نعم يا دكتور أنت أول العابثين بمستقبل العراق. واسمح لي أن أكلمك بهذا المنطق الذي أخترته أنت لنفسك. بل كتبت بأقسى من هذا، عندما تصف أهلك العراقيين. ولاأدري لماذ تصر على احاديّتك بالخطاب؟، ونظرتك لأحداث العراق بعين واحدة. وبنفس متطرف أكثر بكثير من تطرف مقتدى الصدر. بل كلماتك تكون أكثر إيلاماً من طلقات جيش مقتدى. مستفزة ، متشنجة، مؤلمة، متطرفة، وأحياناً متهورة. معذرة سيدي الدكتور فأنت من سمح لنا بالأنسياق الى هذا مثل الأنحدار الرهيب. علاوة على أن الخطر الذي يداهم بلدي، يسمح لي أن أخاطبك بهذا الأسلوب. واعراضك عن الحكمة والعقل المطلوبين في مثل هذه الظروف، يدفعنا أن نرد بالمثل دفاعاً عن كرامتنا. بسبب بسيط جداً، هو لايوجد عراقي يمتلك الحق المطلق للتكلم باسم العراقيين، بل يجب أن يحدد خطابه بالمساحة التي تتفق معه . ولو استمر قلمك يجرّح بتأريخنا، ورموزنا، وديننا وجهادنا، الذي لم تقدم منه معشاره، سنطور هجومنا باللغة التي تناسب ردك، فإن صعّدت نصعّد، وإن احترمت نحترم، مادام اسلوبكم يفتقد للأعتبارات ويسقط الحدود الموضوعية للحوار. لذلك يكون الرد، تحصيناً لشبيبتنا في الداخل، والتي لم تسطع أن تنالها بهذا الأسلوب، ولن تستطيع.
ولاأدري أيها الدكتور الجرّاح ما سبب تفضيلك بالكتابة، لمبضعك الجراحي الذي يسيل دماً، بدلاً للمداد الذي يسطر الحب والتآخي والنقد الموضوعي، الذي يطور من لغة الحوار، فيكشف لنا الحريص على الوطن، من الحريص على معتقده الذي يريد فرضه بتسقيط الآخر.
سيدي الدكتور لاأدري، وأنت الضليع بالسياسة كما تدعي كيف عرفت (( أن جيش المهدي وزعيمه مقتدى الصدر هما صناعة إيرانية لتدمير العراق)) وقد وقفت ايران بوجه والد مقتدى أيام مقاومته للزنيم حتى اغتاله غيلة، ودمرت سمعته، واستباحت بمرتزقتها علمه، وأنت كنت تتمتع بحياتك في عاصمة الضباب. نعم أطلقت ايران عليه صفة العمالة لصدام وهي كانت في شهر عسلها معه.
مذهل خطابك يا سيدي الجرّاح في تسويق التهم، لكنك تعجز من اثباتها، أو صبغها ببريق الحوار المفيد. فهل يجوز لك أن تصف من تحترمه أنت بالأنتهازي، وبالشيطان الأخرس، وأنت الضليع بالسياسة كما تدعي فتقول ((ولكن المؤسف هو أن هناك موقفاً انتهازياً للعديد من السياسيين والمثقفين الشيعة الذين نكن لهم الاحترام وهم في موقع المسؤولية في العراق اتخذوا موقف الشيطان الأخرس)) فكيف تصف من تكن لهم الأحترام، بالأنتهازي، وبالشيطان الأخرس، فإن كنت مقتنعا بهذا الأزدواج بالوصف، فأنت إذاً الشيطان الناطق. لأنه لايمكن في الخلق والعرف السياسي هذا، فينبغي أن لايحترم الأنتهازي والشيطان، بل يجب أن يكشف ويعزل ويرمى في مزابل التأريخ الوطني. فالعرف السياسي يستوجب من هو في موقع المسؤولية أن يكون حواره هادئ مؤدب، لايستعدي من يريد دماره في الأعلام، فيعطي لهم التبرير بالهجوم. كما فعل الشعلان، فأشعل الجو في العراق وحول من أعداء الصدر مدافعين عنه. والنقيب الذي لم يتورع من أن يظهر بوجه طائفي قبيح، فيؤجج نار الفتنة بدل أن يهدأ الجو لاستدراج الخارجين عن القانون، القانون المفقود أصلاً ، لاسيما وأن الأمريكان، لايزالون رابضين على صدر العراق.
