لا خلاف ان من اهم سمات الانظمة الديمقراطية، هي الاقرار بالحريات الفردية، ومن اهمها حرية الرأي، ان هذه الحرية ان استعملت لقول ما نؤمن به، وما نعتقده صحيحا، لخلقت جوا من الحوار البناء، حوار يؤدي الى الارتقاء بالانسان ومتطلباته (وليس كحرية الاسمائ المستعارة التي تمكننا من التنفيس عن كل امراضنا، بدل النقد الهادئ والبناء). ان حرية الرأي تعتبر بحق عامل اساسي في تقدم الشعوب والاوطان، ولكن بين حرية الرأي والدعوة الى التخريب والتدمير والقتل بون شاسع، يجب ان يكون واضحا للجميع، وخصوصا لمن يرتقي المنابر ويخطب في الجموع، بأسم الايمان والقيم الروحية، لا بل ان لمن يتصدي لهذه المهمة، اي الخطابة في الجموع المؤمنة، ان يكون من دعاة المحبة والحفظ على النظام والعمل بالتي هي احسن، ان من يتصدي لمهمة توجيه المؤمنين، مفترض فيه ان يقف في صف العدالة والحرية والقيم النبيلة، لكي يرتقي بفكر المؤمنين الى مصاف ادراك عجائب الخالق ومدى محبته لبني البشر.

من حق ائمة المساجد والجوامع والكهنة في الكنائس وكهنة معابد اليزيدية والصابئة المندائية والكاكائية، ان يبدوا ارائهم وان ينتقدوا ممارسات يعتقدون انها، تضر بالعباد، وان يدعوا الى اصلاح الامور، ولكن ان يقوم احدهم بالدعوة الى العصيان والتمرد، فهذا من شيمة العصاة والمتمردين والقتلة، وبالاخص، ان الحكومة القائمة لا تكبل الافواه والايادي، بل تدعوا صراحة الى ابداء الاراء.

تنقل الفضائيات اقوال ودعوات مشبوهة، للعصيان بأسم مقاومة ما يسمى بالاحتلال الامريكي، انها برأينا دعوات لسفك المزيد من دماء العراقيين الابرياء، الذين لا ذنب لهم الا التواجد في مكان معين وزمان معين هو وقت حدوث التفجير او سقوط قنبلة او اطلالق وابل من الرصاص، فهل هذه هي شيمة من يقاوم؟ وهل المقاومة المسلحة تكون مشروعة عندما تكون كل الحريات في معارضة اي شئ مباحة، في اطار القانون؟ ان مقاومة امور لا نؤمن بها امر شرعي، ولكن اسلوب المقاومة امر اخر، فالاسلوب القانوني في الدعوة وحشد المؤيدين، واجراء تغييرات سياسية عبر الوسائل السلمية، للوصول الى المبتغى، امر سليم ويتماشى مع القانون والحالة الديمقراطية التي نعيشها، ولكن التفجير والقتل على الهوية واطلاق زخات من رشاش كيفما كان ولقتل اكبر عدد من الناس، لمجرد زرع الخوف والرعب في قلوب العراقيين، هو الارهاب بعينه. انه عملية فرض الرأي الواحد وبالاسلوب المتعارف علية، تريد ارنب خذ ارنب، تريد غزالة خذ ارنب، اي لا بديل عن الرضى بما يريدون، انها تكرار لما عمله فأر العروبة عندما كان يخير العراقيين، بين صدام وبين الموت.

حتى المعارضة تمنح الفرصة، لمن يدير دفة الحكم، لكي تختبره، وتعرف نياته، ولكن ممارسي ما يسمى بالمعارضة العراقية، لم يمنحوا لا للحكم ولا لمن سمى بالمحتل، هذه الفرصة لكي نعرف الخيط الابيض من الاسود، ان ما يمارس اليوم هو نتيجة لتخطيط مسبق، في حرب صدام ضد تحرير الشعب من ظلمه، فالاسلحة كان قد تم تهريبها وخزنت مسبقا في اماكن متفق عليها، والادوار وزعت مسبقا ايضا، والضرب بدون رحمة مسألة كان الاتفاق قد تم بشأنها، وتدمير المؤسسات وحل الجيش والاجهزة الامنية كان موقفا مسبقا (وان قرار بريمر بهذا الشأن كان الاقرار بأمر هو واقع)، ان النظام كان يدرك انه لن يتمكن من حشد الشعب للدفاع عنه، فلذا عمل من اجل تحقيق مقولته السابقة بأنه لن يسلم العراق الا ارض جرداء، والعراق اليوم وغذا ليس عراق جرذ العروبة بل هو ويجب ان يكون عراق العراقيين، يبنى لاجلهم ومن اجلهم، يجب ان يزول الوهم بعودة العراق مزرعة لشخص او لعائلة واحدة، ولاجل ذلك يجب ان يدرك كل المخدوعين بشعارات الاسلمة والعروبة، ان العراق الديمقراطي التعددي، هو الذي سينبثق وهو الذي سيبقى، وان الديمقراطية والحرية ليست الفوضى ابدا، بل ان للديمقراطية انياب يجب ان تستعمل، لان حياة العراقيين هي المهددة، وعمليات الارهاب تطال هذه الحياة، وعليه يجب ان يتم القضاء على الارهاب في المهد، والمهد هو ايقاف عمليات التحريض المستمرة، بأسم الديمقراطية، فالديمقراطية لا تبيح مدح القتلة من ساديي صدام، والديمقراطية، لا تبيح اسكات الكل ليس نتيجة للنقاش الحر، بل خوفا من القتل والخطف وانتهاك كرامة الانسان، الديمقراطية هي عملية ادارة الحكم اساسها الحرية، التي تعني حريتي تنتهي عند حدود حريتك، والجاري الان هو منح الارهابين ومن يساندونهم من كل المنابر، انفسهم حرية ابادة العراقيين وتحويلهم الى عبيد لغرائزهم المريضة، من خلال العنف والعنف العاري فقط.

ان هؤلاء القتلة ان تمكنوا لا سمح الله في السيطرة على مقدرات البلد، فأن الضحيا لن يكون فقط، المسيحيين والصابئة والازيدية، بل سيشمل الشيعة بأسم الرافضة، وسيتم تكفير كل من يقف في طريقهم، وان عدم الاستقرار الذي سيخلقونه في العراق، سيطال البلدان المجاورة، فالعراق وامكانياته المادية، ليس افغانستان، فمن سيستلم العراق لن يكون بحاجة الى زرع الخشاش لانتاج الافيون، فالثروة موجود وهنالك الف من يريد ان يشتري، فهل تتعض البلدان التي تشجع الارهاب والارهابيين؟ ان ادراك هؤلاء الارهابيين انهم اقلية واقلية جدا من الشعب، لا بل من الطائفة التي يحاولن فرض نفسهم المتكلمين بأسمها، هو
الدافع لجعلهم يلجأون للقوة في فرض مطالبهم، ولكن لو تحقق لهم ذلك فهذا يعني استمرار الحروب في الشرق الاوسط لمدى لا يعلمه الا الله، فأتقوه في ما تقولن وما تفعلون.

تيري بطرس