سلة البصل المعلّقة في المطبخ

كان المنغولي يتشحّب وهو يمشي تماما خلف نعش رجل كان مثل أبيه متكئاً على كتف جارهم - جارهم الذي يحب قدح الزيت مع البصل جارهم الذي توقف عن الدخان والعرق كما نصحه الطبيب.
اضطرت الجنازة أن تنحني لتدخل من باب الكنيسة القصير
-الباب الذي وطّأه الرهبان رهبةً من أن تجوس الفناء المقدّس الحوافر المهرطقة لخيول الانكشاريين...
كان المجذوب الرجل الضئيل القصير يشهق دون صوت وبدا ذلك بطيئا بطيئاً كأنما مشهد سينمائي بالتصوير البطئ...
بدا فمه المفتوح على كتف جارهم -عابر السبيل -
بدا كأنه مهرج من المرحلة التكعيبية خرج من لوحته ولم يستطع العودة إليها...
كان ندبه الأخرس مرعبا أيها السادة
كان يدرك ضآلة المعزّين وأن عليه أن يبكي بلا صوت تقريباً
كان يتذكر سلة البصل المعلقة في المطبخ ويبكي
كان يدرك ضآلة موت أبيه في الأجراس
كان يدرك قلة شأنهم في القداديس
و أنّ أبديتهم لن تكون بأفضل من حياتهم التي فضح الربُّ سرّ أسرارها أمام عيني عابر سبيل
............
............
دخلت الجنازة وأنا انحنيتُ خارجاً من نفس الباب القصير
وقد رأيت المنغولي- وأنا أولي شارداً بقلبي المفتوح من الشفقة- كيف راح يبتلع الكنيسة بفمه المفتوح ( كأنما يزدرد الأبدية كلّها) وما هذه الدموع في عينيه إلا من طعمها المرّ الكريه !

(التقطت بتاريخ 15 اكتوبر2003 في كنيسة المهد- بيت لحم)


قرّاء!

كانوا يجلدون مؤلفاً بعد أن سقط عن حبال السيرك
انزلقت رجله عن جملة وأفلتت من يديه صورة وانكسر خياله فتمزقت يداه...
رأيته يضرعُ للعدم وهم ينتفون لحيته بالحرف وبالفاصلة
كان يجرّونه من أجفانه ويقهقهون
راحوا يقطعون رؤوس أصابعه كأنما يقلمون شجرة أدركها الخريف
ليس في ثنايا جسده جارورٌ إلا ونبشوا فيه
ما كان في بالهم هتكٌ إلا وهتكوه - وهم يحتفلون
ما لمحوا في طريقهم شجرة إلا وقالوا لها: مدّي لنا أجمل أغصانك كي نبول عليه
وما شاهدوا قوس قزح إلا وجدعوه!
يتلبدون بين الحروف كالضباع
يبحثون في النصوص عن ضحايا
ساديون لا يطالهم قانون!



هجاء ذاتي

ليسوا أعماماً: إنهم مخلاة ضبع
ليسوا أخوالاً: إنهم أجفان حدأة
ليسوا أصدقائي: إنهم حراذين!

لستُ أنا من يكتبُ هذه الكلمات:
انه وغدٌ آخر !

كرادلة

سقطَ مجلدٌ من رفوف المكتبة البابوية
و انتشر الكرادلة في المقطوعة التي أحاول كتابتها!
لن تكون بديعةً كما حلمتُ
لن ينبتَ العشبُ على ضفتيها ولن يحالفها الضوءُ!

ألأنَ الكرادلة انتشروا فيها؟
أم لأن المساء قد مات أصدقاؤه؟
أم لأنّ كآبة نفسي تمتدُ الليلة
من النيل إلى الفرات؟

غرفة


كفرتِ النافذة: " أريد ستائر غامقة كستائر الأبرشية "
كفرَ البلاط: " غطّني بسجادة "
كفر الحائط: " لقد وعدتني منذ قرنٍ بسيف مُفضض ولوحةٍ زيتية "
كفر الهواء: " أريد موسيقى جديدة "
كفرت فردتا حذائي:" لن نسير بك بعد اليوم إلى بيت القصيدة "
كفر السيد المسيح:" لن أقاسمكَ الغرفة بعد اليوم...اخرج من قبري!"

عشبة

العشبةُ الإلهية
العشبة الرمز
العشبة التي بدخانها صبَغتْ زمناً بأكمله
العشبة التي عبرتْ بأهلها جحيماً إلى جحيم
العشبة التي تدوّخُ ذاكرة طفلٍ بمشاعر ذنب
العشبة التي تمدُّ جذورها
وتهوي عميقاً في زرقة اللاوعي
العشبة التي نَبَتتْ بجانب حياتي !

لذة

اللذة إناءٌ صغير

::::::::::::

ليت إناء اللذة زير !

:::::::::::::::

ليت زير اللذة لم ينكسر!

::::::::::::::

اللذة إناء صغير
لا قعر له!

كيف الحال؟

) أصعب أسئلة الوجود: "كيف الحال؟"(
- وإذا كان لابد من جوابٍ سريعٍ مريع
فأنا رجلٌ مسن من الحقبة الكولنيالية
أحلامه كلحتْ من مساحيق الغسيل الرخيصة
و أناه المريضة
مرميةٌ في سريرها مصابة بالزكام!

طبخ شرقي

سأمضي إلى عدمٍ مُضِبٍّ
هناك
حيث يطبخ الربُّ أهل الشرق في ماعونه الكبير
سأمضي ولن يجد الوارثون خلفي قرشاً ولا رغيف
تركتُ بضعة أسطر في دفتر العدم الصغير:
:::::::::::::::::::
لا بأس
لا بأس
اعتصموا بحبل اليأس!

أشغال خاسرة

في غرفته ينتحب, لأن شجرة المشمش جرحته
(ولم تعطه مشمشاً) ينتحب لأن الاسطوانات تنتحب
لأن تلفونه لا يرنّ وينتحب لأنه رنّ أكثَر مما ينبغي
ينتحب لأنه أكل جبنة صفراء وخبزاً, في الواحدة والنصف ظهراً!
ينتحب لأن الماضي جحشٌ يقفُ بالباب ولا يمضي
ولأنّ الآتي طائرٌ لا يأتي!

يَسْمعُ صنوجَ جاز الغفلة
فيعتكف على مفردةٍ صلدةٍ.. ثلاثة أيام وهو يفكك ظلَّها الأكثر قسوةً منها !
وأخيراً يفتحُ الشُبّاكَ ويرمي بعزم يده أشغاله الخاسرة!
في الصباح أزهرتْ شجرة من الحديد في حديقته
وبينما كان يطالِعُ جريدةً إنجليزية في أواخر القرن التاسع عشر, قرأ الإعلان التالي:

شجرة الحديد
وحدها لا تحميكَ من الشمس
جسدٌ بلون البرونز جوارب من الماء
بامكانك أن تنام في فيئها اللاهب
وبامكانك أيضاً أن لا تستيقظ!

فقط عليك أن تسقيها قليلاً من دموع الضجر
وأغاني الأفلام!

[email protected]