سحر طه: حال الموسيقى العربية غير مبشر
منى كريم من الكويت: سحر طه صوت شرقي أولاً يملك الكثير من الشجن و الانطلاق . تعمقت كثيراً في الموسيقى و أنهت دراستها الموسيقية في بيروت حيث تقيم و تعمل كناقدة موسيقية . شاركت في العديد من المهرجانات و الأمسيات الموسيقية ، دون أن تنسى التحدث بصوت العراق الذي يسكنها كوطن و صوت .. هذا حوار حول سحر طه و شغفها :
رغم دراستك الموسيقية التي أتممتها في لبنان ، و عملك كناقدة موسيقية ، لكنك في الدرجة الأولى تتعاملين مع الإرث العراقي بشكل حميمي باعتباره مادة موسيقية راقية . كيف قدمت سحر طه هذا الإرث للآخر و بلمستها الخاصة ؟
-كما تعلمين فإن دراساتي الأولى في العراق انتهت مع نيلي شهادة الماجستير في إدارة الأعمال، لكني كنت منذ الطفولة أتشرب بالتراث العراقي الغني وأقدمه في كل المناسبات المدرسية ومن ثم في الجامعة، إلى أن انتقلت إلى لبنان في العام 1980، فكانت دراستي الموسيقية في الكونسرفتوار حيث تعلمت وقدمت أنواع الغناء العربي من طرب وموشحات وفولكلور وتراث تقليدي، لكن التراث العراقي بقي يعشش في داخلي وحين قدمته استحسنه الجمهور، في وقت كان الغناء العراقي في الثمانيات وبداية التسعينات غير متداول أو خجول الحضور جداً وهنا بدأت تقديمه من دون الأنماط العربية الأخرى لأني وجدت نفسي فيه وصوتي ينطلق بإحساس أكثر وتأثيره في المستمع أكبر من غناء العربي عموماً فكانت لي شخصيتي الخاصة بعد أن نهلت من كبيرات في الغناء العراقي أمثال سليمة مراد وبدرية أنور وزكية جورج وأخريات من دون أن أقلد إحداهن، إذ أن لصوتي خصوصية مختلفة عن الأخريات وأنا ابنة هذا العصر فقدمت ما يتناسب والذوق الحالي وما يؤثر بالمستمع المعاصر بعيداً من الإسفاف والاستسهال.
قدمتِ عدة قصائد شهيرة ، منها قصيدة " إلهي أعدني إلى وطني " للشاعر البياتي ، كيف كانت تجربتك مع هكذا قصائد رغم هذا النفور الموسيقي العام عن الشعر الفصيح خاصة العميق منه ؟
- قصيدة "إلهي أعدني إلى وطني عندليب" للبياتي" لحنتها العام الماضي وقدمتها في عدة أماكن ومسارح، كانت جسراً بيني وبين ذوق الشباب الحالي إضافة إلى أنها متنت علاقتي بجمهوري الذي اعتاد سماع مواويلي وأغنيات التراث العراقي، وسبب إقبال الشباب على طلب الأغنية وسماعها أنني وضعتها بأسلوب يقترب مما يسمى اليوم بالجاز الشرقي، لكنه في الحقيقة نمط يستخدم في غناء المقام العراقي حيث التقاسيم الموسيقية تجري على خلفية الإيقاع وموال في قلب الأغنية، وخاصة أني اخترت لها مقام الحجاز المؤثر والشجي مع صوتي الذي ينطلق بكل الحزن العراقي، لكن مع إيقاع متحرك، والشعر فصيح لكنه قريب جداً من الذائقة العامة، وحين تلامس الكلمات المشاعر، فإنها تصل إلى القلب، وبالتالي فإن النفور من الشعر الفصيح والقصيدة العربية مفتعل، وهناك ردة إلى القصيدة بدأت مع الفنان كاظم الساهر حين بدأ التلحين للقصائد عامة منذ بداياته قبل التلحين للشاعر الراحل نزار قباني.![]()
سحر تدمع عيناها خلال مؤتمر عن المرأة العراقية
قال عنكِ أحدهم أنك ِ كنت تسمحين لنفسك أن تنمو بسلام قبل الخروج إلى ضوء الشهرة ، هل هو الخوف أم التأني الذي قادك إلى هذا الاختباء المؤقت ؟
-لم يكن قرار الخروج إلى الضوء سهلاً بسبب العادات والتقاليد في بلدي العراق، حيث لا تزال النظرة إلى المغنية نظرة دونية وفيها الكثير من عدم الاحترام، وخاصة أنه لم يكن في عائلتي فنان أو فنانة، رغم تشجيعهم لي بممارسة هواية الغناء أثناء دراستي العادية، وليس الامتهان، لكن بتشجيع من زوجي الإعلامي سعيد طه بدأت أنتقي أماكن ظهوري أو الغناء في مناسبات وأماكن تعتبر من ضمن النشاطات الثقافية حتى أطلقت علي الصحافة في وقت ما لقب "المطربة المثقفة"، وما زلت سائرة على النهج نفسه، فلم تتغير مبادئي تحت أي نوع من المغريات. وما زلت أعتبر الغناء رسالة وثقافة وحاجة وضرورة من أجل التغيير إلى الأفضل والتأثير بالروح الإنسانية والإحساس بآلام الغير والموسيقى عموماً أجمل وسيلة للتعبير.
