كتب السيد مصطفى عباس في صفحة كتابات وبتاريخ 22 آب 2004 مقالة تحت عنوان ( قناة المنار وكُتاب إيلاف ) مهاجما كتاب إيلاف ذوي الإقلام الحرة والجريئة واصفا إياهم بأعداء العروبة والإسلام حيث يقول :
(.... وللأسف الشديد فإن هؤلاء يستغلون حرية التعبير الممنوحة لهم في إيلاف لتوحيهها وجهة واحدة فقط.... فالمسلمين هم القتلة......والمسلمين هم المعتدين على أسرائيل....والمسلمين هم قاطبة يعيشون الإسلام على طريقة بن لادن..) ثم يضيف قائلا (... ثم يذوبون بشكل مخجل بالثقافة الغربية... ).

لا ياسيد مصطفى عباس، لا ليس ذلك صحيحا إطلاقا، أحدا لم يكتب إن الأسلام هم قتلة، ولم يكتب أحدا إن المسلمين هم المعتدين على إسرائيل، اللهم إلا إذا كان ذلك قد ورد لك بإيحاء من تفكيرك الضيق جدا الذي لا يرى من الدنيا سوى الدين الواحد والطائفة والواحدة، وحب الذات.
إنني أتابع وبكل فخر صفحة إيلاف، وأطالع مقالات كتابها من مختلف القوميات والديانات والثقافات من مشرقنا العزيز. فلم أقرأ شيئا في صفحة إيلاف مايسيء الى الإسلام والدين الإسلامي، ولا الى العروبة والقومية العربية، فياليتك ذكرت لنا مقالة واحدة تؤيد أقوالك. أما إذا كنت تعتبر التنديد بالأعمال الإرهابية التي يقترفها المتعصبون الإسلاميون هو إساءة للإسلام، فإنك فعلا مخطئ، وإنك لست مسلما حقيقيا ومؤمنا بكتاب الله المنزل، بل إنك شبيه الزرقاوي وبن لادن وأبو سياف وعصابة جيش المهدي... الذين يقترفون جرائمهم بإسم الإسلام والغيرة الإسلامية. إنك لا تختلف عنهم إطلاقا، بل هناك الكثير من أمثالك والذين يؤيدون تلك الجرائم ويقنعون أنفسهم بعدالتها... ولولا وجود الكثير من أمثالك في مشرقنا ودولنا لما إستطاع الزرقاوي ولا مقتدى الصدر وجيشه الزعران الذي سماه بإسم ( المهدي ) والمهدي بريء منه ومن صدره، أن يرتكب كل تلك الجرائم في حق شعبنا وديننا ووطننا، لكنكم للأسف توفرون لهؤلاء القتلة المأوى والملجأ والمأكل وتسترون عليهم حتى لا تطالهم يد العدالة... ياللمأساة ياسيد مصطفى، ياللمأساة لما وصلت إليه أمة كانت يوما منارة للعالم أجمع بمدارسها وجامعاتها وعلمائها وثقافتها!!!

لكني ياسيد مصطفى، متيقنن تماما بأنك لن تجد أية مقالة في إيلاف تسيء الى الإسلام ولا الى الدين الإسلامي الحنيف، ولا إلى القومية العربية والعرب. فإذا كان هناك إنتقاد للتطرف القومي العربي الذي يمارسه البعض وخاصة المتحزبون القوميون، فهذا لا يعني إنه يحارب العروبة ويسيء إليها. وإن كانت هناك دعوات لعزل الدين عن السياسة، وحصره في أماكن العبادة، فهذا لا يعني بأن الكاتب يسيء الى الدين الأسلامي، بل هي خدمة جليلة للدين الإسلامي والإسلام، وإذا إنتقد الكاتب تصرفات رجال الدين المسيئة للوطن والمواطن، وما يقترفونه أتباعهم من آثام وقتل بحق المواطنين الغير مسلمين، فهذا لا يعني إطلاقا بأن الكاتب يقصد الإسائة الى الدين الإسلامي. وإذا تم إنتقاد الطائش مقتدى الصدر وعصابته التي نعتها بجيش المهدي فلا يعني إنها إساءة للدين الإسلامي والطائفة الشيعية، وإن وصف مصعب الزرقاوي بالمجرم والقاتل لا يعني إنها إساءة للإسلام. فلا الطائش مقتدى الصدر، ولا المجرم القاتل الزرقاوي يمثلان الإسلام وتعاليمه السماوية النبيلة، هؤلاء هم العملاء الفعليين لأمريكا وإسرائيل وليس المواطنيين المسيحيين الذين لا حول لهم ولا قوة، بل يعانون الأمرين في آن واحد، الإحتلال الأمريكي في العراق، وعمليات المضايقة من المسلميين المتاجرين بالدين الأسلامي، وإختصار وبالعربي الفصيح من ( المسلمين الصهاينة ).

