(ورقة قدّمها المؤلّف في مؤتمر "الإسلام والدّيمقراطيّة"، الذي انعقد بتونس مؤخّرا، ونظّمه المعهد العربيّ لحقوق الإنسان بالاشتراك مع مركز دراسة الإسلام والدّيمقراطيّة ومنتدى الجاحظ؟)

إنّ الأساس في الدّيمقراطيّة هو حقوق الإنسان، ولذلك فمن الضّروريّ أن نذكّر بادئ ذي بدء بأنّ بين حقوق الإنسان الكونيّة والشّريعة الإسلاميّة تعارضًا جوهريًّا، لسببين. أوّلهما هو اختلاف المرجعيّات والثّاني هو إختلاف المقاصد.

1-فالشّريعة الإسلاميّة تنتمي إلى مرجعيّة الوحي، بينما ينتمي إعلان حقوق الإنسان إلى مرجعيّة إنسانيّة محضة "ألا وهو العقل".

2-إنّ الفقه الإسلامي الذي أنتج منظومة التّشريع ليس إلاّ محاولة لتفسير وتأويل النّصوص التّأسيسيّة للدّين الإسلامي، وذلك بقصد تطبيقها على الواقع الإنساني المعاصر في القرون الوسطى بقيم ذلك العصر ومفاهيمه وتصوّراته عن العالم والإنسان.
أمّا إعلان حقوق الإنسان فهو نتاج إنساني ومحصلة لتراكم تجاربه ونضالاته التي خاضها في صيرورته التّاريخيّة والتي بلورتها فلسفة الأنوار ردًّا على محاكم التّفتيش الكنسيّة.

3- إنّ قواعد الشّريعة الإسلاميّة التي أرساها الفقهاء تعدّ نهاية مبكرة لتاريخ الإجتماع الإنساني، وذلك لإدّعائها امتلاك الحلول النّهائيّة لكلّ المشاكل البشريّة، وأنّ آخر إتّصال بين السّماء والأرض في القرن السّابع الميلادي قد وضع كافة القواعد واجبة الإتّباع إلى يوم القيامة، وحدّد كافة حقوق وواجبات الإنسان. أمّا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فهو إبداع إنساني عقلاني، يستهدف الإنسان ولا يدّعي أيّة شرعيّة متعالية على التّاريخ، وإنّ المنادين والمناضلين من أجله يدركون إمكانيّة تحويره وتطويره وتعديله إلى الأفضل كلّما تبدّلت أمور الإنسان وتغيرّت المعطيات الموضوعيّة لمعيشته.

4-إنّ أحكام الشّريعة الإسلاميّة إذا أسقطنا عليها المعايير الأخلاقيّة والفلسفيّة الحديثة، بدت لنا جاحدة لحق الإنسان في المحافظة على بدنه وذلك بتكريسها العقوبات البدنيّة من تقطيع الأيدي والأرجل والرّجم والجلد ودقّ الأعناق. أمّا شرعة حقوق الإنسان فهي تجرم هذه الأفعال، وتقضي بحماية السّلامة البدنيّة وتعتبر أنّ للبدن حرمة واجبة المراعاة وأنّ حفاظ الإنسان على جسمه حق طبيعيّ لا يجوز المساس به.

5-إنّ الشّريعة الإسلاميّة لا تعترف بالعقل وتحدّ من حريّة الضّمير وحريّة التّعبير، وهذا جليّ في إقامة حدّ الردّة على من يغيّر دينه من المسلمين. أمّا شرعة حقوق الإنسان فتعتبر أنّ حريّة التّفكير والتّعبير وحريّة المعتقد من الأسس المؤسّسة لحقوق الإنسان.