سبحان الله أراك منزعجاً من هذا الشيطان الأخرس بمغازلة حبيبك الأمريكي المتحضر صاحب التكنلوجيا. فبالأمس كنت تدافع عن الدكتورالجلبي وهو الذي دافع عن ايران والخط الصدري في رابعة النهار، والشمس مشرقة ومن على فضائية ايران العالم، أكثر من هذا الذي تسميه الأنتهازي والشيطان الأخرس الذي يدافع عنها بالسر. وإذا كان يدافع بالسر، ما أدراك وأنت قابع في عاصمة الضباب، فالسر الذي لاتريد البوح فيه، هو لأن الجلبي علماني وهذا الأنتهازي اسلامي .فالأسلامي في عرفك وإن كان معتدل فهو يفرخ الأرهاب، ألم يكن هذا رأيك بالأمس، وارهاب كلمتك يا دكتور، أخطر من ارهاب ابن لادن الأمريكي. وهذا الذي يلحق الضرر بالوطن.
وأنت تقول يا دكتور ((فمن نافلة القول أن حكومة أي بلد هي المسؤولة عن حفظ الأمن وليس من حق أية فئة الخروج على القانون.)) عن أي قانون تتكلم حتى يخرج عليه الصدر وجماعته المظلومة؟. وهل المحكمة الجزائية الكبرى التي شكلها بريمر بمحامي مثل زهير المالكي تعتبره قانون؟ مراهق صنع في أمريكا ليصدر مذكرات اعتقال على كل من يخالف الأجندة الأمريكية للغزو. وهل القانون واستباب الأمن بتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها، في وقت ينعقون صبح مساء ببناء الديمقراطية؟ وهل تم بناء الدولة فعلاً وخرج الأمريكان من العراق ، وحصل العراقيون على استقلالهم التام بصناديق الأقتراع، ليسلم العراقيون سلاحهم؟ وهل يجوزأن يسحب السلاح من مقتدى، وقتلة والده يعيشون بأمن الأمريكان؟، يسرحون ويمرحون. وهل القانون ، أن تحمى الفلوجة بتشكيل لواءها من جيش الأحمق صدام الجمهوري من عتات مجرميه، وبلباسهم الزيتوني؟. ويقتحمون النجف الأشرف تاج المدن الأسلامية بعد مكة والمدينة، بنفس مجرمي الحرس الجمهوري الأنكشاري الهمجي، الذين من أصدقاءهم من يحمي الفلوجة. و بشرط أن لايكونوا من الشيعة أو المتعاطفين معهم. بأي منطق تتكلمون يا سيادة الدكتور؟
تكتبون وتفلسفون الأمور كما ترونها، لاكما يجب أن تكون، ووفق مصلحة الوطن. وتذمون وتتهكمون على النظم الشمولية. ألم يكن ما تدعون اليه نمط من أنماط النظم الشمولية عندما تقول ((وهذا يعني يجب مواصلة سحق الإرهاب بلا رحمة حتى إخماد أنفاسه.))
حتى لاأطيل لأرد على كل مغالطاتك المتعمدة، فدعني احصرها لك بمفردتين مهمتين كنت قد أتعبت نفسك من أجل إطلاقها في ركام الكلمات المفككة الباهتة، أولهما المحصورة أعلاه بين قوسين، والمراد منها وحسب آرائك التي نتابعها، والتي أتيت في مجملها، آراء شذت للأسف عن خط التيار اليساري المعتدل، والذي نحترمه جداً. بل وأنا أعتقد وأردد اعتقادي هذا مرات ، ان فضله علينا كبير في تسييس هذا الشعب، وتوعيته على رفض الرجعية والتردي السياسي المتخلف. والنضال لتعرية الأستعمار، قديمه وحديثه ــ وإن تخلل هذا النضال أخطاء ــ، هذا التيار الذي يمثله القاضي والأستاذ زهير كاظم عبود والكثير من المثقفين اليساريين. فبعد ( جنجلوتية) متعبة ومرهقة أردت أن تقول (( يجب مواصلة سحق الأسلام بلا رحمة حتى اخماد أنفاسه)) نفس الخطاب الصدامي للأسف. وأقول لك بدون حوار وطني لن يتم لك هذا. مد يدك للسماء أقرب اليك من تحقيق هذا الهدف. ألم تكن أنت من نادى بأن الأسلام المعتدل يفرخ اسلاماً ارهابياً؟، وأعدت اتهام جنرالات الجيش الجزائري عندما ذبحوا ديمقراطية الجزائر، بقولك، أن الأسلاميين إن فازوا بالأنتخاب سوف يتمسكوا بالسلطة. هوهو نفس الخطاب.
أما عقدتك الثانية التي سردتها في نفس الجنجلوتية ((والبلبلة الفكرية السائدة على عقول الكثيرين من العراقيين نتيجة للانهيار الفكري والاخلاقي خلال 34 عاماً من حكم الفاشية)) والصحيح هو أن كل ماجاء في مقالك والمقالات التي سبقته، هو بلبلة فكرية غايتها تشويه المشهد الفكري العراقي. والأسلامي على وجه التحديد، لتفرغوا العراق منه وهذا هو هدفكم القديم الجديد أنتم رواد اليسار المتطرف، الذي سوف لن تنالوه أبداً .
