للمرة الثانية فى موقع إيلاف أستخدم سعاد حسنى، فلم تكن وفاة سعاد حسنى كارثة على الفن فقط بل كانت كارثة على الأطباء أيضاً، فقد تحول كل سكان مصر المحروسة فجأة وبدون سابق إنذار إلى أطباء، فراجت سوق الفتاوى وكسدت عيادات الأطباء، وأصبح الجميع يفهم فى الإكتئاب، وصار الكل جهابذة فى العصب الخامس (ملحوظة:الشلل الذى أصاب وجه سعاد حسنى كان نتيجة العصب السابع وليس الخامس)، أما الكارثة الكبرى فقد كانت فى أن أكثر من60 مليون مصرى بقدرة قادر حصلوا على درجة الدكتوراه وتم تعيينهم كأطباء متخصصين من منازلهم فى مادة "الكورتيزون"، وصار الكورتيزون هو بعبع كل بيت مصرى، وتحول إلى دراكيولا مصاص الدماء، وأصبح من رابع المستحيلات أن يكتب دكتور فى الروشته كورتيزون وإن إضطر للإعتراف بخطيئته يخبر مريضه بأنه دواء شبيه باللى مايتسماش فهو إبن عمه ولايحمل نجاسته أوأخطاره، والطبيب معذور فى كذبته البيضاء تلك فماأن يتم النطق بلفظ كورتيزون أو إن إستطاع المريض أن يلتقط من خط الدكتور " المنعكش" إسمه المريب، ينتفض المريض من على كرسيه منتفخ الأوداج مشرئب العنق صارخاً بطريقة يوسف وهبى "لا000كورتيزون عليه اللعنه"، أو هاتفاً بطريقة مظاهرات حسن الإمام "لا كورتيزون بعد اليوم 000الموت على يد عزرائيل أفضل من الإستقلال والشفاء على يد الكورتيزون"!!!
[والشئ الذى لاتعلمه عزيزى القارئ وأرجوك ألا تندهش أوتنزعج، أنه لايمكن أن تكون قد عشت عمرك حتى الآن دون أن تعالج بالكورتيزون تحت أى مسمى أو بأى طريقة تناول، فلو كنت قد تعرضت لأرتيكاريا يوماً ما فحتماً ستكون قد حقنت بأمبول كورتيزون، أما إذا كنت قد إحترفت كرة القدم فعليك أن تسأل جميع لاعبى كرة القدم عن حقن الكورتيزون المفاصل والأربطة والتى أدمنها البعض حتى أجبرته على ترك المستطيل الأخضر، وكذلك لو أصابتك الحساسية سواء فى الصدر أو الجلد أو العين أو الأنف 0000الخ من المؤكد أيضاً أنك قد لجأت أو لجأ طبيبك إلى الكورتيزون سواء على هيئة أقراص أو حقن أو مراهم أو كريمات أو لوسيون أو قطرة أو بخاخة، وكذلك الإكزيما أو حتى إنخفاض ضغط الدم وغيرها من المؤكد أنك قد دخلت المياه الإقليمية لهذا الفك المفترس، والمدهش أنك تعيش وتقرأ الجريدة الآن وتشرب الشاى بطريقة عادية وبدون أن تصبح شجرة جميز مبعجرة من أثر الكورتيزون، وذلك لسبب بسيط سنتحدث عنه بالتفصيل فيما بعد وهو أن جرعات الكورتيزون التى تسبب أخطاراً هى جرعات عالية جداً ولكى تؤثر بشكل سلبى لابد أن تؤخذ لفترات طويلة وممتدة، و هذه الجرعات تستخدم فى أمراض محدودة وخطيرة ويكون فيها الكورتيزون منقذاً للحياة ولابديل عنه
[وستندهش أكثر حين تعرف أن هذا الوحش المسمى الكورتيزون هو ضيف دائم داخل جسمك تفرزه غدة صغيرة تجلس مستكينة فوق الكلي، وبتعبير أدق تفرزه قشرة هذه الغدة الجار كلوية فى الدم مباشرة كواحدة من الغدد الصماء أى التى ليس لها قنوات تفرز من خلالها، وذلك معناه أن هذا الديناصور يعدو ويمرح داخل جسدك بكل حرية ولاتملك له رفضاً أو منعاً كما تفعل مع طبيبك، ولكنه داخل جسمك وبالمقادير المقننة المضبوطة يصبح مروضاً هادئ الطباع سليم النية، ولكن إذا تعدى الحدود الفسيولوجية ولفترة محدودة (إسبوعين مثلاً) وبجرعات بسيطة (قرص أو قرصين أو حتى ثلاثة) صار دواء سحرياً ناجحاً، أما إذا تعدى هذه الحدود وتناولناه لمدة سنين وبجرعات كبيرة وضخمة فحتماً سيعود هذا الديناصور إلى بدائيته الأولى وتنمو له أنياب ومخالب يغرسها أول مايغرسها فى المريض نفسه، إنه أهم دواء وكذلك أخطر دواء إخترعه الإنسان منذ بدء الخليقة.