6-إنّ آراء الفقهاء المسلمين تنتمي في مجملها إلى منظومة معرفيّة قديمة تقسّم العالم إلى ثنائيّة دار الحرب ودار السّلام، دار الكفر ودار الإيمان، وتفرض على المسلمين البراء من الكفّار ومعتقداتهم ومؤسّساتهم وقيمهم ويحرم على المسلم أن يواليهم أو يرتبط معهم بعلاقات تجاريّة أو دبلوماسيّة أو سياسيّة، ويحرّم عليه السّفر إلى بلدانهم إلاّ إذا تزوّد بفتوى تبرّر له سفره، وهذه الأحكام ليست قابعة في أضابير فقه ابن تيميّة فحسب، بل نجدها تدرّس اليوم في المناهج السّعوديّة الموجّهة إلى طلبة الإعدادي : يقول اِبن تيميّة : " إذا أقمت في دار الكفر للتّطبّب أو التّعلّم أو التّجارة، فأقم بينهم وأنت تضمر العداوة لهم". هنا يكون التّعارض أكثر حدّة بين الشّريعة الإسلاميّة وإعلان حقوق الإنسان الذي هو نتاج للحداثة بإمتياز، فهو يجرّم أيّ سلوك عنصري يفضي إلى التّمييز بين النّاس بسبب المعتقد الدّيني أو السّّياسي.
وخلاصة القول إنّ الشّريعة الإسلاميّة وشرعة حقوق الإنسان تتناقضان تناقضا جوهريًّا صارخًا، وأنّ أيّ محاولة للتّوفيق بينهما هي محاولة بائسة، تستدعي التّجرّد من النّزاهة الفكريّة والولوج في عالم التّفكير السّحري وأباطيل الحواة.
أمّا إذا قال البعض بأنّ الدّين الإسلامي وعلى الأخصّ في متن كتابه المقدّس "القرآن" يحمل الكثير من المبادئ العامّة الإنسانيّة التي تدعو إلى التّسامح وتحضّ على الإخاء، فإنّا نذكّره بأنّ القرآن ككلّ الكتب السّماويّة يحمل الشيء ونقيضه، بحيث توجد آيات أخرى تعتبر أنّ لا مجال للإنسان في هذا الخيار وأن الإيمان قسريّ بحدّ السّيف . وأن الإيمان بالدّين الإسلامي هو وحده الذي يضفي على الإنسان صفة المكلّف التي تؤهّله للرعويّة في المجتمع المسلم. وجاءت الشّريعة لتكرّس هذه النّظرة الأخيرة وتغلّب آيات السّيف على آيات التّسامح وذلك باختراع واستخدام منظومة النّاسخ والمنسوخ، ففقدنا نهائيًّا أي بصيص أمل لإدراج حريّة المعتقد ضمن سلّم القيم الإسلامية وكانت آخر المحاولات تلك التي قام بها المفكّر السوداني محمّد محمود طه ودفع رأسه ثمنًا لذلك بعد أن حكم عليه التّرابي بالردة.

مجمل القول أنّ على المسلمين اليوم أن يدركوا بأن ليس ثمّة دين صالح لكلّ زمان ومكان إلاّ في شقّه الإيماني وطقوسه التّعبّديّة، أمّا عندما يتدخل الدّين في تنظيم العلاقات بين البشر فإنّه لا محالة سيدنّس نتيجة الصّراعات الدنيويّة بعد كلّ عراك إنساني. فلا بدّ أن تهبّ اليوم النخب الدّينيّة والعلمانيّة لنجدة هذا الدّين بتخليصه من براثن السّياسة وإنتهازية الفقهاء، وإلاّ سيواجه المسلم آجلا أم عاجلاً أسئلة لا بدّ من الإجابة عليها :

