلق مناخ من الاذعان يعمد الي تهميش الحقيقة باستمرار من حلال عدد من المنابر البديلة، لتكشف لنا بوضوح عن محدودية مزاعم الجنة المصرية الموعودة، ووعودها التي نسجتها السلطات المصرية لأعوام طويلة في هذا التاريخ المقموع او المسكوت عنه. وفي اضطهاد أبناء النوبة لعقود طويلة
انهم يريدون ارهابنا باطلاق شعارات جوفاء وبمسميات ساذجة مثل المتأمرك والعميل وغيرها، كما ارهبوا أجدادنا قرونا بالسوط والسيف، سنصمد معا، سنقاوم معا، فلم يفت الآوان.. الهدم الحضارى الذى أستهدف الأمة النوبية استهدافا ثقافيا في المقام الأول هو الذي أخرج لنا ألفاظ ومفاهيم جديدة لنطالب بحقوقنا المشروعة. أتمنى أن أسمع أحد يتكلم عن إنهاء الإضطهاد المصرى والشعار البغيض
: شعار إنت نوبى إذن إنت مقموع. وأخيرا نأمل من أصحاب السلطة إحترام حقوق الأقليات من أجل مصر البناء والتعددية وإرادة الإنسان الحر.
فؤاد شباكا / ناشط نوبى مصرى