رد على الأستاذ الخامري


بداية أنا معك في افراط الأستاذ الزيدي في الرد على ملابسات التأريخ الأسلامي، بشكل يوحي للقارئ أنه طائفي، وليس كما وصفته ينظر للأمور من ثقب الطائفية الضيق. فالأستاذ الزيدي اعلامي عراقي شيعي مقتدر. مارس المهنة ليس بدافع العيش وحسب، رغم الكفاف الذي عشناه في المنافي، أنما كان يكتب بنية القربى الى الله تعالى، هذه النية المغيبة لدى الطائفيين، الذين يملؤون صفحات الصحف والمواقع الألكترونية. ولكن شدة الهجمة التي تعرض لها شيعة العراق على مدى عقود من تأريخنا الحديث، وما رافقها من تأييد، وتصفيق وتعتيم، من المحيط الأسلامي السني والشيعي على حد سواء. جعل من أمثال الأستاذ الزيدي يدافع بحماسة، تفقده أحياناً حكمة الحوار، وحقه في الدفاع المبرر عن الحق المغدور، في أرض الرسالات والقانون، أرض العراق الحبيب. ولا أدري لماذا يمنع الحديث عن كشف حقائق التأريخ على أمثال الزيدي ــ كما ابلغك أخوة لك بمنع كتاباته في وسائل اعلامهم المقروءة دون أن يردوا عليه ليثبتوا خطأ طرحه ورأيه ــ ولاتمسى طائفية مثل هذه التصرفات. وأن يقوم الزيدي بتوضيح حقيقة مبهمة، غيبها التعصب الطائفي والأنشداد الى الأقوى، وليس الى الحق الأحكم، والرأي والأحلم، ينعت بالطائفية فورا.
فالطائفية يا استاذنا الخامري العزيز، هي أن لا يدافع الأنسان عن الحقيقة بالأصرار على الخطأ وإن كان مجافيا لها. والطائفية هي التعصب الى أراذل الطائفة، وتفضيلهم على خيار رجال أمتهم. ليس من خلال مجاهدتهم لاحقاق الحق، بل لمجاهدتهم لفرض واقع باطل يحولوه حقا، وتكون نتائجه آنية مرحلية لاتؤتي أكلها إلا لصاحبها. لكنها لاتترك بصمة حق في تأريخها ولا تأريخ أمتها.
وكما تعرفون ويعرف الجميع، أنك إن اردت معرفة الحق لاتبحث عن رجاله، بل اعرفه تعرف أهله. وهنا نجد طائفية بعنوان وقالك بالرد على الزيدي، عندما تبيض تأريخ بيبرس الأسود. الذي لم يترك لنا واقعاً يتحرك في المجتمع الأسلامي في يومنا الحاضر، غير شواهد باطلة، وتبرير لجرائم بحق الأبرياء أصحاب الرأي السديد. فمتى عرف الحق بالقوة والمراوغة، وبسط النفوذ بالسيف باسم الأسلام.
ان التمظهر بالعدالة وتبييض صفحة مجرمي التأريخ الأسلامي الذي أخّرنا قرون الى الوراء، واتهام الآخرين بالمذهبية المقيتة، هي الطائفية المقيتة بعينها. وهي المعول لتهديم ما بناه الأسلام الحقيقي. وليس المدافع عن الحق الذي يجب أن يسود، هو تغليف جميع مقالاته بها وسرد آرائه السياسية والاجتماعية طبقا لها ومن خلال ثقبها الضيق، طائفية كما تدعون. انكم تدافعون عن الطائفية وتتهمون من يدافع عن حقه طائفي. إذن أين سعة الأفق وساحته، وأنتم تضيقون عليها بضيق افقكم الفكري، وتسطيحه على طريقة الشوام عندما تسألهم عن قبر الصحابي عمار ابن ياسر رضوان الله تعالى عليه. بقبر من هذا؟ يردون عليك هذا قبر سيدنا عمار، من أصحاب سيدنا علي، قتله سيدنا معاوية. أين إذن الحق،وأين الباطل؟ ومن هو السيد الحقيقي يا ترى؟ انها مهزلة الفكر الأموي عبر التأريخ.