- هل يريد المسلم أن يحكمه الموتى أم أن يحكم نفسه بنفسه؟ هل سيعتقد المسلم أنّه سيكفّ عن كونه كذلك إذا اعتنق مبادئ حقوق الإنسان حسبما يروّج له بعض فقهاء الدّين أم أنّه سيبقى مؤمنا باكتساب الدّارين؟
-هل يريد المسلم أن يفرق في السّلوك البشري بين الجريمة والخطيئة، هل يريد أن يفصل ما بين العقاب الأخروي بإيكالها الرب عن الخطايا، ويخصّ نفسه بالتّشريع الذي يحرّم الأفعال ويقدّر لها جزاءاتها الدّنيويّة بحسب فداحة الضّرر أو جسامة الخطر؟
-هل سيتبنى الإنسان المسلم الفلسفات العقابيّة الحديثة التي تهدف إلى إصلاح الجاني، ومحاولة إعادة تأهيله وإدمادجه في المجتمع أم يريد أن يبقى على العقوبات الثأرية التي تسلب الإنسان كرامته وفي كثير من الأحيان أعضاءه ورأسه؟
-هل سيختار المسلم سياسات اجتماعيّة تقمع النّساء وتحتقرهنّ وتمنع عليهنّ حقّهنّ الكامل في الشّهادة والإرث والولاية؟ وهل ستبقى قطاعات عريضة من النّساء في خدورهنّ، منزوعات الآدميّة، فاقدات الأهليّة، وعالة على النّصف الآخر من الذّكور القوّامين. أم يريد أن ينهي حالة الدونية التي فرضها على المرأة وأن يقبل بمشاركتها في كلّ مناحي الحياة الإجتماعيّة والسّياسيّة حتّى يتمكّن المجتمع من التّقدّم والإزدهار؟ وليتذكّر الرّجال أنّ مجتمع القوامة الذّكوري لا ينتج غير طبقات من القوامة تنتهي بالدّكتاتور الأب القوّام على المجتمع برمّته.
-هل يريد الإنسان المسلم أن يقيم مجتمع الرعيه فيضطهد المسلم غير المسلم والذّكر الأنثى والعرب غير العرب؟ أم يريد وطنًا ومواطنين سواسية في الحقوق والواجبات لا يتميّزون ولا يميّزون بسبب الدّين أو الجنس أو اللّون أو اللّغة وغير ذلك؟
-هل يريد المسلمون أن يشنّوا حربًا ضروسًا على العالم في سبيل إدخاله عنوة للدّين الحق وذلك بإيمانهم بأنّ الجهاد فرض إلى قيام السّاعة، أم يريدون أن يقيموا مجتمعًا متصالحًا مع نفسه ومتسامحًا مع الآخر، يؤمن بالتّعايش السّلمي بين البشر والتّعاون بين المجتمعات؟

سنحاول تلمّس الإجابة عن هذه التّساؤلات من خلال تلمسّ الواقع وإِرهاصاته. ونذكر على سبيل المثال واقعتين متناقضتين لهما دلالة بالغة :