[والكورتيزون الذى نتكلم عنه هو هورمون الحياة، وهو الهورمون الذى نواجه به التوتر والخطر وبدونه لاحياة، ولذلك فمرض أديسون والذى تفقد فيه الغدة القدرة على إفراز الكورتيزون مرض قاتل إذا لم نسارع بإعطاء الكورتيزون البديل، ونستطيع أن نقول أن هذا الكورتيزون الذى صدع الأدمغة إسم حركى للهورمون المهم الفعال الآخر وهو الهيدرو كورتيزون، فالأول وهو الكورتيزون المشهور هورمون خامل لانفع فيه ولاضرر ولابد أن يتحول إلى هذا الهيدروكورتيزون فى الكبد حتى يؤدى وظائفه البيولوجية سواء فى التمثيل الغذائى أو فى تنظيم الصوديوم والبوتاسيوم فى الجسم، وقد تقدم العلم الآن وقدم بدائل تخليقية مصنوعة فى المعامل تستطيع أن تعطى التأثير العلاجى المناسب، وقد لجأ العلماء لذلك لأن الجرعات الفسيولوجية الضئيلة التى يفرزها الجسم لاتنفع فى الأغراض العلاجية المضادة للإلتهابات أو المثبطة للمناعة.
[قصة إكتشاف الكورتيزون قديمة جداً بدأت منذ عام 1855 عندما كتب د.توماس أديسون ملاحظاته على أمراض الغدة التى فوق الكلى، وبعدها بعام أجرى العالم الفسيولوجى براون سيكوارد تجارب على الحيوانات أزال فيها هاتين الغدتين فماتت الحيوانات على الفور وقوبل هذا العالم بإستهجان شديد وإتهمه الآخرون بأن العملية هى السبب فى الموت وليس إزالة الغدتين، ومع نهايات القرن التاسع عشر حاول عالم آخر علاج مرض أديسون الذى سبق شرحه بكورتيزون مستخلص من غدد حيوانات وفشل لأن هذا الكورتيزون المستخلص كميته ضئيلة وغير مستخلص من البشر، وفى سنة 1920 بات واضحاً أن هورمون الكورتيزون مختلف عن هورمونات أخرى تفرزها هذه الغدة وأهمها الأدرينالين وتأكد العلماء أنه يفرز من قشرة هذه الغدة، وفى سنة 1935 تم فصل الكورتيزون من الغدة بطريقة سليمة، ثم بعدها تم تصنيعه فى المعمل بطريقة معقدة من عصارة الصفراء، وأتيح بعدها للعرض فى السوق التجارى لأول مرة فى عام 1949، ويعود الفضل فى هذه الثورة التى قلبت العالم رأساً على عقب للكيميائى الأمريكى إدوارد كيندال والذى حاز بسبب إكتشافه العبقرى على جائزة نوبل 1950، وحينما مات كيندال فى 4 مايو 1972 نعاه العالم كله بصفته منقذ البشرية من الألام ، ولكن مازال الجميع ينتظر المعجزة التى سيفوز بسببها من يحققها على عشرين نوبل، وهى حل المعضلة الأزلية فى كيفية توجيه سلاح الكورتيزون لهدفه المباشر دون أن يذهب إلى أهداف أخرى أو بالأصح دون تحقيق كل أعراضه البيولوجية الأخرى التى لايحتاجها المريض، فعلى سبيل المثال يعالج الإلتهاب بدون رفع الضغط، أو يقضى على الحساسية بدون زيادة السكر 0000وهكذا، إذا حدث هذه ستكون هدية القرن الجديد
[وإلى أن تحدث المعجزة لابد أن نفهم ونعرف ماهو تأثير الكورتيزون ؟، أو بعبارة أخرى ماذا يفعل الكورتيزون الذى يتجول فى أجسادنا ويرحل فى خلايانا وأنسجتنا ؟؟، بإختصار نستطيع أن نضع خطين عريضين أو وظيفتين أساسيتين للكورتيزون هما:
1-وظيفة تتعامل مع المعادن والأملاح فى الجسم أو بالأصح الصوديوم والبوتاسيوم فيزيد تخزين الصوديوم فى الكلى ويزيد إفراز البوتاسيوم فى الدم، ولو عرفت أن ملح الطعام إسمه العلمى كلوريد الصوديوم فستعرف جيداً أن تخزين الصوديوم أو الملح يخزن المياه وبالتالى ينفخ الجسم ويجعله كالبالونة وذلك فى حالة الجرعات الخارجية الزائدة
2-وظيفة تتعامل مع التمثيل الغذائى العضوى للكربوهيدرات والبروتينات والدهون كالتالى:
(أ)بالنسبة للكربوهيدرات أو المواد النشوية:يزيد إنتاج الجلوكوز من الكبد ويقل إستهلاك الجلوكوز فىالخلايا مما يرفع نسبته فى الدم وهو عكس وظيفة الأنسولين، وهكذا مع الجرعات الدوائية العالية من الممكن أن يسبب مرض السكر .