عن العراق و ألمه .. عن دمعتك العلنية التي سقطت ذات مرة بينما تغنين " يا طير الرايح لبلادي " .. عن كل الشجن ، ماذا تقولين ؟
- جرح العراق عميق مزق داخل ووجدان كل عراقي بل كل عربي لذا فإن الشجن سيبقى هو الميزة الأساسية التي تميز العراق وغناءه إلى الأبد، فما من فرح سوف يمحو آثار اليد الهمجية التي دمرت آلاف السنين من الحضارة وسلبتنا أجمل بلد وسلبتنا الكرامة والإنسانية، ورغم أن البكاء لن يعيد ما سرق ودمر إلا أن الجرح مؤلم جداً ولطالما بكيت وأنا أغني هذه الأغنية وغيرها، لكن أيضاً هذا البكاء يغسل الروح من الحقد ويهدئ الغضب ويجعلنا نفكر كيف نستطيع أن ننهض بعراق جديد، والأهم تعليم أولادنا والأجيال المقبلة الحفاظ على هويتهم العربية.
سحر طه ناقدة موسيقية و تعزف على العود و تغني بروح المطرب الشرقي العتيق .. هل يعني ذلك أنك تأخذين خط الالتزام الفني كذاك الذي يسلكه مارسيل خليفة ؟
-قد يكون كذلك. فالالتزام بالأصالة والوطن والعروبة والشرقية والهوية بكل عناصرها، كلها مبادئ نلتقي بها مع الفنان الكبير مارسيل خليفة وغيره مثل أميمة الخليل وسمية بعلبكي على سبيل المثال.
ما رأيك بما تمر به الموسيقى العربية من إرهاصات بشكل عام ، و الموسيقى العراقية بشكل خاص ؟
-الحال غير مبشرة، لكن لن تدوم بالتأكيد، ولا ندري الفترة الزمنية التي ستستمر بها ودعينا نأمل أن لا تطول، لكن من يتابع الحركة الموسيقية البعيدة عن الإعلام والضوء يجد فيها الكثير مما يثير الغبطة والدهشة والتفاؤل بأن الموسيقى بألف خير يكفي أن نسمع مؤلفات لشباب مثل شربل روحانا أو عمر منير بشير أو كلود شلهوب وبول سالم وغيرهم بالعشرات لكنهم خارج دائرة الإعلام المرئي الاستهلاكي.
ماذا تمثل لك بيروت الآنية .. ماذا تمثل لك بغداد العتيقة ؟
-أشعر بالخوف على بيروت الآنية من الكثير من التيارات السياسية والتغريبية والمستقبل يبدو غامضاً، لكن بيروت تبقى أم التناقضات، تارة تحمل الشعلة وتنطلق بها وطوراً تكبو، إلا أنها جميلة بتناقضاتها. أما بغداد العتيقة فيا لهفي عليها.. ولوعة قلبي إذ يعتصر ويدمى وأنا أتذكرها فهي اليوم أشبه بالأطلال ولا أمان فيها، إذ جعلوها ساحة للصوص والإرهابيين والقتلة يترصدون العراقي في كل زاوية، وإعادة القليل من كرامتها وعزتها وجمالها يحتاج إلى الكثير من السنين والقدرات، نأمل من العالم كله أن يتركوا العراقي لعراقه يبنيه بنفسه، ويعيش بسلام.
كلمة أخيرة ؟
- أخيراً شكراً لموقعكم الرائع وجهودكم في وضع كل جديد بين أيدي متصفحيكم وقرائكم.
الرجاء ممن يرغب في إلقاء نظرة عن قرب على سحر طه أن يزور موقعها بعد أسبوعين من الآن حيث يجري تحديث القديم وهو:
www.sahartaha.com
e-mail: [email protected]




التعليقات