الواقعة الأولى : هي إعلان القاهرة عن حقوق الإنسان في الإسلام. أغسطس 1990.
في هذا الإعلان يتبيّن بوضوح الرّفض المطلق لفكرة حقوق الإنسان، حيث تستهل ديباجته بالتّأكيد على الدّور الحضاري والتّاريخي للأمّة الإسلاميّة، التي جعلها اللّه خير أمّة، وينيط بالأمّة الإسلاميّة مهمّة هداية البشريّة الحائرة بين التّيارات والمذاهب المتنافسة، وذلك بتقديم الحلول لمشكلات الحضارة المادية المزمنة.
هذه الديباجة تبيّن بوضوح أنّ واضعي هذه الوثيقة يعزون إلى الإسلام امتلاكه للحقيقة المطلقة، وبمفهوم المخالفة يتبيّن من هذا الطّرح أنّ البشريّة إذا لم تدن بالإسلام، بقيت تائهة تتخبّط في ماديتها وتتناهشها الحيرة بين مختلف المذاهب والتّيارات. وهذا يعنى في نظر واضعي الوثيقة الرّفض الكامل لكافة الأديان الأخرى وكافة الفلسفات التي تدين بها البشريّة والرفض الكامل لأيّ فكرة لا تنبع من الدّيانة الإسلاميّة، وهذا يعني الدرجة الصّفر للتّسامح.
وفي المادة الأولى فقرة "أ"
تفضي بأنّ البشريّة أسرة واحدة جمعت بينهم العبوديّة للّه والبنوّة لآدم، وهذا يعني أنّ مئات الملايين الملحدة التي رفضت مظلّة العبوديّة لأيّ كان وكذلك الوثنيون والمقتنعون بنظريّة داروين هم مستبعدون من صفة البشريّة في الوثيقة الإسلاميّة.
ويمارس واضعو هذه الوثيقة لعبة الورقات الثّلاثة الخادعة عندما يعلنون في نفس المادة، أنّ النّاس متساوون في أصل الكرامة الإنسانيّة وفي أصل التّكليف والمسؤوليّة دون تمييز بينهم بسبب العرق أو اللّون أو اللّغة أو الجنس أو الانتماء السّياسي أو المعتقد الدّيني ويختتمون الفقرة بأنّ العقيدة الصّحيحة هي الضرورة لنموّ هذه الكرامة على طريق تكامل الإنسان. فإذا رجعنا للديباجة رأينا أنّهم أقرّوا بأنّ العقيدة الصّحيحة هي الإسلام إذً لا كرامة لغير المسلم وهذه نتيجة منطقيّة لمقدّماتهم.
وتنصّ المادّة الخامسة مثلاً على أنّ الأسرة هي أساس بناء المجتمع، والزّواج أساس تكوينها وللرّجال والنّساء الحق في الزّواج ولا تحول دون تمتّعهم بهذا الحقّ قيود منشؤها العرق أو اللّون أو الجنسيّة.
وهذا النّص تترتّب عليه التّفرقة بسبب المعتقد الذي سيبقى عائقًا في سبيل الزّواج المختلط وتكوين الأسرة، وسيبقى في تصادم كامل مع مبادئ إعلان حقوق الإنسان.
المادّة العاشرة تقول :
إنّ الإسلام هو دين الفطرة ولا يجوز ممارسة أيّ لون من الإكراه عل الإنسان أو إستغلال فقره أو جهله لحمله على تغيير ديانته إلى دين آخر أو إلى الإلحاد.
هذه المادّة تضمر بأنّ الإكراه لا يجوز أن يستخدم ضدّ أيّ مسلم ليغيّر دينه باعتباره دين الفطرة، أمّا معتنقو الدّيانات الأخرى فيمكن ممارسة هذا الإكراه عليهم باعتبار أنّ أديانهم تشذّ عن الفطرة وتحيد عنها.
والمادّة الثّانية والعشرون فقرة "أ"
تنصّ على أنّ لكلّ إنسان الحقّ في التّعبير بحريّة عن رأيه بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشّرعيّة، ويستفاد من هذا النّص أنّ لا حريّة للإنسان الذي عبّر عن رأي يرفضه فقهاء الشّريعة، أي أنّ المحصلة النّهائيّة هي العبوديّة للّه والتي يمارسها الفقهاء نيابة عنه على جماهير المؤمنين، وهو ما يعني أنّنا لم نتقدّم قيد أُنملة عن مفهوم الحريّة في عصر الإنحطاط.
أمّا المادّة الرابعة والعشرون فتقضي بأن كلّ الحقوق والحريّات المقرّرة في هذا الإعلان مقيّدة بأحكام الشّريعة وأنّ المادّة الأخيرة من هذا الإعلان تنصّ بأنّ الشّريعة الإسلاميّة هي المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أيّ مادّة من مواد هذه الوثيقة لذلك يكون هذا الإعلان الذي ولد مشوّهًا في ديباجته قد أطلقت عليه رصاصة الخلاص في تذييله، ولم تنتج هذه الوثيقة سوى خديعة كبرى كفانا واضعوها بهتك مارتقوا من أسحال بالية.

الواقعة الثّانية :
الملاحظ أنّ أكثر البلاد العربيّة، باستثناء بعض دول الخليج، قد تبنّت بعد استقلالاتها قوانين عصريّة، مأخوذة عن الغرب، وكانت هذه القوانين لا تزال في أغلبها تحتوي على قدر كبير من الأفكار الحديثة المتأثّرة بمنجزات حقوق الإنسان وذلك مثل :
-شخصانّية العقوبة
-عدم رجعيّة القوانين الجزائيّة
-محدوديّة القوانين من حيث الزّمان والمكان
-الحريّة الجنسيّة النّسبيّة التي لم تحرم كل وطء غير شرعي خارج مؤسّسة الزّوجيّة.
-عدم تجريم أيّ سلوك أو إيقاع أيّة عقوبة إلاّ بنصّ قانونيّ.
-عدم تبنّي العقوبات البدنيّة على خلاف الشّريعة.
- اِحتكار الدّولة حقّ إيقاع العقاب والعفو عن الجرائم بدلاً من ولي الدّم.
-الأخذ في الإجراءات الجنائيّة والمرافعات المدنيّة بالمسطرة القانونيّة الحديثة بدلاً من وسائل الإثبات الشّرعيّة.
-الأخذ بنظام الفوائد المصرفيّة وعدم فرض الضّرائب إلاّ بقانون.
وغير ذلك من الأفكار الحديثة في تنظيم المجتمعات، وكان مجال إشتغال الشّريعة الإسلاميّة لا يكاد يتخطّى مدوّنة الأحوال الشّخصيّة التي بدورها طعمت ببعض المفاهيم الحديثة.
بل وصل الأمر في مصر على سبيل المثال للنّص في الدّستور على حريّة المعتقد وذلك في النّصف الأوّل من القرن الماضي (دستور 1923)
من هذا العرض الوجيز يمكننا استخلاص عدّة نقاط على درجة كبيرة من الأهميّة :

