جراح العراقيين كثيرة ودمائهم قد نزفت بغزارة ايام النظام السابق وبعد سقوطه استمر هذا النزيف في مناطق ومدن عديدة من العراق حيث ساهمت التركة الثقيلة من الجرائم والتجاوزات والسياسات والمعالجات الخاطئة لها وقرارات العفو العامة والشاملة التي أصدرها النظام السابق في مراحل زمنية مختلفة والتي أطلقت سراح المئات من المجرمين وأرباب السوابق الذين وجدوا لهم المجال الواسع للحركة ومعاودة الأجرام بعد مجئ قوات الاحتلال التي ساهمت بفعل بعض قراراتها واجراءاتها الخاطئة مثل حل وتسريح الجيش العراقي وأجهزة الأمن والشرطة وقوات الحدود وانتشار ملايين قطع الأسلحة بأنواعها المختلفة إضافة إلى تدخلات بعض دول الجوار ودخول ألمئات أو ربما الآلاف من الذين يرتكبون الأعمال الإرهابية والتفجيرات إلتي طالت معظم طوائف وقوميات الشعب العراقي والتي كان آخرها تفجيرات الكنائس في بغداد والموصل يوم الأحد الماضي هذه الأسباب وغيرها ساهمت في إحداث الانفلات الأمني واختلاط الكثير من الأوراق في الساحة العراقية أدّت إلى تورط الكثير من المواطنين في إعمال العنف والمواجهات المسلحة التي انتشرت في أكثر من مدينة عراقية بما ساهم في زيادة معانات ومشاكل العراقيين الذين يعانون أصلا من مشاكل مزمنة.

قرار العفو الذي صدر يوم السبت 7 آب (أغسطس) يمكن ان يكون وصفة علاج ناجحة سوف تساهم فعلا في تضميد جراح العراقيين إذا ماتم استغلالها من قبل المتورطين وهو رسالة تتضمن احتضان العراقيين الذين ارتكبوا جرائم ولم يقبض عليهم أو لم تتخذ بحقهم الإجراءات القانونية في جرائم (حيازة السلاح الحربي أو أجزائه أو عتاده أو القيام بتصنيعه أو توزيعه أو المتاجرة به خلافاً للقانون و حيازة المواد الحارقة أو المتفجرات أو المفرقعات أو الأدوات التي تستخدم في صنع هذه المواد أو التعامل بها وعدم إخبار الجهات المختصة أو عدم الإدلاء بالمعلومات عن أي شخص أو مجموعة تخطط أو تمول أو تنفذ الأعمال الإرهابية والعنف والاشتراك مع العناصر الإرهابية بقصد ارتكاب جرائم تمس أمن الدولة الداخلي أو امن وممتلكات المواطنين وإيواء الأشخاص المطلوبين للعدالة من إتباع النظام السابق أو منفذي الأعمال الإرهابية والعنف أو التستر عليهم) وأوجب على المشمولين بأحكامه إخبار وزارة الداخلية أو احد الأجهزة الأمنية أو اقرب مركز للشرطة عن ألأسلحة والمواد المنصوص عليها وتسليم ما بحوزته منها أو الإدلاء عن ألاماكن الموجودة فيها والأفعال المنصوص عليها ومرتكبيها والدلالة عليه.

كما أوجب على المشمول بهذا الأمر تقديم تعهد بعدم القيام بأي فعل من شأنه أن يمهد أو يؤدي إلى ارتكاب الجرائم المنصوص عليها أعلاه كما نص على انه ( إذا عاد المشمول بأحكام هذا الأمر إلى ارتكاب أحدى الجرائم المنصوص عليها تتخذ الإجراءات القانونية بحقه ويعتبر العود ظرفاً مشددا) وحسنا فعل القرار عندما جعل إحكامه لاتشمل من ترتب على ارتكابه لأحدى الجرائم التي شملها العفو جرائم أخرى مثل القتل أو الاختطاف والاغتصاب أو سلب أو تخريب أو إحراق أو تفجير أو أتلاف الأموال العامة أو الخاصة نظرا لفظاعة هذه الجرائم وتعلقها بحقوق الناس الخاصة والتي لا يجوز لأي كان ان يعفو أو يصفح عن مرتكبيها إلا صاحب الحق نفسه أو ورثته و المدعين بالحق الشخصي، وجعل إحكامه تسري فقط على الجرائم المرتكبة من قبل ألعراقيين للفترة من 1/5/2003 ولغاية صدوره وبالتالي فان من جاء من خارج الحدود لا يشملهم العفو وهم يستحقون أقصى العقوبات لأنه على ما يفرضه الدين وقواعد الإخوة وحسن الجوار من وجوب مساعدة العراقيين على تجاوز الظروف الصعبة التي هم فيها فإنهم قاموا بقتل أهلنا وتدمير بلدنا من خلال العمليات الإرهابية والتفجيرات التي لم تكن معروفة أو من ضمن سلوكيات وتعامل العراقيين مع بعضهم اومع غيرهم،وان مدة سريان العفو 30 يوما ً من تاريخ صدوره ولرئيس الوزراء تمديد هذه المدة بعد موافقة مجلس الرئاسة.

وأخيرا فان ما جاء في الأسباب الموجبـــة لإصداره من ( بغية فسح المجال إمام المغرر بهم ممن تورطوا في أعمال العنف والإرهاب في العودة إلى طريق الصواب ومنحهم فرصة المشاركة في العملية السياسية وفي بناء العراق الديمقراطي، وللتأكيد على تطبيق اشد الإجراءات القانونية بحق من لاينتهز فرصة العفو هذه، وانسجاماً مع التزامات العراق الدولية، فقد شرع هذا الأمر) ما يجعلنا نتفاءل بان كثيرين ممن يمكن لهم تجاوز المرحلة السابقة والبدء بالمسيرة من جديد في خدمة العراق الذي يستحق كل التضحية ومساهمة الجميع في تضميد جراح أبناءه والتي يمكن ان يكون قرار العفو هذا أحدى الخطوات أو الوصفات الناجحة للشفاء.

محام وكاتب عراقي مقيم في الدنمارك

[email protected]