لقد كنت قد ناصرت جلالة الملك عبدالله الثاني في مقال لي قبل حوالي اسبوعين في توضيح وجهة نظره التي اطلقها في واشنطن والتي دعى فيها ايران من عدم التدخل في الشان العراقي، وخشية الملك من بناء هلال شيعي في المنطقة. وقد جائني ردود عراقية وايرانية ولبنانية كثيرة غاضبة من الترويج لفكرة الملك تلك، وذلك عبر البريد الالكتروني الخاص بي. ولاني احاول ان اكون دائما منطلقا من مرجعية علمية بحته، وان اكون موضوعيا فيما اطرح بعيدا عن الاثارة والميل مع هذا الطرف او ذاك، وهذا ما يمليه علي ضميري وموقعي العلمي الذي احتل، فقد وجدت لازاما ان اكمل ما بدات به في مقالي السابق والذي كان تحت عنوان " الملك عبدالله والهلال الشيعي ام الهلال الخصيب".

ان تصريحات وزير خارجية الاردن حول ان الشيعة في العراق لا يمثلون اكثرية اثارت لدي تساؤلا جديدا يحتاج الى اجابات، فعندما يتدخل الاردن في الشان الداخلي لبلد عربي جار كالعراق وعلى مستوى وزير الخارجية والناطق باسم الدولة، فان الامر يصبح اكثر من مجرد طرح لروئ ملكية تحاول ان تشير الى مكامن الخوف، فقد تحول الخطاب الملكي الى لغة حكومية لا اعتقد ان عبدالله الثاني كان يرغب بان يتبناها الوزراء في كلا الطرفين العراقي والاردني، وهو ما قد لايكون مقبولا عراقيا من هذا المستوى السياسي. وياخذ العمل السياسي الاردني حينها شكل التدخل الواضح في الشان العراقي الذي كان الاردن دائما حريصا على عدم التدخل بالشان العربي التفصيلي، وعندما شرحنا وجهت نظر الملك كنا ننطلق من ارضية ان الملك الاردني استشعر خطر ما فاشار اليه وانتهى الامر. لذلك بادرنا الى الاجتهاد بالشرح خشية على صورة الاردن بنظر الاشقاء العرب وعلى افكار الملك التي لم نكن نشك ان ورائها اي مغزى الا خير العراق.

لقد كانت الردود الغاضبة التي تلقيناها تشير الى الاتي، ان الفلسطينيون في الاردن يشكلون اكثر من نصف السكان، وان الاردن جنسهم واعطاهم مواقع مهمة في الدولة الاردنية بل وتزوج الملك منهم، واصبحوا هم الوجهة الحقيقيي للاردن. ولم ياتي عراقي ويطالب بحقوق الاردنيين ازاء هذا التدفق الفلسطيني المبرمج الى الاردن، فلم يقل احد ان الاردن يعمل على استيراد فلسطينيين من الخارج لحل المشكلة الاسرائيلية الفلسطينية، كما فعلت ايران من ارسال واحد مليون شيعي ايراني الى الاراض العراقية حسب الرواية الاردنية، فلماذا تنزعجون من التواجد الشيعي من ايران ايران ولا تنزعجون من الوجود الفلسطيني في الاردن.

اما احدهم وكان من شيعة لبنان على مايبدو، فقال انهم في لبنان وعلى مدى خمسون عاما رفضوا تجنيس الفلسطينيون في بلادهم خوفا من ضياع حقوقهم بالعودة الى فلسطين، ولكن بلدكم يقصد الاردن جنس 3 مليون فلسطيني وحرمهم من حق العودة الى فلسطين وخدم فيهم اسرائيل، لان توطينهم بالاردن اراح اسرائيل من مشكلة حقهم بالعودة والتعويض.

الحقيقة ان اراء القراء قد فتحت عيني على حقائق جديدة في مسالة الشان الاردني والتي اعرفها اصلا ولكن من زاوية اخرى، وهي ان من بيته زجاج فعليه ان لا يضرب بيوت الاخرين بالحجارة، وان رفض الاردن لفوز الاكثرية الشيعية في العراق في الانتخابات هو شان عراقي يجسده العراقيين في بلادهم وليس لنا في الاردن التدخل في شؤونهم.

لو ان احدا في العراق او سوريا او ايران طالب بحق الاغلبية الفلسطينية في الاردن بان تحتل كل شئ في الاردن تبعا لحجمها، لثارت ثائرتنا في الاردن، اذ كيف للعراقيين او السوريين ان يتدخلو في تفاصيل نسيجنا السكاني، من هذا الباب فالعودة الى الفضيلة مكسب، وعلينا في الاردن ان لا نحمل تصريحات الملك الحريص على الاخوة في العراق سنة وشيعة كحرصة على الاردن فلسطينيين واردنيين، وان لا نخلق ازمة لا طائل للاردن من ورائها غير وجع الراس.

وها هو اول الغيث قطرة، فوزير الخارجية الايراني اعلن اليوم رفض بلادة المشاركة في الاجتماع الوزاري لدول الطوق العراقي احتجاجا على اتهامات الاردن لايران في العراق.

ومحبتي لكل الاخوة القراء في العراق الحبيب شيعة وسنة عجم وعرب وفي فلسطين ولبنان، والعودة الى الحق فضيلة

د. منور غياض ال ربعات

محلل سياسي اردني

استاذ في الاعلام الدولي