1-إنّ المجتمعات العربيّة تسير على سرعات مختلفة في مجال حقوق الإنسان والحداثة، لذلك يكون من العبث وضع كلّ الدّول العربيّة في سلّة واحدة، وهذا يعني بالضّرورة جعل اللّقاءات والمؤتمرات والنّدوات أكثر تخصصيّة في كلّ بلد على حده وعدم وضع القضايا المختلفة للمجتمعات العربيّة في بوتقة واحدة.

2-إنّ سيطرة البترودولار على وسائل الإعلام وعلى الحياة السّياسيّة والثقافيّة في العالم العربي كان من نتائجها فرص أجنده نكوصيّة على المنطقة برمّتها وهذا ما جعل الكثير من المفكّرين والإعلاميين في المناطق الأخرى يدخلون معركة ليست معركتهم ويناضلون من أجل حقوق قد أنجزوها من زمن بعيد، وتناسوا مشاكلهم القطريّة الحقيقيّة، من أجل الرّد أو التماهي مع فكر مبثوث من الفضائيّات ومطروح في مؤتمرات مموّلة من دول لا تربطنا معها قواسم نضاليّة مشتركة على أرض الواقع، فمشكلة المرأة التّونسيّة أو المغاربيّة عمومًا هي ليست مشكلة المرأة في بلدان الخليج الأكثر تخلّفًا.

3- كانت المجتمعات المغاربيّة وكذلك بلدان مثل مصر وسوريا ولبنان تناضل من أجل تحسين مدوّناتها القانونيّة وتقليص الهوّة بين مثاليّة النّص وبؤس التّطبيق، أمّا الآن فإنّ النّضال أصبح يأخذ منحى آخر، وهو القبول بالحداثة أو رفضها، تبنى شرعة حقوق الإنسان أو تحريمها.
نعم، كان هذا السّؤال مطروحًا حتّى في البلدان التي ذكرت من قبل فئات هامشيّة ليست لها أهميّة على المستوى الثّقافي أو السّياسي، أمّا اليوم فأخذت تتكاثر في مجتمعاتنا بسبب النّصرة والمال واحتكار وسائل التّعبير الجماهيري من دول البترودولار وكذلك بسبب انزلاقنا إلى أرضيّة معركتهم.
وفي الختام، يمكن أن نقول إنّ الشّعوب التي تعتنق الشّرائع القديمة المتعارضة مع شرعة حقوق الإنسان، لا تستطيع فقط تبنّي الدّيمقراطيّة، بل لا تشعر بالحاجة إليها أصلا.

إنّني قد عرضت من البديهيات والمسلّمات وما هو "معروف من الواقع بالضّرورة" الشيء الكثير، لذلك قد تكون هذه المداخلة مسطّحة إلى درجة الملل ولكن عذري، هو أنّ كثيرًا من المثقّفين والمفكّرين تحاول أن تلفلف الواقع برداء الخيال أو تلبس الحقائق مسوح الالتباس، والبعض الآخر لا ينزع عن عينيه المنظار الأيديولوجي حتّى يرى الخارج بحسب أمانيه الباطنة، لذلك يصبح التّذكير بالواقع، مهما كان واضحا، هو عذري فيما كتبت وديدني فيما فعلت.