(ب)بالنسبة للبروتينات: يقل بناء البروتين ويسرع إيقاع هدمه ولذلك يحدث ضعف فى العضلات وهشاشة فى العظام ويقل نمو الأطفال ويضمر الجلد، وتزيد رقة الشعيرات الدموية ويصبح من السهل حدوث كدمات، ويصير إلتئام أى جرح أو حتى قرحة المعدة أو الإثنى عشر صعبة وبطيئة.
(ج)بالنسبة للدهون: يتأثر توزيع الدهون فى الجسم بتأثير الكورتيزون وهذه هى مأساة زيادة الوزن التى تحدثت عنها الصحف بالنسبة لسعاد حسنى، فالدهون تزيد فى منطقة الأكتاف فيحدث مايشبه "القتب"، وتزيد فى منطقة البطن فيحدث الكرش، وتزيد فى منطقة الوجه فيحدث مايسمى وجه القمر، وهكذا كان القمر وراء سعاد حسنى حتى آخر حياتها، فهى أخت القمر فى طفولتها عند بابا شارو ووجه القمر فى لندن عند أطباء الغدد الصماء.
(د)تأثيرات أخرى:*الكورتيزون مضاد للإلتهابات وهذه هى أهميته القصوى التى جعلت منه عصا سحرية فى يد الأطباء، وكان الهدف الذى إكتشف من أجله دكتور كيندال الكورتيزون هو علاج إلتهابات المفاصل أو بصفة خاصة الروماتويد، ولكن هذه العصا السحرية من الممكن أن تتحول إلى خنجر يطعن ظهر المريض إذا كانت هذه الإلتهابات مصحوبة ببكتيريا وصديد أو فطريات وأعطينا جرعات كبيرة من الكورتيزون دون الإلتفات إلى هذه البكتيريا.
*الكورتيزون مضاد للحساسية وله بعض التأثيرات النفسية مثل الإكتئاب والتى يرجعها العلماء إلى الخلل فى توازن الصوديوم والبوتاسيوم، ولذلك كانت الصعوبة فى علاج مريضة مثل سعاد حسنى من إلتهابات العصب السابع والعمود الفقرى بالكورتيزون الذى يسبب بعض الإكتئاب فى نفس الوقت الذى تعانى هى من إكتئاب كان موجوداً بالفعل من قبل.
[كان إكتشاف الكورتيزون التخليقى ثورة بكل المقاييس، وكان سعر الجرام من هذا الهورمون السحرى مائتا دولار عند إكتشافه ثم إنخفض إلى خمسين سنتاً فى عام 1965 والآن يبلغ سعر أغلى حقنة كورتيزون عشرة جنيهات مصرية فقط لاغير، وأصبح الكورتيزون بطلاً لمعظم روشتات الأطباء وفى بعض الأحيان البطل الوحيد، وهناك بعض التخصصات مثل الأمراض الجلدية وأمراض الحساسية لوأصدرنا قراراً بمنع كتابة الكورتيزون فى روشتاتهم، حتماً سيعتزلون الطب ويغلقون عياداتهم بالضبة والمفتاح ومن الممكن أن يتوبوا عن الطب كالفنانات التائبات عن الفن!!، وليست هذه نكتة ولكنها حقيقة يعبر عنها المثل القائل"ياما فتح الكورتيزون بيوت "!!، وبالطبع هذه البيوت هى بيوت الأطباء الذين يشكرون الدكتور كيندال فى كل صلاة أن أنقذهم من العجز والفشل أمام الحالات التى كانت مستعصية ومستحيلة قبل إكتشاف الكورتيزون.
