تعد المهرجانات المسرحية التي تقام في غير قطر من اقطار الدول العربية فرصة لاختبار الامكانات والأدوات التقنية المسرحية، وإفراز لوعي التجربة المسرحية، فالعروض المشاركة في المهرجانات هي النتاج الأفضل لأي دولة أو جهة، كون الأجدر هو من له حق المشاركة وعرض التجارب، فالمشاركة تخضع لمعايير خاصة تضمن الجدارة للعرض المشارك، كما أنها مساحة حرة للتناضح الفكري في الشأن المسرحي، فالندوات الفكرية المصاحبة عادة للمهرجانات والملتقيات الهامشية تعضد –افتراضاً- الممارسة المسرحية العملية، وهي ملتقى لمسرحيين وفنانين ومهتمين لا يلتقون سوى في هكذا مناسبات، فأروقة المهرجانات في العادة تضج بالحركة، وبالنقاشات والحوارات. وتتنافس بعض الجهات في سبيل إنجاح المهرجان من خلال المعايير أو من خلال ضيوف المهرجان، وأحياناً تتخطاها إلى مستوى المعيشة أثناء إقامته. وما يهم في أمر المهرجانات وما ساتطرق له في هذه السطور، هو الضيوف وقدرة المهرجانات على تفعيل الجدل في الشأن المسرحي بالشكل الذي يصحح الرؤية للحركة المسرحية العربية والعالمية، من خلال قراءات واعية.

من خلال تجربتي لحضور عدد من المهرجانات المسرحية بعض الدول الخليجية، يلحظ أن التركيز على الجانب الشكلي هو ما يحتل الجزء الأكبر من اجندة القيمين على المهرجانات، فالإهتمام بمستوى معيشي متكلف، لا يتناسب مع ما يروج له المسرح من أفكار حول تواصله الضمني مع الناس، ومع همومهم اليومية، فالمسرحي يميل أكثر ما يميل إلى حياة أكثر طبيعية، في ما يلبس وما يطعم، إيماناً برسالة المسرح!!، إلا أن كثيراً من ضيوف هذه الفعاليات يقعون في مطب البرجوازية، التي تأخذهم بعيداً عما يؤمنون به ويروجون له، ويبدو أن الإهتمام المتكلف بالجانب المعيشي لضيوف المهرجانات يعود إلى عقدة النقص عند الخليجي تجاه الآخرين، نظرة مثقف الطرف إلى مثقفي المركز، و لتغيير الصورة النمطية السائدة عنه، مما اسقطه في سوء اختيار لضيوف المهرجان، الذين من المفترض أن يسهموا في الدفع بالجانب الثقافي للمسرح، بالحوار البناء وتبادل الخبرات. فهذه المناسبات تعج بالوجوه التلفزيونية التي تملك عمراً من القطيعة مع خشبة المسرح، ولكنها وجوه كرست على الشاشة الصغيرة، وبدت مالوفة لدن الناس العاديين، فكأن معيار الدعوة هو عامل الانتشار التلفزيوني، وليس الممارسة المسرحية الطويلة، فعلاقة الضيوف بالمسرح كانت فقط لتخرجهم من معهد مسرحي، ومشاريع التخرج كانت آخر ما قدم على الخشبة. ففي إحد الندوات التطبيقية أدار نجم تلفزيوني الندوة، وكان مرتبكاً مشوشاً، غير قادر على لملمة أفكاره وتوجيهها، وكان آخر ما تحدث عنه في قراءته للعرض هو المسرح. إضافة إلى زج نجوم تلفزيونيين في لجان تحكيم، لتقييم العروض المسرحية، مما يخلق خلطاً في المفاهيم و خلطاً بين القيم المسرحية وقيم الدراما التلفزيونية.ويلحظ أن تلك القطيعة تدفعهم إلى خارج دائرة المعرفة المسرحية الواعية، والإطلاع على التجارب الشبابية الجديدة، وتخلق لإشكالية رؤية عندهم، فيبتعدون بذلك عن حرفية الحوار في القضايا المسرحية المتجددة.وتنكمش مساحة وجودهم في المهرجان إلى جذب الجمهور، وإلتقاط الصور للذكرى، ولا يملك الكثير منهم إرثاً فكرياً يضعهم في مصاف المثقفين، فتكون الإفادة منهم متحققة!.

وكوني من جيل مسرحي شاب يبحث عن المسرحي صاحب التجربة العميقة، لأطلع عليها وألتصق أكثر بها، لا لهدف البحث عن نجم تلفزيوني يزرع في الدهشة، فإن الإحباط تولد داخلي في حضوري هذه المهرجانات التي تخلو من أسماء تملك قيمة نوعية، وتحتل في قائمتها اسماء مكررة مستنسخة عن بعضها البعض، لا تتجاوزالمألوف إلا ماندر. وهذا بطبيعة الحال يؤثر على مستوى المهرجان، فبجانب النجوم التلفزيونيين، تكرس المهرجانات لأسماء مسرحية، منقطعة عن التجربة المسرحية الحديثة بكل إتجاهاتها، وغير متواصلة معها، فهي تدور في فلك المسرح التقليدي، وفي فلك افكار تقليدية ونظريات مستهلكة، ولا تملك قابلية التجدد، وتجاوز القوالب الجاهزة!.. رغم أن أسماء تتوزع على خارطة الوطن العربي قادرة على رفع قيمة أي مهرجان نوعياً، بما تملكه من تجارب مسرحية، واشتغالات فكرية على الشأن المسرحي، تغيب تماماً عن بال قيمي المهرجانات، لأنها لا تملك حضوراً متركزاً في سطح الذاكرة، بل يتركزون في أغوار الذاكرة المسرحية بقيمة ما يقدمون، فأصحاب هذه التجارب لا يملكون من الشهرة شيء، لكنهم يملكون حضوراً في الحركة المسرحية العربي، وسيكونون كسباً لأي مهرجان يدعون إليه.

لو أعاد قيمو المهرجانات المسرحية النظر في معايير استضافة المسرحيين والمهتمين، لتفعيل الجدل على هامش العروض، من خلال الالتقاءات الفردية أو عبر الندوات التطبيقية والفكرية، لأسهموا في ترسيخ وعي ناجز مقروناً بتجارب مسرحية عملية، تفرزها المهرجانات، وتدفع بالحركة المسرحية الخليجية إلى أفق أوسع.

مشاهدات من المهرجانات:

- سألت إحدى الفنانات التلفزيونيات التي تخطت حاجز الستين عاماً مرة في أحد المهرجانات بعد أن استوقفتها عند باب الفندق، عن رأيها في عرض مسرحي، فردت بتجاهل:

( وأنا اشعرفني)..!

- أحد الفنانين أصحاب المناصب الشرفية على مستوى الوطن العربي، دهش حين راى إضاءة تخرج من وسط ديكور عرض مسرحي، وكأن العرض هو أول من ابتكر هذه التقنية، ووعد بنقلها إلى بلده...!

- يمشي كرئيس دولة، او وزير يحيط به مريدوه، لا تسعه الأرض فقط لأنه نجم تلفزيوني.

- يصحو صباحاً، يفطر في أحد مطاعم الفندق الفخم، يصعد إلى غرفته، يتغذى في مطعم آخر، ويصعد .. ويتعشى ويصعد.. لا يحضر العروض، ربما للسن أحكام..! لماذا دعي إلى المهرجان؟!!!

- فنانون كثيرون يحضرون العروض.. فقط ليحضروا العروض!!!

[email protected]