بيروت (رويترز) - تقدم الفنانة التشكيلية والكاتبة الكويتية ثريا البقصمي في مجموعتها القصصية الجديدة "إمرأة مكهربة" أعمالا منسوجة بخيوط من مجالين فنيين.. الأدبي والتشكيلي " فترسم" قصصا تركز فيها على الظلم والادعاء الذكوريين في عالمنا العربي. وتوجه الكاتبة الفنانة "ريشة" حادة جارحة بها تكتب وترسم وتبدو كمن يحارب .. الى الفساد والظلم والادعاء وانعدام الشعور الوطني.. والى ما يشبه التفاخر بما يدخل في مجال عُقد النقص. وان كان تقسيم الفنون الادبية كما يقول البعض هو تقسيم نظري لطرق التعبير عن المشاعر والافكار الانسانية وان هذه الفنون تترافد وتتكامل ويبقى الواحد منها موجودا في عمق الآخر على رغم اختلاف التسمية فنتاج البقصمي انما هو تذكير جديد بنصيب هذا القول الكبير من الصحة.

فالبقصمي تكتب بعين شديدة الالتقاط.. ترسم التفاصيل الصغيرة بمهارة وحركة فيشعر القارىء بلذة وإعجاب بهذه التفاصيل ليجد نفسه بعد قليل وقد شاهد بعينيه حينا وعيني عقله حيناً آخر الصورة الكبيرة التي جرى استخدام هذه التفاصيل لتكوينها. اما ما يشكل أساسا فكريا لهذه القصص فهو موضوع الظلم الذي يرتكبه الرجال في "عالم الرجال" العربي في حق المرأة بشكل عام وحق الضعفاء عامة ذكورا وإناثا وفي حق الاوطان التي يكثرون من الغناء لها.

وهناك شق آخر لهذا الظلم وهو الادعاء الفارغ والطيش.. إدعاء السيطرة "الرجولية" والتمتع بفكرة ان الناس تصدقها.. وأحيانا إدعاء الوطنية انسجاما مع متطلبات هذه الرجولة لنكتشف ان القناع الذي أصبح "تقليدا اجتماعيا" في الحالين لا يخفي الحقائق اذ تطل رؤوس الاستغلال والادعاء والضعف المتغطرس واضحة للعين البصيرة.. وعين الفنان هي بين احد العيون بصرا. وقد نضطر احيانا الى التمعن قليلا فيما وراء التفاصيل لنرى الصورة الكاملة أو الفكرة الاساسية المخباة فيزيد ذلك في لذة الكشف الفني. هذا الاختباء أحيانا يذكرنا بقول الاديب الراحل سعيد تقي الدين ان علينا أخذ عبرة من واقع هو ان أهم ما في البناية أساسها.. المحجوب عن العين. بين القصص الثماني في المجموعة الصادرة عن دار "الفارابي" البيروتية في مئة صفحة وصفحتين من القطع الصغير قد تكون القصة الاولى واسمها "زيتون أخضر" أفضل مثل عن ذلك. انها تقول الكثير الكثير عن الاوطان والاستغلال والرجولة التي لاتعكسها دائما ضخامة جسد وعبوس وجه. كتبتها البقصمي بسخرية فنان ومرارته. المكان هو متجر عربي في لندن.

عامل المتجر "جلس القرفصاء متلفعا بمريوله الابيض يرص المعلبات على الرف المعدني ويدندن بلحن اغنية شعبية. جلسته كانت مريحة بالنسبة له لكنها تسببت في مضايقة زبائن "السوبر ماركت " الذين كانوا يتحاشون ركله كلما مروا من خلفه .. فمؤخرته السمينة كانت تحتل جزءا من الممر الضيق المكتظ بالبضائع.. صاحب السوبر ماركت تميزه جثته الضخمة ووجهه العابس في العقد الخامس من عمره له تقاطيع جبلية وعينان متوحشتان.. أصابعه الغليظة تدق بعنف على أزرار الآلة الحاسبة يتسلم النقود من الزبون راسما ابتسامة مزيفة" وهو غاضب من "صبيه" الذي يضيع الوقت ولا يقوم بقطع لحم الخراف "لحم حلال ذبح اسلامي."

الا ان العامل يرفض ذلك خوفا وقرفا فيثور المعلم قائلا له "انت ولد دلوع يا حسام. الرجل لا يخاف الدم والساطور.. عليك ان تحاول وان تعتاد الأمر لو انك لم تهرب من الجندية وتلجأ لهذا البلد كان الجماعة عندنا ربوك تربية "شوارب" بعدها كنت تقطع لحم البني آدم وانت تضحك."

وهنا يرتفع صوت قائلا "زيتون شبرد بوش أرخص من زيتونكم.." أما المتكلم فهو "شاب انثوي الملامح شاحب اللون." رفع حسام رأسه "ليطل على الوجه البنوتي" وخاطب الشاب بنبرة غضب تجاهلها الأخير. أبلغه الشاب ان اسمه ثامر وانه من ام انجليزية واب عربي "لم يورثني أي شيء سوى اسمه" وانه قد لجأ اليه شاب تونسي مثقف ومهووس بالكتب يبحث عن فرصة عمل فساعده "والمشكلة ان دخلي متواضع لا أستطيع ان أعيله لمدة طويلة.." ويستطيع ان يعيش على الزيتون الذي يحبه "وخيل الي ان زيتونكم عربي ربما كان هذا سببا في غلائه." رفع حسام صوته سائلا معلمه عن الزيتون فرد عليه غاضبا "أخ منك ومن الاعيبك يا حسام وهل الزيتون فيه جنسيات. الزيتون اسرائيلي والخروف الذي ينتظرك استرالي." تختم البقصمي القصة بالقول "ثامر الأشقرلم يلمح نبرة الغضب الممزوجة بالسخرية في صوت المعلم. لكن كلمة اسرائيلي لم ترق له خاطب نفسه بصوت هادىء وهو يغادر المكان" قائلا عن صديقه التونسي "الرجل مثقف قومي عربي حتما لن تعجبه جنسية الزيتون. يجب ان يعتاد حياته الجديدة.. يجب ان يتعلم بلع زيتون شبرد بوش."

قصة "المناكف" تتحدث عن الذين يغطون ضعفهم بادعاء القوة وعن الظلم الذي لحق بامرأة تزوجت بسبب الفقر رجلا عجوزا حول حياتها الى جحيم دون ذنب اقترفته لكنه عندما قالت له انها ستتزوج رجلا آخر انهار وتوسل اليها ألا تتركه ولما تأكد من بقائها وامتلاكها عاد الى الغطرسة والاستبداد. في سائر القصص ترسم البقصمي "مشاهد" قصصية مؤثرة عن نساء مظلومات وشخصيات مهمة ومسؤولين فاسدين يتعالون على الآخرين ويستغلون النساء لكنهم أمام من هم أرفع شأنا منهم يتعلمون التأدب الى حد صعلكة الذات وما يشبه الركوع أمام القوي. تقول الكاتبة الفنانة كل ذلك في لوحات حية تروي.

انقر على ما يهمك:
عالم الأدب
الفن السابع
المسرح
شعر
قص

ملف قصيدة النثر
مكتبة إيلاف