Taking the Veil
Katherine Mansfield
ترجمة رقية كنعان
بدا من المحال أن يشعر أي أحد بالتعاسة في صباح جميل كهذا، لا أحد، كما قررت ايدنا، عداها هي، النوافذ مشرعة في المنازل، من هناك جاء صوت البيانو، أيدي صغيرة تطارد أخرى وتهرب منها، تتمرن على الموازين. الريح خفقت في الحدائق المشمسة، كلها متألقة بزهور الربيع. الأولاد في الشوارع يصفرون، كلب صغير ينبح، الناس يمرون، يمشون بخفة، بنعومة، كما لو كانوا سيشرعون في الركض. والآن هي رأت في المسافة شمسية صيفية خفيفة، ملونة بألوان الشاطئ، أول مظلة في العام.
ربما حتى ايدنا لم يظهر عليها التعاسة كما شعرت. ليس من السهل أن تبدو مأساويا في الثامنة عشرة عندما تكون جميلا للغاية، والخدان والشفتان والعينان اللامعتان في صحة كاملة. فوق كل ذلك، عندما ترتدي عباءة زرقاء فرنسية وقبعتك الربيعية محفوفة بأزهار الذرة. صحيح، أنها حملت تحت ذراعها كتابا محدودا بجلد اسود رديء، و ربما الكتاب قدم ملاحظة كئيبة، ولكن بالصدفة فقط؛ لقد كان تجليد المكتبة العادي. لان ايدنا جعلت الذهاب إلى المكتبة عذرا للخروج من المنزل للتفكير، لتدرك ماذا حصل، لتقرر بطريقة ما يجب فعله الآن.
شيء كريه حصل فجأة في المسرح الليلة الماضية، عندما كانت تجلس مع جيمي جنبا إلى جنب في حلقة الملابس، بدون تحذير ولو للحظة- في الحقيقة، لقد أنهت إصبع شوكلاته ومررت الصندوق له ثانية– لقد وقعت في الحب مع ممثل. ولكن –وقعت-في-الحب ...
الشعور كان مختلفا عن أي شيء سبق وتخيلته. لم يكن سارا بأقل القليل، كان منعشا جدا . إلا إن كنت تستطيع أن تسمي غاية الإحساس بالتعاسة عديمة الأمل، اليأس، الألم المبرح، البؤس، الرعشة. مجتمعا مع تأكيد أن ذلك الممثل لو قابلها على الرصيف بينما جيمي كان يحضر عربتهما، فستتبعه إلى آخر أطراف الأرض، بإيماءة أو إشارة و بدون تقديم فكرة أخرى لجيمي أو والدها ووالدتها أو بيتها السعيد وأصدقائها الذين بلا عدد..
المسرحية بدأت مرحة نوعا ما. هذا كان في مرحلة قضيب الشوكلاتة. ثم أصيب البطل بالعمى. لحظة فظيعة! ايدنا بكت كثيرا لدرجة أنه كان عليها أن تستعير منديل جيمي الناعم المطوي أيضا. ليس ذلك البكاء ما يهم، صفوف بأكملها كانت في الدموع. حتى الرجال نفخوا أنوفهم بصوت عال مدو وحاولوا أن يتنافسوا على البرنامج بدلا من النظر إلى منصة التمثيل. جيمي بمنتهى الرحمة جاف العينين – لأنه ماذا كان ممكنا أن تفعل بدون منديله؟ ضغط يدها الحرة وهمس:"ابتهجي يا فتاتي الحبيبة!" وعندها أخذت آخر إصبع شوكلاتة لتسره ومررت الصندوق ثانية. ثم كان هناك المشهد الشنيع والبطل وحيد على الخشبة في غرفة قاحلة وقت الشفق، مع فرقة تعزف في الخارج وصوت الابتهاج يأتي من الشارع. لقد حاول-آه! كم هو مؤلم، كم هو مثير للشفقة!- أن يتلمس طريقه إلى النافذة . لقد نجح أخيرا، هناك وقف يمسك بالستارة بينما شعاع من الضوء ، شعاع واحد فقط، أشرق على وجهه المرفوع الفاقد للنظر، والفرقة اختفت بعيدا في المسافة.
كان –حقيقة، كان بلا شك-أوه ، الأكثر- كان ببساطة- في الحقيقة، منذ اللحظة التي عرفت فيه ايدنا أن الحياة لا يمكن أن تظل كما هي. سحبت يدها بعيدا من يد جيمي، انحنت، وأغلقت صندوق الشوكلاته للأبد. هذا أخيرا كان الحب!