أخي مصطفى عباس، يبدو لي من خلال مطالعتي لمقالتك، بأن الذي أثار حفيظتك وحرك فيك مكامن التعصب والعنصرية التي نشأت عليها منذ صغرك هو وجود بعض الكتاب الوطنيين والمخلصين لوطنهم وأمتهم والذين يدافعون عن ثقافتهم ولغتهم ودينهم وعاداتهم ودور عبادتهم وحقوقهم وهويتهم....التي مسخها وهضمها المتطرفون العروبويون والإسلامويون بإسم العروبة والإسلام، وأخص بالتحديد مقالة الكاتب السوري سليمان يوسف التي نشرتها إيلاف يوم 20 آب 2004 وكانت بعنوان (شرق إسلامي، من دون يهود ومسيحيين ). فكما يبدو إنك تخشى الصراحة والجرأة مثل خفافيش الليل الذي يخشون ضوء النهار.. فأي أسائة إكتشفتها في مقالته تهين الإسلام والعروبة؟؟؟ وأي إساءة تراها عندما يكتب كاتب سرياني مطالبا أبناء وطنه العرب المسلمون بالمساواة ضمن الوطن الواحد؟؟؟ إي إسائة تراها تمس الإسلام والعروبة عندما يطالب الأشوريون السريان بحقوقهم القومية في سورية والعراق ولبنان التي هي في الأصل بلدانهم لآلاف السنين قبل الإسلام والعروبة. تقول عن هؤلائ الكتاب: ( فإذا كان هؤلاء الكتاب يمثلون شريحة من الكتاب العرب... والأقباط والأشوريون.. فهم بالتأكيد لا يمثلون الشريحة الأكبر من مجتمعاتنا.. ) الى أن تقول عنهم وبدون أي إحترام لحرية الرأي تقول : (.. فهؤلاء الكتاب وجدوا ضالتهم في أيلاف.. فهم يحلمون باليوم الذي ترتفع اصواتهم عاليا.. لالشئ فقط حتى ينقضوا على كل ما له علاقة بالمسلمين.. فمنهم من يدعوا الاتراك للاعتذار عن مذبحة الارمن.. ولانسمع له صوت بخصوص مجازر الحروب الصليبية الرهبية بحق العالم ) هنا ياسيد مصطفى، إسمح لي أن أقول لك بكل أدب وإحترام، بأنك في كلامك هذا تسيء الى الإسلام والعروبة في أن واحد، بل إنك قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وتجاوزت كل الأصول الأدبية والأخلاقية والدينية في الإنتقاد، فأقوالك هذه هي شهادة براءة لما يكتبونه هؤلاء الكتاب عن معاناتهم من الإسلامويين والعروبويين، ومن التعصب الديني والقومي والذي أنت واحد منهم دون شك.
هنا دعني أقول لك بكل صراحة، إنك وأمثالك من المتطرفون العروبويون والمتعصبون الإسلامويون، كنتم السبب الرئيسي في تخلف شعوبنا وتأخرها عن ركب الحضارة، وإنكم سبب كل المآسي التي تحل بأوطاننا وبشعوبنا قاطبة وليس هؤلاء الكتاب. فلا يكفي لكم إنكم حجزتم ديننا الإسلامي الحنيف وطوعتموه في خدمة أعداء الأمة والشعب معا. فماذا تريدون من مسيحيي بلداننا الذين هم أخلص المخلصين وأصدق الأمناء لمصالح أوطاننا المشرقية. آلا يكفيهم إننا أخذنا أراضيهم وإحتلينا أوطانهم وقضينا على ثقافتهم وحولنا كنائسهم وأديرتهم الى مساجد وجوامع، وحرمناهم لغتهم وثقافتهم، والتي كانت الأساس في إرتقاء الأمة الأسلامية في العصور الأموية والعباسية الى قمة الحضارة آنذك، بينما كانت أوربا المسيحية غارقة في ظلام الجهل والتخلف والأكثر من ذلك منعناهم من أسمهم القومي وأطلقنا عليهم تسمية ( العرب المسيحيين ).... وللأسف فلا زلنا نلاحقهم ( مسيحيوا مشرقنا ) ونطاردهم من بيوتهم ومزارعهم وحوانيتهم، ومن قراهم ومدنهم لا لشيء إنما لانهم ( مسيحيين )، بل وبدون أية خجل نطلق عليهم تسمية ( الكفار ).
تقول : (... ومنهم من يريد ان يؤرخ ويحتفل في نفس الوقت لمناسبة يوم الاعتداء على الاشوريين في العراق؟ لكننا لانقرأ له مقال منصف في اسبانيا بحق المسلمين..؟ )


