في الثاني من الشهر الحالي رحل عنا الفنان والملحن العراقي محمد نوشي إثر نوبة قلبية عن عمر يناهز التاسعة والستين عاماً ويعتبر الملحن العراقي الراحل من الملحنين الرواد الذين رفدوا الأغنية العراقية بألحانهم منذ فترة الخمسينيات، حيث تعامل مع أوائل وكبار المطربين والمطربات العراقيات، ولا تزال أغانيه تسكن الذاكرة العراقية بشكلها الجميل، فمن منا يستطيع أن ينسى المطربة العراقية وحيدة خليل وهي تغني سبحان الجمعنا بغير معياد وأغنية هذا منو دق الباب وغيرها من الأغاني البغدادية الدافئة التي تمتاز بحسها الشعبي الذي كان السبب وراء انتشارها داخل البيت العراقي.
عرف عن الملحن الراحل غزارة الإنتاج، وعرف عنه أيضاً ولعه بالشعر العربي الكلاسيكي، حيث لحن للمطربة العراقية مائدة نزهت ما يقارب عن خمسة وعشرين قصيدة لشعراء مثل البحتري وأبو تمام، والمعروف أن الفنانة مائدة نزهت كانت قد غنت له قبل ذلك الكثير من الأغاني مثل أغنية حبي وحبك وإنشودة كل حقل وكل مدينة وكذلك أغنية جرب حظك ياكلبي و حبي وحبك مايتغير و ياحنه ماخليج بجفوف ايديه وغيرها.
بدأ الراحل محمد نوشي بالتلحين منذ بداية الخمسينيات تحت اسم مستعار هو ( محمد البغدادي ) وكان ذلك نتيجة لمعارضة الأهل له في أن يحترف مجال الفن والدخول في عالم الموسيقى، حيث كانت العوائل العراقية المحافظة تستعيب إشتغال أبنائها في هذا المجال. ومنذ ذلك الحين لم ينقطع الفنان الراحل عن إنتاجه الموسيقي حيث غنى له أشهر المطربين والمطربات وأكثر شهرة وحضوراً في الساحة. الغنائية العراقية فغنت له الفنانة لميعة توفيق أغنية شفته وبالعجل حبيته والله وأغنية هذا الحلو قاتلني يا عمة التي ذاع صيتها في أرجاء الوطن العربي حتى غنتها المطربة المصرية أنغام نهاية التسعينيات غنى له كذلك المطرب الكبير سعدي الحلي أغنية ليلة ويوم و أغنية عشق أخضر اللتان ذاع صيتهما بشكل كبير وأصبحتا من الأغاني المميزة للفنان سعدي الحلي بعد أغنية ياهيل والتي يسميها العراقيون ( ما أبدلك والنبي ) والتي كانت من ألحان الملحن الراحل كمال السيد. وللملحن محمد نوشي الكثير من الأغاني التي حضيت بانتشار واسع نذكر منها الأغنية الجميلة التي لا زال العراقيون يتغنون بها، هي أغنية مو بدينه إنودع عيون الحبايب التي غناها المطرب 1فؤاد سالم لأول مرة عام 1975.
أما المطربة عفيفة إسكندر التي كانت النجم اللامع في سماء الأغنية العراقية فترة الخمسينيات والستينيات فقد غنت له أغنية على مهلك و شايف خير وأغنية هزي تمر يا نخلة. وغنى له كذلك المطرب الراحل عبد الصاحب شراد أغنية سفرتكم لا تطولوها وأغنية يا سفانة وهي من كلمات الشاعر كاظم الرويعي والتي أخذت صيتاً واسعاً في الشارع العراقي ولا تزال تسكن ذاكرة العراقيين لجمالها وشعبيتها القريبة من الروح العراقية عدة وظائف نذكر منها، مشرفاً 1935، شغل الفنان الراحل محمد نوشي المولد عام على برنامج المقام العراقي فترة الثمانينيات، وكذلك عضو لجنة فحص الأغاني في الإذاعة والتلفزيون العراقية، و عضو اللجنة الإستشارية بدائرة الفنون الموسيقية التابعة لوزارة الإعلام لم يكن الفنان محمد نوشي بعيداً عن الساحة الغنائية العربية، بل كان مواكباً لكل تطوراتها، حيث قال في آخر لقاء صحفي معه، وفي إجابة لسؤال عن حالة الأغنية العراقية والعربية اليوم قال محمد نوشي أغنية اليوم بلا هوية وعديمة الإرتباط بغناء الرواد السابقين.. حيث تلوثت بالغناء الأجنبي بعد تأثيرات الأغاني التركية والهندية واليونانية. وبخصوص الأغنية العراقية فقد حدثت هوة كبيرة بين ماضيها وحاضرها وأصبحت كالشجرة التي ليس لها جذور قدم الملحن محمد نوشي العديد من الأصوات الجميلة والرائعة إلى ساحة الغناء العراقية، حيث قدم المطرب فاضل عواد لأول مرة في برنامج القوات المسلحة، من خلال أوبريت سلطان الجزيرة وكذلك قدم المطربة أمل خضير والمطرب منير حسني في أغنية ورد الخميلة، ثم بعد ذلك قدم المطرب عبد الأمير محمد في أغنية تمرين مرة غرب عُرِفَ عن الفنان نوشي تخصصه المتميز في تلحين الموشحات والتراتيل الدينية، وأرشيف الإذاعة والتلفزيون العراقي يحتفظ بالكثير منها – كان ذلك قبل أن يتعرض الأرشيف إلى السرقة والتخريب – وكانت المطربة مائدة نزهت أكثر من غنى له تلك الموشحات من خلال البرنامج التلفزيوني صور عربية. سيبقى الفنان الراحل والملحن الكبير محمد نوشي خالداً في الذاكرة العراقية، فأعماله الغنائية الجميلة والتي سكنت الذاكرة العراقية لأكثر نصف قرن لا يمكن أن تُنس.




التعليقات