ايدنا وجيمي كانا مخطوبين، لقد رفعت شعرها عاليا لسنة ونصف السنة، كانا مخطوبين علانية منذ عام. ولكنهما عرفا أنهما سيتزوجان بعضهما البعض منذ تمشيا في حدائق العقارات النباتية مع ممرضاتهما، وجلسا على العشب مع بسكويت نبيذ و قطعة من السكر واحدة لشاي كل منهما. كان شيئا مقبولا جدا أن ايدنا ارتدت تقليدا ماهرا لخاتم خطوبة طيلة وقت وجودها في المدرسة، وحتى الآن كانا مكرسين لبعضهما البعض.
ولكن الآن كل شيء انتهى، انتهى بشكل كلي لدرجة أن ايدنا وجدت صعوبة في الظن بأن جيمي لم يميز ذلك أيضا. ابتسمت بحكمة، بحزن، وهي تستدير في دير القلب المكرس للعبادة وصعدت الممر الذي قادهم إلى شارع هيل. كم هو أفضل أن يعرف الآن من أي ينتظر حتى ما بعد الزواج!
الآن من الممكن أن جيمي يستطيع تجاوز الأمر. لا لم يكن من فائدة لخداع نفسها، لن يتجاوزه أبدا! حياته تحطمت، دمرت، ذلك كان محتوما. ولكنه كان شابا... والزمن، كما يقول الناس دائما، الزمن قد يحدث فرقا صغيرا ليس إلا. خلال أربعين سنة عندما يكون رجلا مسنا، ربما يتمكن من التفكير في ذلك بهدوء-ربما. ولكن هي،-ماذا يحمل المستقبل لها؟
ايدنا وصلت أعلي الممر، هناك تحت شجرة حديثة الأوراق، مزينة بباقات صغيرة من الزهور البيضاء، جلست على دكة خضراء ونظرت فوق مسكبة زهور الدير. في تلك الأقرب لها تنمو جذوع طرية مع حد من زهر الثالوث الأزرق الشبيه بالقشور، على زاوية كتلة كريمية من أبصال الفريسيا، براعمها الخفيفة اختلطت فوق الأزهار. حمائم الدير كانت تهرول عاليا في الجو، وهي يمكن أن تسمع صوت الأخت أجنس التي كانت تعطي درس غناء. آه-مي ، صوت أعمق أنغام الراهبة، ورددن خلفها آه-مي...
إن لم تتزوج جيمي، بالطبع، لن تتزوج أحدا. الرجل الذي تحبه، الممثل المشهور- ايدنا لديها حدس عالي لتميز أن ذلك لن يكون. إنه شيء شاذ. ولم ترد حتى أن يكون، حبها كان قويا جدا لذلك. يجب أن يحتمل، بصمت، يجب أن يعذبها. لقد كان كما افترضت وببساطة ذلك النوع من الحب.
"ولكن، ايدنا" صرخ جيمي، "ألا يمكن أن تتغيري؟ ألا يمكن أن آمل ثانية؟"
أوه كم مؤسف الاضطرار لقولها ولكن يجب أن تقال. "لا يا جيمي، لن أتغير أبدا".
حنت ايدنا رأسها؛ زهرة صغيرة سقطت على حضنها، وصوت الأخت أجنس صاح فجأة آه-نو وتردد الصدى آه-نو...
في اللحظة تكشف المستقبل، ايدنا رأته كله. كانت مذهولة ، ذلك أوقف نفسها بعيدا في البداية، ولكن أخيرا، أي شيء ممكن أن يكون أكثر طبيعية؟ ستذهب إلى الدير... أبوها وأمها يفعلان كل شيء ليثنياها بلا جدوى. بالنسبة لجيمي، حالته الذهنية بالكاد تتحمل التفكير في ذلك. لم لا يستطيعون أن يفهموا؟ كيف يمكن أن يضيفوا إلى معاناتها كما يفعلون؟ العالم قاس، قاس بشكل فظيع!
