القاهرة - طه عبد الرحمن: في أمسية رمضانية، وفي أول صالون لطه حسين في الموسم الثقافي الأول لمتحف طه حسين للعام الثاني على التوالي، نظم المتحف صالون الأربعاء حول “طه حسين متجددا”، وكان المتحدثان الرئيسيان فيه هما المفكر المعروف محمود أمين العالم والدكتورة منى طلبة أستاذة اللغة العربية في الجامعة الأمريكية في القاهرة.

ولم يختلف المتحدثان على أن اسهامات عميد الأدب العربي لا تزال حاضرة إلى اليوم من خلال أبحاثه ودراساته وكتبه التي أثارت قدرا كبيرا من النقاش والجدل في أحيان كثيرة. وتناول اللقاء الذي جرى “مساء الأربعاء” علاقة طه حسين الحميمة مع أبي العلاء المعري، واختياره محورا لرسالة الدكتوراه، فضلا عن حقيقة تقلباته الفكرية وانتماءاته السياسية.

وبالقدر الذي يتحمس فيه محمود أمين العالم لفكرة الثورية وإيقاظ الوجدان العربي لرفع الظلم وتحقيق المساواة عن كاهل الشعب العربي، أراد أن يخلص إلى أن طه حسين نفسه كانت لديه هذه التطلعات نفسها، في الوقت الذي حرصت فيه الدكتورة منى طلبة على أن تؤكد أن فكره كان قائما على الثبات والتحول، فضلا عن حرصه على تقسيم مراحل البحث والتأليف إلى مراحل ثقافية وليست تاريخية، كما كان يفعل الأقدمون. وفي تحليل لحياته الأدبية، أكد العالم أن طه حسين كان مفكرا عمليا ولم يكن مفكرا نظريا أو تجريديا، وأن العقل عنده كان تنويريا ولم يكن تاريخيا، وأن ما يثبت ذلك إعداده لرسالة الدكتوراه عام ،1914 والتي أنجزها عن “أبي العلاء المعري”، واتخذ فيها رؤية عقلية جدية، بعيدا عن الرؤية الأصولية. حسب وصفه.

ويقول العالم “إنه لم يقتصر على تحليل شعر “أبي العلاء” بل راح يغوص في حياته السياسية والفكرية، وربطه بالواقع والنسيج المتشابك، في الوقت الذي كان حريصا فيه على تفريغ الشحنة الجبرية التي كانت تقيده، ولذلك كان توجهه منهجيا دون التخلي عن عقليته وصرامته”. وتعرض العالم لتأليف طه حسين لكتاب “الشعر الجاهلي” في العام ،1926 والذي وصفه كما هو معروف بالقنبلة الموقوتة، حيث لم يكن كتابا معاديا في تاريخ الأدب، ولكنه، حسبما يرى، كان كتابا في المنهج، ولم يقف عند الشعوبية والدينية، ولكنه دخل إلى بنية النص من داخله، حتى جمع بين صرامة الوقائع التاريخية، والإقرار العقلي للأيديولوجية، وكان نتيجة لذلك أن ارتفعت لديه الدلالة التاريخية على الحسية، واتسعت عنده العقلانية التاريخية على العقلية القديمة.

ويرى أن كتاباته في حقبة الأربعينات كانت أكثر تعبيرا عن هذه العقلانية، وكان أبرزها كتابه الشهير “مستقبل الثقافة في مصر”، والذي اعتبره العالم كتابا تاريخيا وليس تعليميا، فضلا عن أنه يطرح رؤية مستقبلية للثقافة، مخططا لها، كما أن المتأمل فيه تبرز له عقليته العملية والتاريخية، وأنه لا مستقبل للثقافة إلا بالتعليم والتخطيط.

ويقول العالم “في هذه الفترة ظهرت معارك فكرية وثقافية عديدة، تبين منها أن أفكاره كانت تحريضية ضد الواقع السائد آنذاك، وهو ما يظهر في مطالبته بالعدل الاجتماعي عبر كتاباته “المعذبون في الأرض”، “الوعد الحق”، و”مرآة الضمير”، ودعوته في هذه الإسهامات للأداة السياسية، التي كشف عنها حبه لحرية الرأي، وليس للديمقراطية المحافظة أو الاشتراكية الفاترة.

ويضيف “ان كتاباته كانت تعكس في هذه الفترة الواقع المصري في بداية الخمسينات، والدفاع عن قيم الحرية والعدل، حتى إن دراساته الأدبية كان يربطها بواقعه المجتمعي، حيث لم تكن رؤيته للتاريخ ذات عقلية جامدة، ولكنها كانت رؤية شاملة ديناميكية، تنقد الحاضر نقدا تاريخيا مستندا إلى قراءة عقلية في التراث الإسلامي، للوصول إلى مستوى حضاري عصري”. وفي تفسيره لما قد يلاحظه البعض على طه حسين بأن لديه نفعية أو انتهازية، ظهرت في اتهاماته بالبراجماتية والانتقال من حزب إلى آخر، دافع محمود أمين العالم عن عدم انتهازية أو براجماتية طه حسين، عندما أكد أنه لم يكن متناقضا، وأن تطوره الفكري كان متوافقا مع الواقع المصري نفسه، وظل كذلك حتى وفاته في العام 1973.

ويضيف العالم “ان تنقله بين الأحزاب لم يكن إقرارا منه بأفكارها، بل إن ارتباطه بها كان محدودا، ليس ارتباطا عضويا أو فكريا، وان البعد السياسي كان واضحا في سلوكه، متطلعا إلى واقع عربي متفتح رافض للهيمنة وقوى العدوان والاحتلال، في الوقت الذي تأثر برؤيته النقدية والتاريخية كثيرون مثل جابر عصفور، لطيفة الزيات، عماد الدين خليل، محمد جابر الأنصاري.

ومن جانبها اعتبرت الدكتورة منى طلبة ان طه حسين كان مطورا لنفسه، ومجددا لها، فضلا عن أنه وضع العديد من الخطط للبحث والتأليف، فهو أول من وضع خطة للبحث، وليس بطريقة الاستطراد كما كان في النقد القديم بتوالي الموضوعات بشكل تقليدي.

كما أنه حسب رأيها أول من وضع الأسس الأولى للمنهج والجمع بين المنهج العربي القديم والمنهج الغربي، حتى إنه جمع بين المنهجين، واستطاع إعادة النظر في تاريخ الأدب العربي، واقتراحه لأفكار في البحث والتراجم، واعتماده في الأخيرة على الحكايات، على نحو ما كان يفعل مع “أبو العلاء المعري”، عندما كتب حياته، فاستند فيها إلى حكايات من أقوال ابن كثير وناصر خسرو وغيرهما، وذلك بأسلوب الحكي، حتى كان ذلك أشبه بالحوليات. وتقول طلبة “رغم النقد الموجه إلى كتاب “أبو العلاء”، إلا أنه حاول شده إلى مجال أوسع في أثناء الحديث عنه، لكي يصل إلى الفكر الإنساني، ولفت الانتباه إلى صياغة العرب في الفكر الإنساني، فضلا عن أنه تعرض لدراسته كصديق، ورآه حيا معاصرا، فحرره من قيود الفكر اليوناني الفلسفي، واستطاع وضع لبنات منهج التأويل، وإحداث التواصل بينه وبين (أبو العلاء)”.