وفي الختام أود تذكيرك بظواهر قريبةً جداً الى مواقف مقتدى الصدر ــ الذي أتعبنا نحن وليس أنتم ــ هذا الموقف الحدث يشبه تماماً ظروف ثورة تموز 58 ، فهي جاءت بنفس الهرج والمرج الذي ساد الشارع العراقي، مع تباين بالنهجين في الـ 58 كان النهج شيوعي تقدمي، والآن اسلامي صدري. كان النهج الشيوعي يمتلك من الخبرة والتجربة السياسية، والحنكة بالتعامل مع الأحداث المستجدة ، أكثر من أضعاف تجربة الصدر الحديثة على الواقع العراقي. عام ثمانية وخمسين كانت ثورة بقيادة عراقيين وطنيين، قوميين وتقدميين، تحول بسببها المجتمع العراق من الكبت والأضطهاد، الى الحرية والأنعتاق. وكانت دولة بكامل مؤسساتها، وقواها الأمنية، وجيشها الوطني الذي قادة الثورة من ضباطه. وببنى تحتية كاملة، والتفاف شعبي منقطع النظير. وتأييد عربي واسع.
وعام 2003 كان احتلالاً أجنبياً من قبل قوة عظمى، كانت قد ربت النظام على نهجها بالمطاردة والتعذيب والتصفية، ودعمته لسحق الشعب وطحنه. دخلت البلد فدمرت ما تبقى من الدولة ، حلت الجيش والداخلية والأعلام. وطنيون وتقدميون جاؤوا من خارج البلد، وتهريج عربي خلط الأوراق فأضاع الحقيقة على هذا الشعب المدمر والمحاصر حصاراً مركباً على مدى ثلاثة عقود. هذا المشهد المتداخل في المصالح والأجندات المتعددة، بعد أكثر من عام فتح الباب خلاله على مصراعية للأنفلات الأمني، وتعدد لمراكز القوى على خلفية هشة، من عدم ثقة قاتلة بين قوى العراق الوطنية.
الفرق كبير بين الفترتين، لكن الحاصل الآن طبيعي كل يخشى على مستقبله قبل مستقبل العراق، وليس الصدر وحده. لكن في عام 58 كان المشهد عراقي مائة بالمائة، والتوجه العام للشعب يساري تقدمي .هنا أذكرك بما فعلت المقاومة الشعبية. هل تتذكر كم من الساقطين والمهرجين والشقاوات غير الملتزمين، والمنظمين من الشيوعيين غير المنظبطين، دمروا البلد بممارسات هوجاء. شكلوا المحاكم والدولة موجودة. وأية دولة؟، دولة وطنية عراقي تقدمية. الأغتيالاات عمت العراق، والسحل تعدى على الأشراف. انتهكت الحرمات والأعراض. حصلت مجازر شاب لها الرضيع، علما أنه كان هناك حزباً شيوعياً عتيداً بكامل تنظيمه وقياداته التأريخية ، إلا أنه لم يستطع السيطرة على الموقف المتفجر. مما أدى الى تفكك الوحدة الوطنية، وتشرذمها، ما سمح للتدخل الخارجي في شؤون العراق . ماذا كانت النهاية انهيار للتيار التقدمي بعد أن كان مداً مرعباً للغرب، أنتهاء للجمهورية الفتية التي كانت أمل المحرومين والمستضعفين وكادحي الشعب وفلاحيه المنهكين. وعودة الى ما هو أقسى من الحكم الملكي ليتحول هذا الشعب العظيم الى قطيع بشر من الدرجة الثالثة ليحكمه أراذل أبنائه إن كانوا حقاً من أبنائه. جرنا الى الأنسحاق الذي جعل من التقدمي يستعين بالأمريكي الأمبريالي الرأسمالي الظالم. الذي حاربناه أكثر من سبعين عاماً.
لذلك يا دكتور أقول: رحمة بالمساكين من أبناء وطنك المسلمين المؤمنين، وقليلاً من الأعتدال بالطرح. ولا تستفزونا باستمراركم على اجترار الماضي الأليم. فلم ينفعنا إلا بعضنا لو تحاورنا وتفاهمنا، ولابد من ترويض هذه التيارات بدل الأتخاذ منها ذرائع لضرب التيار الأسلامي، الذي لايمكن لأحد من ازاحته من الواقع إلا بالعمل الجاد المبدع في الميدان. وقتها لايصح إلا الصحيح المقدم لأهله العطاء في الواقع وليس على واجهات الصحف، فلقد قلنا كثيراً ودعونا أن نعمل معاً ولو لمرة واحدة في حياتنا لكي تتعلم الأجيال القادمة لغة الحوار والألفة والمحبة، واترك الجميع كما يقول المثل العراق ( فكلمن بعقله راضي ).