ثمة مخلوق صغير لا شكل محدد له، لم يعرف يوما كم يبلغ حجمه و لا كيف يبدو شكله و لا اختبر يوما مشاعره الأعمق و أحاسيسه أو تعرف إلى رائحته، ينتابه أحيانا شعور غامض بماهيته بأناه الفردية الخاصة المعبرة عن رغباته و تصوراته لكن سرعان ما يتلاشى هذا الشعور الغامض تلاشي الدخان أما م مخلوق آخر ضخم صلب حجري قوي.
تدور السنين و مئات السنين و ألاف السنين, تتناسل أجيال بعد أجيال في هذا الشرق و هذا الكائن الصغير ما يزال صغيرا ضعيفا عاجزا عن أي إبداع أو مبادرة فردية لأن الإبداع يحتاج إلى إدراك الذات يحتاج للاستكشاف و لا يمكن لاستكشاف أن يتم بعتمة الخوف من الكائن الحجري الضخم.
قبل أن يصبح الطغيان طغيان فئة على فئات أو ديانة على أديان أو عائلة على قبيلة هناك طغيان أعمق داخل كل انسان طغيان الكائن الحجري الضخم أو الأنا العليا بالمفهوم النفسي على الأنا الفردية التي تعبر عن الإحساس الشخصي و الحدس و الرغبات الخاصة.
الأنا العليا هي هذا الجدار الهائل الضخم من العيوب و المقدسات و المحرمات , هي الآخرين الذين كانوا منذ ألاف السنين و هي الألوف الموجودة الآن، هم بمفاهيمهم المتوارثة حول المفسدات و العيوب و في مركز الأنا العليا يقيم رب قاهر متسلط مستبد ينزل بالفرد أقصى العقوبات على أتفه الأخطاء و الهفوات و لا يقبل من الإنسان أن يقوم بأي عمل إلا بالطريقة التي يحددها له فحتى تنظيف الأسنان في رمضان لا يمكن أن يتم بإحساس و إدراك شخصي إنما لا بد من استشارته و فعل ذلك بتوجيهه فقط حتى يمكن القيام به دون شعور بالذنب ، حيث لا مكان هنا أبدا للأنا الفردية, للإدراك العقلي, للوجدان الشخصي, للضمير الذاتي أن يفكر قليلا بهذه المسألة التافهة و يقررها بل إن مثل ذلك يقود الفرد للشعور بالذنب الفادح و الخطيئة العظيمة.
و إلى جانب هذا الرب هناك كم هائل من المحرمات و العيوب التي تحاصر الطفل منذ سنوات طفولته المبكرة و قبل أن يدرك الطفل طفولته أو يدرك معنى شيء من تصرفاته حتى تثقله بمشاعر التأثيم و الشعور باقتراف الخطيئة دون أن يفهم لما هي خطيئة، حتى ابسط تصرف يرتكبه كلمس عضو معين في جسده يستحق عليه التأنيب و الاتهام بالقذارة و الرذيلة و القبح و تحت طائلة الحرمان العاطفي و التهديد بفقدان الأمان الذي تمثله العلاقة الجيدة مع الكبار في أسرته.
و بجهود متواصلة ما بين عالم المحرمات الهائل و العيوب و ربطها بالمقدسات تُسحق الأنا الفردية تماما يوما بعد يوم و يصبح كل ما يأتي منها مرتبط بالخطيئة و يصبح الإنسان مجرد كائن عضوي عاجز عن تحقيق إبداعه الشخصي أو اكتشاف نفسه و الإحساس بها, لا يجرؤ على النظر من خلال عينيه, لا يجرؤ على إدراك نفسه و يفقد ملكة الحدس العميقة بل لا يجرؤ على التفكير بشكل عقلاني حر لأن هذا المنطق يخالف الأنا العليا ذاك الكائن الحجري العملاق الذي يدفن كل يوم ملايين من أطفال الشرق تحت حجارته و يدفع ثقافات و شعوب بأكملها للذهاب معصوبة العينين باتجاه الوأد و الانتحار الجماعيين.
- آخر تحديث :
التعليقات