فمشكلة الطائفية هي عبادة الشخص وما يتحلى به من قوة السيف، وليس قوة الفكر والعقيدة والحقيقة. فما معنى ان يكون جدكم الحسين عليه السلام، وانتم لاتؤمنون بفكره، بل تحبونه لكونه ابن بنت نبيكم وحسب. آل بيت النبوة عليهم السلام، والصحابة الكرام رضوان الله عليهم لايمكن التفاضل بينهم على اساس شخصي وجداني وعاطفي. ولايمكن ان نكن لهم الحب والتقدير على اساس قربهم وبعدهم عن رسول الله. انما الشخصية الأسلامية، أية شخصية كانت، هي ما تحمله من علم، وفكر ينبض بالحياة حتى بعد موته أو استشهاده. فهو باق بيننا ببقاء علمه وفكره، وما رسمه لنا من نظريات فكرية مستمدة من قوة العقيدة الأسلامية، تحتوي الزمان والمكان. وعلاقات انسانية عملية، حية تتجدد بتجدد الحياة، دون أن تفقد ثوابتها، مع الله، وحبها له تعالى وللأنسان. وعلى ضوءه يبدأ التفاضل والتقييم. فالضرب بالسيف والتفاخر به دون قاعدة شرعية تميل به الى العدل، لا الى النزوة وحب الجاه، قد يجرنا الى شوفينية العمل إن كان لايستند الى دليل شرعي مقرون بانسانية الأنسان كما أراده الله، لاكما يريده العبد.
لذلك فالأستاذ الزيدي ــ وان كان شديد اللهجة في طرحه مما يفتح ثغرة لابطال قوله بالحقيقة، بالتالي تترجم الى طائفية وهي ليست كذلك ــ كان ذكياً ودقيقاً جداً برصده لمضمون المسلسل الذي لانجده إلا في الأحلام وكتب علوم الأخلاق والتصوف. وسردك لبطولات الظاهر الذي اختفى اليوم من صفحات الفكر الا بطولات مارسها مع المؤمنين باسم الأسلام، هي أقرب الى حكايات أبو زيد الهلالي، وعنترة ابن شداد، وحواتيت الأطفال في ليالي الشتاء، ما هي إلا تسطيح للفكر وتسفيه لرأي الزيدي. وتهكمك على طرحه باستشهادك بآية لاتشير الى ما تعني من موضوع، وليس لها رابط به، يؤكد جهلك بالأمور الشرعية، أو تحجر الفكر عبر الزمن، وفق قراءة ظاهرية للقرآن دون معرفة الحكمة والدلالة، والنص ومفهومه . فالطعام يا سيدي، غير الذبيحة. وهنا أجدك قد ورطت نفسك في مسألة ،تعطي للسيد الزيدي الحق بمتابعة مثل هذه الأمور الضرورية في الشريعة، التي لايجوز تسطيحها بهذا الشكل، أو تركها دون اشارة لتبصير الناس بحقيقة الشريعة الأسلامية.
التأريخ يعيد نفسه
تتكلم عن التأريخ ، وتمارس الحقد الطائفي دون أن تشعر بقولك: أما الثورة الثانية فقادها رجل شيعي يعرف بالكوراني أظهر الورع والزهد "وهذا الذي تحدث عنه الأستاذ الزيدي في مقاله"، وسكن قبة جبل المقطم، واستمال بعض الشيعة من السودان، وحرّضهم على التمرد على السلطة الجديدة، فثاروا في شوارع القاهرة في أواخر سنة ( 658هـ = 1260م)، واستولوا على السلاح من حوانيت السيوفيين، واقتحموا إسطبلات الجنود، وأخذوا منها الخيول، لكن بيبرس أخمد الثورة بمنتهى السرعة والحزم، وأمر بصلب الكوراني وغيره من زعماء الفتنة. كم تتغنى بمفردة التمرد التي أطلقتها أنت بنفسك ضد الشهيد الحوثي، وقبلك أطلقها صدام المجرم الذي يدافع عنه أكثر من ألف عربي على مذهب بيبرس، عندما اتهم شيعة العراق بالتمرد بعد أن ثاروا عليه، فقصف مدنهم بصواريخ الأرض أرض بنفس القوة والحزم التي مارسها بيبرس ضد الكوراني ومن ثم صلبه. واليوم تطلقون على مجرمي العروبة الأسلام العفلقي مقاومة ظلماً وعدوانا، ومجاهدين بواسل يضربون بنفس سيف بيبرس رؤوس الأبرياء والشرفاء من العراقيين.
