تعقد حاليا في مقر الجامعة العربية بالقاهرة الإجتماعات التحضيرية لمؤتمر القمة العربي العادي المقرر عقده في الجزائر وتعتبر هذه الدورة الثالثة والعشرون بعد المئة ولقد إبتدأت الجلسة بالتلاسن والعتاب واللوم بين ثلاثة أطراف يعول عليهم المجتمع العربي الكثير من الآمال.
وطالما هذه هي نقطة البداية وكما يقول المثل " المكتوب من عنوانه " فهذا هو العنوان ورغم أن لكل طرف من هذه الأطراف مايؤيد وجهة نظره إلا أن ذلك يدل على غياب الإستراتيجيات، فالطرف الفلسطيني يطالب الدول العربية بالتشاور المسبق مع السلطة قبل إعادة سفراء دولتيهما الى إسرائيل وأن هذا القرار يضر بالقضية والطرف الثاني يعتقد أن ذلك يخدم القضية والطرف الثالث يرى أن عودة السفراء يحكمها إتفاقيات السلام.
ورغم أن قرار سحب السفراء كان بسبب سياسات إسرائيل التي أدت الى الإنتفاضة لأن زيادة الضغط تولد الإنفجار وهو قانون في الطبيعة يمكن الإستعانة به لتشبيه مثل تلك الحالة وماترتب عليها من نتائج كارثية.
ولكن في مرحلة مابعد عرفات بدأنا نشم رائحة العرق من الهرولة السريعة نحو إسرائيل لإحداث نوع من العلاقات الدبلوماسية معها فهناك من يوجه دعوة لشارون وهناك من يوجه دعوة الى أحد أركان شارون وهناك أطراف بدأت تروج لمرحلة جديدة لتثبت أن عرفات كان عقبة في وجه السلام وطالما أن الرجل في ذمة الله فالمثل المصري يقول " المرحوم كان غلطان " حتى لايحاسب المعتدي على جرم قد تسبب به وتسجل القضية ضد المرحوم.
ومن هنا ظهرت الدعوة لمؤتمر شرم الشيخ الذي عقد مؤخراً وجمع بين كلاً من حسني مبارك وشارون والملك عبدالله الثاني ومحمود عباس أبومازن وكان هناك شرطاً مسبق من قبل إسرائيل لحضور هذه القمة سواء نجح المؤتمر أم فشل وهذا الشرط هو إعادة السفيرين المصري والأردني الى إسرائيل.
ومن نتائج هذا المؤتمر
تسلم رفات 15 فلسطيني والإفراج عن 530 معتقلاً فلسطينياً وتسليم خمس مناطق وليس خمس مدن الى الفلسطينيين وإعادة المبعدين بين الضفة وغزة ولم شملهم بعائلاتهم ويشمل أيضاً بعض المبعدين الى خارج الأراضي المحتلة أثناء الإنتفاضة. والتأكيد على مواصلة السلطة للإصلاحات المالية والإدراية والسياسية وتم الإعلان عن وقف متبادل لإطلاق النار من أجل إنهاء الإنتفاضة وإستئناف المفاوضات بين الطرفين وتكوين لجنة مشتركة لإعادة تقويم الأسس التي سوف تقوم عليها المفاوضات بين الطرفين.
وتسارعت الأحداث وكان هناك مؤتمر لندن لدعم السلطة الفلسطينية
ومن نتائج مؤتمر لندن
تعهدات مالية من الدول المانحة بمبلغ 2.1 مليار دولار للسلطة الفلسطينية وإصدار إدانة جديدة للإرهاب والمقصود به المنظمات الفلسطينية التي تعارض خارطة الطريق أو أي خطط تضعها إسرائيل وأمريكا واللجنة الرباعية والإتحاد الأوروبي لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية، العمل على التعاون الإقتصادي والمدني بين الفلسطينيين وإسرائيل ودعم الإصلاح الفلسطيني وإنهاء العزلة العربية لإسرائيل وتفكيك المنظمات الفلسطينية وتوفير الأمن لإسرائيل قبل تحسين أوضاع الفلسطينيين المعيشية. ولايعني عدم مشاركة إسرائيل في هذا المؤتمر أنها لم تتدخل في صياغة البيان الختامي والنتائج.
وتحرص إسرائيل حاليا بالعمل الجاد وخصوصاً بعد مؤتمر شرم الشيخ وبمساعدة أمريكية وأوروبية لقيام بداية علاقات إسرائيلية عربية وبداية علاقات تجارية وربما تبادل سفراء وتقوم بنشاط دبلوماسي مكثف لعقد لقاء عربي إسرائيلي في تل أبيب وقيام مبادرة عربية إسرائيلية جديدة مشتركة بعد قيام مصر بجهود ملموسة لممارسة الضغط على الفصائل الفلسطينية بحجة الإتفاق على موقف وطني فلسطيني موحد.
وبعد أن يتحقق كل ذلك ستكون الأجواء العربية مهيأة تماماً لإيجاد تفاهمات جديدة لبداية علاقات عربية إسرائيلية وإعطاء تنازلات عربية لتشجيع شارون على تنفيذ الإنسحاب من قطاع غزة وهو ماكان يعرف بإتفاق غزة أريحا أولاً كل ذلك قبل البدء في تنفيذ خارطة الطريق ولهذا تم التفاهم في مؤتمر شرم الشيخ على تأجيل بعض القضايا على أن تبحث فيما بعد وهي قضية الجدار والإستيطان والقدس.
ومن يقرأ التاريخ جيداً يتضح له السياسات التي تنتهجها إسرائيل والتي بنيت على أفكار متسلسلة مبنية على إستراتيجية واضحة من مؤتمر مدريد الى أتفاقيات أوسلوا الى كامب ديفيد الى شرم الشيخ وهي الأرض مقابل السلام ثم السلام مقابل الأمن ثم الدولة مقابل التوقف عن الإرهاب ثم السلام مقابل الإستسلام ثم لاسلام ولاأرض ولاأمن حتى ولو تم الرضا بالإستسلام كالمثل القائل " رضينا بالهم والهم مارضي بينا ". وهذا ما أكد عليه شارون مؤخراً حيث قال " يجب أن يكون واضحا أنهم مالم يتخذوا قراراً إستراتيجيا بتفكيك البنية التحتية للإرهاب لن تكون هناك دولة فلسطينية ولاسلام. وهذا هو قانون شارون الجديد " الدولة مقابل تفكيك المنظمات ووقف المقاومة والإستسلام "

مصطفى الغريب – لندن