[وإستخدامات الكورتيزون العلاجية أكثر وأضخم من أن يحتويها مقال فى صحيفة، فهى تقريباً وبلامبالغة ثلاثة أرباع الطب، وبالنسبة لبعض التخصصات هى كل الطب، وأشكال تناوله هى تقريباً كافة السبل المتاحة فى علم الأدوية فهو قرص وحقنة ومرهم وبخاخة وقطرة ولوسيون00الخ، أى أن كتاب الكورتيزون هو صفحات بلانهاية بإتساع الكون كله، وإستخداماته لاحصر لها ومنه أزمات الربو والحساسية بكافة أشكالها فى الجلد والعين والأنف والصدر، إكزيما الجلد والذئبة الحمراء والداء الفقاعى واللوكيميا(سرطان الدم) وبعض أنواع الأنيميا و هو يستخدم بعد حالات زرع الأعضاء وفى الإلتهاب الكبدى، وأيضاً فى الروماتويد وإلتهابات المفاصل والأربطة وبعض أمراض القولون والكلى، والنقرس الذى يقاوم الأدوية العادية، ويستخدم الكورتيزون عند إرتفاع نسبة الكالسيوم بعد بعض الأورام الخبيثة، وحتى أطباء التجميل يستعملونه فى حقن الندبات التى تشوه الجسم، وأيضاً يستخدمه أطباء الأنف والأذن فى علاج إلتهابات العصب السابع التى هى بداية مشاكل السندريللا التى جسمت الخطر الكورتيزونى أمام الناس .
[بالطبع كانت هذه قطرة فى بحر الكورتيزون الفياض وإستخداماته المتعددة، والتى ألفت فيها رسائل دكتوراه لاتتسع لها مخازن جمرك المطار !!، ولذلك فالكورتيزون هو آلة موسيقية تتحول على يد الطبيب المدرب الماهر إلى كمنجة رقيقة حانية تمسح دموع الشاكى، أما الطبيب الكشكول الذى يستعمله بلاوعى أو فهم فهو فى يده طبلة مزعجة تصم الآذان وتصيب الجميع بالصمم، إنه بالفعل مفتاح سحرى من الممكن أن يفتح الجنة ومن الممكن أن يدخل بنا إلى كهف النار، وبالفعل كم من الجرائم أرتكبت تحت إسم العلاج بالكورتيزون، ولم أجد دواء ينطبق عليه بيت الشعر العربى الشهير "وداونى بالتى كانت هى الداء " أصدق من الكورتيزون، ففى كتب الطب باب كامل عن مرض إسمه "كوشينج " المسبب بكورتيزون الأطباء iatrogenic cushing syndrome وهو جريمة مكتملة الأركان يسرق فيها الطبيب عمر المريض مع سبق الإصرار والترصد وذلك بعد دفع الفيزيته والدعاء للطبيب بطول العمر وسعة الرزق !!، وأعراض هذا الكوشينج المرعب هى :
-زيادة عدد مرات الشرب والتبول.
-زيادة الشهية التى تصل لحد "الفجعة".
-زيادة الوزن .
-الضعف الشديد والتعب لأقل مجهود.
-فقدان الشعر وضعف نموه.
-زيادة صبغات الجلد مما يؤدى للون داكن .
-ضعف وضمور الجلد وإمتلاؤه بالكدمات.
-العقم.
-سهولة العدوى بالبكتيريا والفيروسات والفطريات.
[والسؤال العويص الذى أتوقع أن يسأله كثير من القراء هل دخلت سعاد حسنى نتيجة كثرة الكورتيزون أو خطأ الأطباء فى مبادئ هذا الكوشينج أو هذا المرض؟، بالطبع لاأستطيع أن أرجم بالغيب، ولكن الذى أستطيع أن أؤكده أن السندريللا ستحتل محاضرات وسكاشن كليات الطب كلما تحدث أحد الأساتذة عن الكورتيزون، كما يحتل حبيبها العندليب نفس الإهتمام حين يتحدثون عن تليف الكبد بالبلهارسيا، وهكذا أحياناً تحتل النجوم صفحات كتب الطب بدلاً من أغلفة مجلات الفن!
ومظلوم أيها الكورتيزون، ظلمك بعض البقالين وتجار الشنطة ممن يرتدون البلاطى البيضاء وهم يتاجرون بأقدس المهن الإنسانية، فأنت دواء سحرى ولكن فى يد من يفهمه ولايلجأ إليه كسبوبة أكل عيش، فى يد من يعرف كيف ومتى يعطيه بالجرعة المضبوطة؟وكيف ومتى يسحبه بالتدريج والتأنى؟، فالكورتيزون دواء أرجو ألا نتهمه ويصيبنا الرعب منه، حتى لو أدى لإنتحار سعاد حسنى وإعتزال الخطيب وثراء الطبيب فلان وسجن الطبيب علان!!.