في الطريق الى الدستور الجديد 1

مهما كانت نتائج الانتخابات الاخيرة في العراق، فالمطلوب من قوانا السياسية عدم الانعزال والتقوقع، بل الواجب هو ان نشمر عن سواعدنا، ونعمل بجد من اجل الوصول الى صياغة دستور يلبي طموحاتنا وامالنا وما يمكنه ان يدوم وما يجعلنا متساويين في الحقوق والواجبات مع كل العراقيين بدون تمييز.

الدستور هو ابو القوانين، فمنه تستمد بقية القوانين شرعيتها، ومنه تستمد كل السلطات شرعيتها ايضا، وعليه يجب ان نكون مشاركين فعالين في النقاش حوله، فما يصاغ اليوم سيبقى لمدة طويلة مصدر كل تشريع، والدساتير لا تتبدل كل يوم، وان جرت بعض التبديلات احيانا في سنوات متباعدة.

في مخيلتي تصور ما للدستور العراقي، واعني انه تصور عام، وليست بالضرورة صياغات قانونية، ولكنها صياغات فكرية وعناوين عامة. فنرجوا ان ندخل في نقاش حوله لان الدستور لا يميز بين هذا الحزب او ذاك، وكذالك ان غبار معركنا الدونكيشوتية قد انجلا او في طريقه الى الوضوح.

مجلس الشيوخ (مجلس القوميات) ضرورة وطنية

يتألف الشعب العراقي من قوميات واديان مختلفة، بعض مكوناته كبيرة العدد وبعضها قليلة العدد، والتي عددها قليل تعرضت في فترات تاريخيية الى اضطهاد ممنهج، وعلى اسس دينية في الغالب، مما جعل اعدادها تتناقص، وبالتالي ان كونها قليلة العدد لم يكن بسبب عزوف ابناءها عن الانجاب، ان حقيقة كون الافراد متساوون في الحقوق والواجبات، مسألة محسومة في القانون (فالقانون الوضعي الطبيعي والذي يتفق مع شرعة حقوق الانسان) لا يفرق بين مواطن واخر على اي اساس كان، وحتى في زمن صدام كانت القوانين تنص على هذه المساواة، ولكن في القانون الطبيعي والسائر مع المرحلة المتقدمة في الحضارة الانسانية، فأن الشعوب والقوميات والاديان ايضا تتساوى، فالشعوب والقوميات (برغم ان المصطلحين يمكن استعمالها بنفس المعنى) والاديات لها كيانها الخاص ولا ينتقص من هذه الخصوصية عددها الصغير، ولانها عانت ماضيا الكثير من الويلات، وتسكنها مخاوف حقيقة من زوالها التدريجي، جراء ترسيخ غالبية موارد الدولة لاجل الاكثريات، مما يفقد هذه الشعوب والاديان القدرة على التطور والتعايش، فتلجاء للحفاظ على نفسها اما الى التقوقع والسرية او الى الهجرة الجماعية من موطنها.

ان حال مكونات الشعب العراقي ليست حالة فريدة، فشعوب سويسرا عانت الكثير من الاحتراب، الى ان توصلت الى نظام يصون حقوق جميع القوميات بصورة متساوية، وها هي تعيش سلاما امتد لما يقارب الخمسمائة سنة، واذ لم يكن مستوى العراقيين اليوم بمستوى السويسريون (من الناحية الثقافية والاجتماعية والعلمية) ولكن السنا بمستواهم الفكري حين ارتضوا نظاما يحفظ حقوق الجميع؟.

ان يقول القانون بمساواة الافراد والمجموعات المكونة لشعب ما، فهذا ليس بضمانة انهم سيعاملون كذلك، ولقد ذكرت ان القانون في زمن الطاغية كان ايضا ينص على ذلك ولكن تنفيذ ذلك كان مستحيلا، لذا يجب ان يتم التفكير بوجود ضمانات للحفاظ على القانون من التلاعب ومن عدم التنفيذ، كما يجب التفكير بايجاد اليات او مؤسسات تكفل المساواة بين مكونات الشعب العراقي وليس فقط بين افراده.

ان النص في الدستو على قيام مجلسين للتشريع، احدهما الجمعية العمومية او البرلمان او المجلس الوطني، والاخر يسمى مجلس الشيوخ او مجلس القوميات، يكون متساويا مع المجلس الاول في الموافقته على القوانيين، اي ان اي قانون يصدر في العراق، يجب ان يحظى بالموافقة من قبل المجلسين (الاكثرية) ولكن في حالة اجراء تغييرات دستورية او المطالبةو بذلك،نقترح ان يكون من حق غالبية ممثلي اي قومية، التمتع بحق الفيتو، اي عدم سريان التغييرات، وكذلك في حالة اقرار الميزانية العامة، كما يجب برأي ان يكون ممثلي كل القوميات العراقية متساوون في هذا المجلس، فاذا فرضنا ان للعرب 25 ممثلا، فيجب ان يكون ممثلي بقية القوميات بنفس العدد، ومن هنا ومن تمتع اكثرية ممثلي اي قومية بحق الفيتو على التغييرات الدستورية، تتحقق ضمانة معينة للقوميات ذات الثقل الديمغرافي القليل (الاقلية المعطلة).

اما مجلس النواب فيفضل ان يكون ممثلي اي قومية فيه حسب نسبتها من الشعب العراقي، ان المقترح اعلاه هو للمساعدة في اطفاء الصراعات القومية، ومنح الضمانات للجميع، كما سنجد ان الاحزاب القومية ستتحول تدريجيا الى احزاب ذات توجهات اقتصادية وتهتم بكيفية توزيع الثروة اكثر من رفع الشعارات القومية او الدينية المستفزة لمشاعر الاخرين، مما سيخلق تحالفات على هذه الاسس تحتوي على كل العراقيين.

علما ان تمتع الجميع بحقوقهم لا يعتبر انتقاصا من حقوق اي جهة، ورفض منح الحقوق المتساوية، يعني اديلجة العدالة الانسانية، ومنحها حسب اللون او العرق او اللغة او الدين، ويجب التأكيد ان بقاء البعض غير متمتعين بحقوقهم المتساوية يعني وجود جمرات النار تحت الرماد، وبالتالي امكانية كبيرة لعدم الاستقرار.

اما اهم ضمانة لتنفيذ القانون هو وجود الانسان الواعي، بمعنى الحرية والوسيلة الديمقراطية في تسيير امور الحكم بمختلف مستوياتها، ففي ظل النظام الديمقراطي والحريات الفردية، يتمكن الانسان من ان يعيش بأمان وبالفخر لانتسابه لمجموعته السكانية، وتبنى علاقة عشق بين الفرد والوطن، ان وجود مثل هذا الفرد سيتطلب تربية اجيال، فالنظام العفلقي اظر بالانسان العراقي من خلال الثقافة التي زرعها، وعليه فأن اهم ضمانة للقانون والدستور هي حقا مواطنا متفهما محب للعدالة ومتسامحا، الا اننا نتعامل مع اناس يمكن ان يأخذهم الهوى، ولذا كان القانون هو الحد الفاصل بين مراعاة حقوق الناس والحريات الفردية، بين الفوضى و الاستقرار.

نحن نرمي الى ان يكون عراقنا، اول بلد يضمن حقوق مواطنية بصورة، لا يمكن التراجع عنها، وضمانه حقوق مواطنيه وما يسمى بالاقليات لا تظر الاخرين، الا اذا كان الاخرين من حملة الايديولوجيات الشمولية، والديمقراطية ليست فقط نقيض الدكتاتورية بل نقيضا بنيويا للشمولية.

تيري بطرس