الحكومة كالعادة تقلل من أي خلاف سياسي ، بل وتفسره بطريقة تجعل الحق الى جانبها من دون الآخرين، وتحاول ان تقنع الرأي العام أنها وحدها تلتزم الصراط المستقيم أما غيرها فهو المخالف المفارق للجماعة .
تقول: أنها اعتقلت أشخاص دون الإشارة لأسمائهم ( نكرات ) لأنهم سطوا على المنابر دون وجه حق أو ترخيص من وزارة الأوقاف وارهبوا وأرعبوا المؤمنين وشتموا ... الخ .
ما الذي يمنع هؤلاء الخطباء من الحصول على ترخيص وزارة الأوقاف تسمح لهم بالخطابة؟ مع العلم أنهم اكثر كفاءة من بعض الخطباء المرخصين المستعدين لإدخال إبليس الجنة مقابل 15. دينارا .
الخلاف ، كما نعلم ليس إجرائي أو تنظيمي أو مسالة ترخيص من عدمه . أنما هو في مضمون خطب الجمعة . ولو ان مضمون الخطبة يوافق هوى الحكومة ما سالت صاحبها أيحمل ترخيصا أم لا يحمل .
أصبحت خُطب الجمعة محورا للخلاف بين الحكومة الأردنية والتيارات الإسلامية، لان الحكومة تُريد خُطبا علمانية وعظية تفصل الدين عن السياسة، وتقتصر علي البديهيات العامة التي لا تضر ولا تنفع. والتيارات الإسلامية تريد خُطبا تحقق رؤيتهم لدور الدين في المجتمع الاسلامي، وتحقق الدور القيادي الذين يطمحون له.أما المسلم فهو يريد خُطبا تلامس همومه الاجتماعية والنفسية وهي هموم مثقلة بالهم السياسي الوطني والقومي.
وإذا استعرضنا تاريخ الخُطبة منذ عهد الإسلام الأول، نجدها قد مرت في مراحل متباينة ومختلفة المضمون، فعندما كان الحاكم هو رجل الدين كانت خُطبة الجمعة تمثل الوسيلة الإعلامية الوحيدة لإعلان البرامج والبيانات السياسية للنظام الجديد من خلال المنبر وخاصة خُطب الجمعة حيث تُتلي البيانات السياسية وتعلن المواقف، وبهذا المعني كانت خُطب الرسول عليه السلام وخلفائه الأربعة، فكان الخليفة يُعلن عن برامجه السياسية وخططه وطموحاته، ولما تطور المجتمع الاسلامي باتجاه فئة تحكم وأخري تعارض منذ العهد الأموي أصبحت الخُطب وسيلة لكل منهما وظل الحال كذلك فكان الدعاء للخليفة يمثل التأييد وإعلان الولاء والطاعة والخروج علي الخليفة يبدأ من المسجد.
وهكذا لم تكن الخطب دروسا في الدين وانما وسائل اعلام سياسية في قضايا دنيوية، وظل هذا هو الحال حتي استحدثت وسائل الإعلام الجديدة من صحافة وإذاعات وتلفاز تملك ناصيتها الحكومات، فلم تعد الحكومات بحاجة الي خُطب الجمعة لشرح السياسات وإعلان المواقف.
ان امتلاك الحكومات وسيـــطرتها علي وسائل الإعلام لم يترك لفئات المعارضة وخاصة الإسلامية منها الا خُطب الجامعة كمدخل لطرح البرامج السياسية، وان مجتمعنا العربي المثقل بالقمع يصعب عليه الرضا بخطب تقليدية حيث انه يمل الوعظ والإعادة والتكرار لمفاهيم ولكن هذا يتطلب ان نغير من فهمنا لخُطبة الجمعة من درس ديني تعليمي وعظي الي برامج وطنية وقومية. والخطبة ليست اختصاصا دينيا يمارسُه مهنيون محترفون لقاء اجر كميكانيكي السيارات. وانما هي قضايا يطرحها احد المسلمين ممن لديه جديد من قادة المسلمين يقوله للناس في أمر يهمهم. فمن غير المنطقي في رأينا تعيين خطباء مأجورين من قبل وزارة الأوقـــــاف كما يُعين معلم الصبيان. الخطيب رجل يخطب في الناس أي يعلن أمرا جديدا وليــس قارئا لنصوص. أو أجيرا يعلم الناس أمور دينهم. فتعليم الدين له أوقاته وحالاته. أما الخطبة فقضية مختلفة.
البعض يعارض مثل هذا التوجه من منطلق الحفاظ علي وحدة المسلمين والابتعاد عن الفرقة والخلاف وبالتالي إبقاء الخُطبة في إطار نقاط الاتفاق. ومن المؤكد أننا كنا نطبق الديمقراطية في المسجد قبل قرون. ولا تكون خُطبة الجمعة مصدر قلق للحكومات أو منبر خلاف بين الناس الا في زمن غياب الديمقراطية.
- آخر تحديث :
التعليقات