المسيحيون خصوصا والأقليات الدينية الأخرى في الشرق الأوسط هم اول واكثر فئة اجتماعية وسياسية نادت وتنادي بالديمقراطية والحرية والمساواة في الشرق الأوسط. وفي العراق إنقسموا في تعاملهم مع هذه الرغبة في اتجاهات رئيسية ثلاث.

الأولى اتخذث الموقف التقليدي للكنيسة والمسيحيين في الشرق الأسلامي عموما وهو القبول بالحاكم بإعتباره ارادة الهية والتي في حقيقتها هي معرفتهم من انهم قد يتعرضون للإبادة ان هم اعترضوا او اعلنوا العصيان على حكامهم. حيث اكتفوا بالعيش في مجتمع دون التدخل في سياسة البلد ومهادنة الحكام رغم ظلم الكثيرين منهم.

الإتجاه الثاني اعلن عن خيبة امله ويأسه في تغيير الأوضاع نحو الأفضل في معظم،ان لم نقل كل، بلدان الشرق الأوسط بعد ان شاهدوا ولمسوا تزايد الفكر الأصولي وتحولها الى ظاهرة عامة ادخلت المجتمع في دوامة من العنف والإرهاب التي لا تجد نهاية لها. وقد جاء ذلك بعد معاناتها من اتباع الفكر القومي الشوفيني الذين حكموا البلدان العربية بالحديد والنار وعملوا على محو الهويات القومية لهذه الأقليات وتعريبها.فهجر هؤلاء بلدهم وتوجهوا نحو الغرب الديمقراطي للعيش فيه.

اما الإتجاه الثالث فقد اختار ان يبقى في بلاده وان يعمل على تغييرها في الإتجاه الذي يوفر كرامته ويستطيع الحصول على حقوقه السياسية والدينية والقومية. ومن أجل ذلك شكلوا احزابا قومية وإنظموا الى احزاب علمانية وديمقراطية وحملوا السلاح ضد السلطة في المنطقة الشمالية من العراق وعملوا الكثير في المهجر من اجل اسقاط الدكتاتورية في العراق. وقد دفعوا من اجل ذلك المئات من شبابهم المقاتل وهدمت المئات من قراهم الموجودة في شمال العراق.

وقد استبشروا خيرا بعد سقوط النظام البائد وآملوا ان تكون نهايته بداية مرحلة انتظروها طويلا من الحرية والديمقراطية والمساواة والرخاء.وقد عاد البعض منهم وهنالك من هيأ نفسسه للعودة في حالة تحسن الأوضاع في العراق. وقد انتظروا بفارغ الصبر الثلاثين من هذا الشهر ليمارسوا حقهم اختيار من يمثلهم مثل الأغلبية الساحقة للشعب العراقي.

واليوم وقفوا فرحين امام مراكز الإقتراع في المنطقة التي لا زالوا يتواجدون فيها بكثافة (سهل نينوى- شمال شرقي الموصل)كي يتحرروا من قيود التبعية وليشعروا بأنهم قد امسكوا بزمام امورهم ولهم كلمة في مستقبل بلادهم واولادهم. لكن انتظارهم قد طال وقد شعروا بان الوقت يحاصرهم واحسوا بانهم في جزيرة منسية ولا احدا ياخذهم بعين الإعتبار. فبدءوا يستنجدون باخوانهم العراقيين في الداخل ومن ابناء جلدتهم في الخارج لكن ابواب الإقتراع لم تفتح لهم رغم الإستغاثة والسبب عدم وصول صناديق الإقتراع. ولكن اين هي هذه الصناديق التي تواجدت في كل مكان ما عدا مناطق الكلدوآشوريين السريان واليزيديين الذين هم من القوى الدافعة للديمقراطية في العراق؟!

وبالرغم من ان صناديق الأقتراع قد وصلت ليلا الى بعض القرى ليصوتوا هناك غدا من السابعة الى العاشرة صباحا!! فهناك الكثير من الأسئلة التي يجب مطالبة المفوظية العليا للإنتخابات الإجابة عليها منها كما قلنا من السبب في عدم وصول الصناديق والمراقبين ولماذا لم يعالج الأمر فورا حيث علمت المفوضية بذلك منذ الصباح من الشخصيات الكلدوآشورية الموجودة في بغداد؟

لكن مهما كانت الإجابات فستبقى مشاعر المرارة والم الإنتظار، الشعور بالغبن المرافق للمسيحيين الكلدوآشوريين لآلاف السنين، احساسهم بوجود مؤامرة لعزلهم عن لعب دورهم في العراق الجديد، الشعور بأنهم ليسوا مثل بقية العراقيين بل لا زالوا مواطنين من الدرجة الثانية ام تشككهم من ان تكون محاولة جديدة لحملهم على ترك اراضيهم وهجرة بلدهم ومشاعر سلبية اخرى قد تتغلب وتطغي على مشاعر الفرح والبهجة التي حملتها رياح التغيير المرتقب في العراق.

الشئ الإيجابي الوحيد هو ان الكلدان ألاشوريين السريان ابدوا رغبة كبيرة في الإشتراك في تقرير مصيرهم واستطاعوا لأول مرة ان يطلقوا العنان لمشاعرهم وعواطفهم فخرجوا في مظاهرة عفوية في شوارع بخديدا(قرقوش) احتجاجا على ما جرى شارك فيها حوالي الألف شخص. آمل ان يكون ذلك مؤشرا على كسر حاجز الخوف والحذر الذي شاب علاقتهم مع جيرانهم من عرب وكرد وقبولهم بقرارات الدولة رغم اجحافها بحقوقهم القومية والسياسية.