سيد مصطفى آلا تقول لي أية جريمة يقترفها الأشوريون السريان بحق العرب والمسلون عندما يحيون ذكرى شهدائهم الذين قضي عليهم بأيدي بعض الحاقدون من العرب والكرد المسلمون في العراق؟؟؟؟ فبدلا من أن تقف معهم ياسيد مصطفى، وتواسيهم في مهنتهم أنت وأمثالك من المتعصوبون المسلمون، بدلا من ذلك يقوموا المتطرفون المسلمون بوضع السيارات المفخخة أمام دور عبادتهم وكنائسهم في بغدان والموصل ويفجرونها ليقتلوا الأبرياء... ولا تجرؤ على إنتقادهم، بل تؤيدهم ضمنيا وعلنيا، أنت وغيرك، بل وتؤمن لهم الملجأ والمأكل والمشرب، وتخفيهم عن أعين رجال الأمن وقبضة العدالة، وتنتقدهم شفهيا فحسب، وإلا أين هم هؤلاء المارقون الخونة الذين يسيئون الى ديننا الحنيف ويشوهون صورة عروبتنا في الصميم ليطلق على كل عربي وكل مسلم إسم لا يليق به إطلاقا وهو( الإرهاب )!! وفوق كل هذا وذلك فلا يحق للكتاب السريان أن يعبروا عن معاناتهم، ولا أن يطالبوا بمساواتهم بالحقوق مع مواطنيهم العرب المسلمون، فأي عدالة قراقوش تؤمن بها ياسيد مصطفى؟؟؟
ثم لا تنسى ياسيد مصطفى عباس، إن المذبحة التي إقترفها الجيش العراقي في الثلاثينات من القرن الماضي بحق الأشوريين في قراهم كانت بأمر من المحتلين الأنكليز ( المسيحين )، حيث لم يصطفوا مع إخوتهم في الدين بل إصطفوا مع مصالحهم التي هي فوق كل إعتبار. كان بمقدور الإنكليز ( المسيحيين ) على الأقل أن يوقفوا المذبحة من الوقوع بحق الأشوريين المسيحيين، ولكن لم يفعلوا ذلك، وبدلا من ذلك ساهمو في عملية الإبادة عندما إعتقلوا زعيمهم الديني ونفوه خارج العراق لتفتيت صف الأشوريين وزرع الفوضى في صفوفهم ليتسنى للجيش العراقي الذي كان بإمرة الإنكليز فعليا، والقبائل البدوية العربية والكردية المتعطشة لحب الإنتقام، القيام بعملية الإبادة ضد أبناء وطنهم الأشوريين المسيحيين بإسم ( الجهاد في سبيل الله، وقتل الكفار ).

فإذا كنا نحن في سوريا ولبنان نعتبر يوم السادس من أيار من كل عام عيد الشهداء هو عيد وطني وقومي رسمي تتعطل فيه كل دوائر الدولة تكريما لشهداء الوطن الذين أعدمهم جمال باشا السفاح العثماني في كل من ساحة دمشق وساحة وبيروت بآن واحد. فإذا كان لنا الحق أن نحتفل بذكرى شهدائنا، فلماذا لايحق للسريان الأشوريين ذلك؟؟؟ أليسوأ هم مواطنون أصلاء في البلد؟؟ أليس لهم حقوق مثلي ومثلك ومثل الأخرين في الحياة الحرة الكريمة؟؟ وبالتالي أليس هم بشر مثلي ومثلك لهم إحساس ومشاعر ربما أرق من إحساسك ومشاعرك، ومن ثم يبدوا لي بأنك لم تقرأ التاريخ إطلاقا، فسوريا في الأصل هي بلاد السريان منذ بداية الوجود البشري على هذه البقعة الجميلة، وآثارهم تجدها في كل شبر من تراب سوريا والعراق، بل وإسم سوريا الحالي ما هو إلا إشتقاق من إسم السريان الآشوريين، ولم تعرف سورية العرب والإسلام إلا بعد القرن السابع الميلادي...
فكل هذا لا يكفي لنا بل نزيد ونضيف عليه بأنه لا يحق لكتابهم ( المسيحيين ) ان يكتبوا عن حقوقهم ولا أن يحتفلوا بذكرى شهدائهم ولا أن يقيموا مراسيمهم الدينية بكنائسهم بكل حرية، وإلا فهم عملاء لامريكا والغرب. فقط نحن المسلمون لنا وحدنا الحق في ممارسة حقوقنا أينما كنا، ليس في أوطاننا فحسب، وإنما في دول الغرب أيضا، وهذه مساجد وجوامع ومراكز تعاليم دينية إسلامية في كل مدن كندا لها كامل الحرية في ممارسة الشعائر الدينية دون أي إعتراض لا من رجال الدين المسيحيين ولا من قبل الدولة. المساواة قائمة تماما بين كل الأديان في كندا، ألا ترى إن هذا الشيء مفقود في بلدك ياسيد مصطفى؟؟
أما عن موضوع قناة المنار فإنني أقولها صراحة ياسيد مصطفى أقولها، إن كان هناك أي عميل يخدم سياسة الصهاينة والأمريكان في المنطقة فهي قناة المنار التي تدافع عنها في مقالتك تلك، أما دفاعك عن هذه القناة لا يؤكد سوى شيء واحد أقولها وبكل أسف، هو بأنك واحد من المسلمين الصهاينة.

وليد الشامي ــــ كاتب سوري مقيم في كندا
[email protected]