بعد مشهد أخير بعد أن تعطي حليها وما إلى ذلك إلى أعز صديقاتها، تمضي هادئة إلى الدير وقلوبهم مكسورة. لا، لحظة واحدة. مساء ذهابها إلى آخر أمسية للممثل في بورت ويلين. استقبل بواسطة رسول غريب صندوقا، كان مملوءا بالزهور البيضاء، ولكن لا يوجد اسم أو بطاقة. لا شيء؟ نعم، تحت الأزهار، منديل أبيض ملفوف، صورة ايدنا الفوتوغرافية الأخيرة مكتوب تحتها:
العالم ينسى، من العالم أُنسى
ايدنا جلست ساكنة تحت الأشجار، احتضنت الكتاب الأسود بين أصابعها كما لو كان كتاب قداسها. تأخذ اسم الأخت أجنس. قص! قص! كل شعرها قد تم قصه. هل سيسمح لها بأن ترسل خصلة واحدة لجيمي؟ يمكن الاحتيال للأمر بطريقة ما. برداء أزرق وعصابة رأس بيضاء تذهب الأخت أنجيلا من الدير إلى المصلى في الكنيسة، من المصلى إلى الدير مع شيء غير أرضي في نظرتها، في عينيها الحزينتين، وفي الابتسامة اللطيفة والتي تحييان بها الأطفال الصغار الذين يركضون إليها. قديسة! تسمعها تهمس بينما تذرع الممرات الباردة والتي لها رائحة الشمع. قديسة! وزوار المصلى يخبرون عن الراهبة التي صوتها يسمع فوق كل الأصوات، عن شبابها، جمالها، حبها المأساوي. "يوجد رجل في هذه المدينة حياته قد تحطمت.."
نحلة كبيرة، واحدة مكسوة بالفرو زحفت داخل الفريسا، والزهرة الجميلة انحنت، التوت، اهتزت، وعندما طارت النحلة بعيدا عنها تمايلت بهدوء وكأنما كانت تضحك. زهرة لا مبالية سعيدة!
الأخت أنجيلا نظرت إليها وقالت:" الآن هو الشتاء". في إحدى الليالي وهي تستلقي في خليتها الثلجية تسمع صرخة، حيوان ضال هناك في الحديقة، قطة أو حمل أو – حسنا، أي حيوان صغير يمكن أن يكون هناك. تنهض الراهبة النائمة. بالأبيض ، ترتعش ولكن دون خوف، تخرج وتحضره إلى الداخل.
ولكن في اليوم التالي، عندما تقرع الأجراس لصلاة الصباح، يجدونها تقذف بحمّى عالية..بهذيان.. ولا تشفى أبدا، في ثلاثة أيام كل شيء ينتهي. الخدمة قيلت في المصلى وهي دفنت في زاوية المقبرة المحجوزة للراهبات، حيث توجد صلبان خشبية مكشوفة صغيرة. نامي بسلام أيها الأخت أنجيلا...
الآن هو المساء، عجوزان ينحنيان إلى بعضهما البعض جاءا ببطء إلى المقبرة وركعا ينشجان، "ابنتنا! ابنتنا الوحيدة!"، والآن يأتي شخص آخر، موشح بالسواد، يأتي ببطء، وعندما يكون هناك ويرفع قبعته السوداء، ايدنا ترى برعب شعره ببياض الثلج. جيمي! متأخر جدا! متأخر جدا!، الدموع تجري على وجهه، إنه يبكي الآن. متأخر جدا، متأخر جدا! الريح تهز الأشجار العارية في ساحة الكنيسة، يقدم صرخة قاسية مرعبة.
كتاب ايدنا الأسود يسقط بضربة إلى ممر الحديقة. قفزت، قلبها يخفق. حبيبي! لا، إنه ليس متأخرا جدا. كل الأمر كان غلطة، حلم فظيع. أوه، ذلك الشعر الأبيض! كيف أمكنها أن تفعلها؟ لم تفعلها. يا للسماء! يالها من سعادة! إنها حرة، شابة، ولا أحد يعرف سرها، كل شيء لا زال ممكنا لها ولجيمي؛ المنزل الذي خططا له ما زال ممكن بناؤه، الولد الصغير الرزين الذي يضع يديه خلف ظهره وهو يراقبهما يسقيان الورود ما زال ممكن إنجابه. أخته الرضيعة.. ولكن عندما وصلت ايدنا إلى أخته الرضيعة، مدت يديها خارجا وكأنما الحب الصغير جاء طائرا عبر الهواء إليها، ومحدقا في الحديقة، إلى الزهرات البيضاء على الشجرة، إلى تلك الحمامات العزيزات زرقاء مقابل زرقاء والدير بنوافذه الضيقة، أدركت الآن أخيرا وللمرة الأولى في حياتها-و لم يسبق أن تخيلت شعورا مثله من قبل- عرفت ماذا يعني أن تحب ولكن-أن-تحب!
التعليقات