لم أجد ما أصف به أتباع السيد مقتدى الصدر في العراق أحسن من التغيير في عجز بيت الشعر العربي القديم الذي يقول : لنا الصدر بين العالمين أو القبر.
لكن أتباع مقتدى الصدر وهم يخرجون إلى الشوارع في النجف ومدينة الصدر في بغداد ليعرضوا أجسادهم للذبح الرخيص، ينطبق عليهم القول الذي أخترنا ه عنوانا لهذه المقالة : لنا مقتدى الصدر دون العالمين أو القبر.
بصراحة : لم يستطع أحد من المحللين السياسيين والدينيين والاجتماعيين، أن يفسر لنا ظاهرة أتباع مقتدى الصدر، الذين يخرجون بالعشرات حاملين أسلحتهم المتواضعة والبدائية جدا ليقاتلوا آلة أمريكية متطورة سبق و أن انتصرت على جيش نظامهم المنهار : ذلك الجيش الذي كان يذبح العراقيين في مجازر جماعية ويمثل أقوى قوة في الشرق الأوسط ورابع قوة في العالم.
والغريب أن هؤلاء الصدريين الغلابة صادقين في قتالهم، لكنه يبدو عليهم أنهم لايعرفون سببا ولا يملكون هدفا لقتالهم!
كما أنهم يقدمون العشرات من القتلى في كل معركة دون أن يقتلوا جنديا أمريكيا واحدا. مما يزيد من حيرة واستغراب المراقب للأحداث، حيث يخيل لمن يشاهد أخبار الفضائيات ويحصي أعداد القتلى: أن أهم أهداف الصدريين أن يموتوا دون أي اعتبار لتلك الدماء التي تهدر لغير سبب أو هدف.
وكنا نظن أن أتباع الصدر سوف يكونون أول من يتعاون مع الأمريكان والحكومة العراقية الجديدة في سبيل تحقيق استقرار أمني وحرية يسعد فيها الصدريون قبل غيرهم، كونهم أكثر من عانى من قمع النظام الدكتاتوري السابق. إلا أن الصدريين قد فاجأوا كل مراقب للأحداث وكأن الحالة القمعية القديمة التي عاملهم بها النظام السابق قد أصابت الصدريين بنوع من " الماسوشية المرضية " التي تجعل المريض يتلذذ في تعذيب الآخر له أكثر من نزعه نحو التحرر من أسباب الألم. مثلما يأمل في الطرف الآخر بعض أهل الفلوجة إلى العودة إلى نفس النظام القمعي الذي كانوا يتلذذون في استعباده لهم.
إن رفض أهل الفلوجة وأتباع مقتدى الصدر لعراق جديد يبنى على أسس ديموقراطية سلمية تنجو بالشعب العراقي من مأساته التي تسبب فيها النظام القمعي السابق، إلى مستقبل أكثر أمانا واستقرارا، هو ظاهرة بعينها،تحتاج من كل المهتمين بالقضايا الإنسانية أن يقدموا البحوث والدراسات التي تشخص الحالة وتعطي الحلول الناجعة لها. لأنها ظاهرة خطيرة تبين مدى الضرر الخطير والمؤلم الذي لحق بالنفس الإنسانية جراء الظلم والقهر والاستعباد الذي تسببه الأنظمة الدكتاتورية القمعية، التي تسحق كرامة الإنسان وتغير فطرته وتحوله من إنسان إلى شبه إنسان متوحش يتلذذ في قتل الآخر مثلما هو يتلذذ في تعذيب الآخر له.
إن إنسانا يرفض أن يكون حرا في القرن الواحد والعشرين : هو إنسان مريض بفعل الاستبداد الذي يورث النفس الكراهية وحب الانتقام. ولابد من الإسراع في فتح المستشفيات المتخصصة في معالجة هذا النوع من هؤلاء الناس الذين اضطرتهم الظروف القمعية السيئة أن يتدافعوا إلى شوارع الموت مرخصين الروح التي قدسها الله وكأنها لاتنتمي إلى الحياة البشرية التي كرمها الله على جميع المخلوقات.
ولو أن هؤلاء الصدريين المساكين يملكون قيادات واعية وعاقلة، لخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات سلمية متحضرة ليعلنوا عن مطالبهم أو مظالمهم، ولأنخرطوا في العمل السياسي مثل الكثير من فئات الشعب العراقي الواعية والمستنيرة. وكان بمقدورهم أن يحققوا الكثير من الانتصارات عبر التظاهر السلمي بدلا مما قدموه من الكثير من الضحايا البريئة والهزائم المتتالية.
مسكين مقتدى الصدر... أعتقد أن كونه إبنا لأب استشهد من أجل محاربته النظام القمعي يؤهله أن يفرض نفسه قائدا وهو لايملك موهبة القيادة ولا حكمتها، فاختلطت الأمور في ذهنه حتى أراد أن يكون " حسن نصر الله " في العراق، دون أن يدرك الفوارق بين الظروف والأماكن والأزمنة.
ومن سوء حظ مقتدى الصدر أن الذين يحيطون به أقرب إلى العامة من أن يكونوا أصحاب فكر أو حنكة سياسية، فأظلوه وورطوه وأساءوا إلى تاريخ أسرته المميز في رفض الظلم ومحاربة الطغاة.
من وجهة نظري : أن ماقام به مقتدى الصدر وأتباعه يعتبر " أغبى " حركة نضالية في التاريخ. لأنها لم تكن نضالا حقيقيا يستحق الاحترام، بقدر ماكانت حركة تدميرية لقيام نظام حر سوف يكون الصدريون أكثر المستفيدين منه.
لكنه الغباء السياسي.... عندما يكون شعار القادمين من زمن القهر غير فرحين بعصر الحرية!!
التعليقات