أين الشيعة في السودان ومصر، لقد عاشت المذاهب الأسلامية الأربعة في راحة وأمان، بين أخوتهم الشيعة في ظل الفاطميين. لكن أنظر كيف أبيدوا عن بكرة ابيهم بالتصفية الجسدية، وفصل رجالهم عن نسائهم، وهجروا أطفالهم ليضيعوا في شعاب أسيا الوسطى، كما فعل صدام قبل ثلاثة عقود بشيعة العراق، وأنتم تصفقون له. وذلك عندما سرقت السلطة من أصحابها، على يد صلاح الدين وبيبرس ومن هم من على شاكلتهم. وفرضوا المذاهب بقوة السيف على أهل مصر حيث لاأكراه في الدين فما بالك بالمذهب.
وثانياً:انظر كيف تحجّم براعة الرجال لكونهم شيعة، لكنك ترفض أن تقرأ للشيعة فكرهم لتبيان مستوى عقيدتهم ، وقوة دليلهم بما يعتقدون. لكنك لاتمتلك القدرة والجرأةعلى ذلك. فالفكر لديكم حواتيت وقصخونات ابتكرها معاوية لتضييع الحقيقة، فسار عليها الخلف. وكل ما تعرف عنهم انهم شيعة خارجون عن الدين.
وما قولك عن الكوراني انه شيعي أظهر الورع والزهد . نفس التهمة التي مارسها آل أمية عندما أظهروا اسلامهم ليضربوا الأسلام في الصميم. ونفس التهمة التي تساق لجدك الحسين عليه السلام فهو المتمرد على يزيد أمير المؤمنين، الذي يؤكد لنا انحرافه بقوله بعد معركة الحرة ، واعلان تشفيه بما فعل، واعتبرها ثارات بدر وحنين فقال:

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القوم من سادتكم وعدلنا ميـل بــدر فاعتدل
لعبت هاشـم بالملك فلا خبر جـاء ولا وحي نــزل
(تاريخ الطبري ).

واليوم يعيد التأريخ نفسه، ولكن باسماء أخرى وبنفس الحس الطائفي الأستئصالي. ففي بغداد، وفي القرن الواحد والعشرين، كان صدام المجرم والجاهل، للمفكر الأسلامي الفذ، وفخر الأمة الأسلامية الشهيد الصدر رضوان الله عليه. وفي صنعاء فقد أجهز الرئيس علي عبد صالح ، بجيشه العرمرم، والمسلح بأحدث تسليح ، على المتمرد الشيعي ــ هكذا شاع اعلامكم وأنت واحد ممن نقل الأحداث ــ الذي أظهر زهده وتقواه، الشهيد حسين الحوثي. لالشئ سوى أنه أعلن تشيعه، وجدد عقله بعد أن رأى الحقيقة صادحة منيرة. فراح الرئيس العربي الأشتراكي ليتهمه بتوريد أفكار هدامة ليدمر بها شباب الأمة.
بالأمس كان بيبرز الشجاع بدون علم وايمان، وخصمه الكوراني صاحب الفكر النير والعقيدة السليمة. واليوم الرئيس الأشتراكي صاحب الفكر المستورد، والمتحصن بجيشه المرتزق. وخصمه حسين الحوثي المتحصن بالعلم والحقيقة، الساعي الى المثابرة لنشر الحق بعد أن غيبه مجرمي بني أمية .
يالله ما أشبه اليوم بالبارحة. اجرام متوارث ضد علم رصين موروث . فلا المجرمون ارعوا، وثابوا الى كلمة الحق. ولا المؤمنون ساوموا ليبيعوا آخرتهم بدنياهم. صراع الخير والشر لم ينتهي حتى يرث الأرض ومن عليها عباده الصالحون.
فالرحمة الرحمة بالدين يا سيدي الماجدي، والرحمة الرحمة بالشيعة، فهم قطب الرحى التي لولاها لما اكتمل الدين. وهم أقرب اليكم من أنفسكم لو سبرتم أغوار عقيدتهم، بروية وتفحص. وتمعن بالمفاهيم والأفكار، بآليات العلم والأجتهاد وفق علم الأصلول، لما بقيت مشكلة للمسلمين بكل طوائفهم ومذاهبهم. ولعاد الجميع الى الينبوع العذب، الذي يجري في نسغ الأمة المتلزم بالحوار، وبالحكمة والموعظة الحسنة.