تنشر «الأحداث المغربية» سلسلة جديدة من مذكرات/ اعترافات عضو المخابرات السابق، أحمد البخاري، التي خصصها لرواية وقائع شارك فيها أو عايشها وتوصل بمعلوماتها من صانعي تلك الأحداث مباشرة. ويتعلق الأمر في هذه السلسلة بما عاشه المغرب من تطورات ومخاض سياسي أواخر الخمسينيات والستينيات، ركز خلالها على الأسلوب الذي تم به تدبير الصراع السياسي آنذاك وتجلى في عمليات قمع بوليسية ضد أقوى الحركات السياسية آنذاك، وهي حزب القوات الشعبية، الذي دبرت ضده سلسلة من المؤامرات، تجسمت في اتهام عدد من قيادييه ومناضليه بتدبير مؤامرات ضد النظام، اعتبرها البخاري مؤامرات ضد ذلك الحزب، وقدم الوقائع والأدلة التي يثبت بها ذلك. وهذه الشهادة التي يقدمها البخاري، تشكل بلا شك مساهمة في قراءة صفحات من ماضينا الذي تشوبه ظلمات القمع البوليسي للعمل السياسي، وهي شهادة متميزة لكونها صادرة من واحد ساهم في القمع وخالط منفذي العمليات البوليسية، غير أنها تبقى شهادة فرد من زاوية خاصة قد لا تقدم الحقيقة من كل أبعادها. وإذ ننوه بأننا لا نتبنى كل ما يقدمه البخاري من معلومات ومعطيات، فإننا نفتح المجال أمام كل شخص وردت عنه معلومات خاطئة بأن يقدم التوضيحات الضرورية التي نلتزم بنشرها شريطة أن تصدر عن المعني بالأمر، كما لا نحتاج لإثارة انتباه القارئ اللبيب للتمييز خلال هذه المذكرات/الشهادة بين ما هو معلومات مستقاة من المعاينة والاتصال بالفاعلين، وما هو انطباعات شخصية وتقييم خاص بالبخاري لشخصيات وأحداث ...
أحمد بنسودة: كان زعيما سياسيا في حزب الشورى والاستقلال وأحد أكبر المقربين المتعاونين مع الملك الحسن الثاني لمدة طويلة. سبق له أن شغل منصب مدير ديوان الملك، وأن كان وزيرا عدة مرات خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ومستشارا للملك سنينا طويلة. كان يعتبر المهدي بنبركة أحد خصومه الكبار. كما كان شريكا كبيرا للجنرالين محمد أوفقير والمذبوح بين 1955 و1972، وشريكا كذلك لرجال الكاب1 بين 1960 و1973 ثم الديستي بين 1973 و1990و للمحجوبي أحرضان وعبد الكريم الخطيب. أسهم هو الآخر في سقوط الحكومات المذكورة سابقا إلى جانب أحمد رضا اكديرة. كما أسهم في تفجير حزب الاستقلال سنة 1959 وفي انفصال حزب المهدي بنبركة عن الاتحاد المغربي للشغل سنة 1962. وأسهم، كذلك، في التخطيط والتحضير لجميع المؤامرات التي حيكت ضد الاتحاد الوطني باعتباره كان أحد المقربين من دائرة المخزن، وبالتالي، فهو يعرف الكثير عن جميع الجرائم السياسية التي شهدتها البلاد، شأنه في ذلك شأن اكديرة، لاسيما منها جريمة اغتيال المهدي بنبركة وعمر بنجلون. كان كذلك عالما بجميع الاختطافات وحالات التعذيب والاحتجاز وبمراكز الاعتقال السرية مثل دار المقري وغيرها. لعب هو الآخر دورا كبيرا في تزوير الانتخابات خلال السبعينيات والثمانينيات.
عبد الهادي بوطالب: كان من زعماء حزب الشورى والاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى جانب المهدي بنبركة لبضعة أشهر سنة 1959- 1960، قبل أن يغير مذهبه وينضم، نهائيا، إلى الصف المقابل ضمن المحيط المقرب من المخزن. سبق له أن كان وزيرا عدة مرات خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ثم مستشارا للملك الحسن الثاني سنينا طويلة. كان المهدي بنبركة واحدا من خصومه الكبار، وليس عدوا له، لفترة دامت عشر سنوات، بين 1955 و1965. أسهم، هو كذلك، في سقوط حكومة عبد الله ابراهيم في شهر ماي 1960 وفي التحضير للإنفصال بين الاتحاد الوطني والاتحاد المغربي للشغل. متورط هو كذلك في المؤامرات التي دُبرت ضد الاتحاد الوطني. وباعتباره كان أحد المقربين من المخزن لمدة 35 سنة تقريبا، فإنه يعرف تفاصيل الجرائم السياسية المرتكبة في البلاد، بل إن له نصيب من المسؤولية في تزوير الانتخابات وفي معرفته بمراكز الاحتجاز والاعتقال والتعذيب السرية بالبلاد..
المحجوبي أحرضان: كان ضابط صف في الجيش الفرنسي، من محدودي التعلم باعتباره لم يحصل في حياته إلا على «دبلوم» واحد، هو عبارة عن شهادة الدروس الابتدائية في سن الثامنة عشر. كما كان واحدا من المخبرين المتعاونين مع جهاز السديك الفرنسي بالمغرب منذ العام 1948 . فخلال الجزء الثاني من سنة 1955، نصحته مصالح هذا الجهاز ب «تكوين» جيش تحرير مغربي مزيف لخلق البلبلة بين زعماء قدماء المقاومين وزعماء أعضاء جيش التحرير، علما بأن أعضاء هذا الجيش لم يسبق لهم أبدا أن قاوموا الاستعمار. رغم ذلك، فقد عمل أحرضان وعبد الكريم الخطيب على استقطاب آلاف الفلاحين وأمازيغ الأطلس ليصبحوا أفرادا في هذا الجيش الوهمي، الذي لم يحارب البثة. إلا أنه استغله ليجعل منه وسيلة لمقايضة الملك محمد الخامس والأمير ولي العهد بعد عودتهما من المنفى. موازاة مع ذلك، وبداية من شهر نونبر 1955، وضعت مصالح الاستخبارات الفرنسية، السديك، حوالي عشرين مخبرا في المحيط القريب من الملك والأمير من الذين كانوا ضباط صف في الجيش الفرنسي. من بينهم أذكر أحرضان وأوفقير والمذبوح ومولاي حفيظ العلوي والحسن الدليمي. بعد ذلك بقليل، عين الملك محمد الخامس المحجوبي أحرضان كأول عامل عن إقليم الرباط ـ سلا، قبل أن يعينه وزيرا للدفاع الوطني ووزيرا للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية. لقد كان أحرضان شريكا كبيرا لأحمد رضا اكديرة بين 1955 و1990 وأحمد بنسودة، وشريكا كذلك لمحمد الغزاوي والشرطة السياسية بين 1956 و1960، والجنرال أوفقير والمسؤولين في الكاب1 بين 1960 و1973، وادريس البصري والمسؤولين في الديستي. أسهم أحرضان بنصيب كبير مع الشرطة السياسية في التحضير لاغتيال زعيم جيش التحرير المغربي بالريف، عباس المساعدي سنة 1956، وفي تحضير الجرائم التي ارتُكبت في حق مناضلي حزب الشورى والاستقلال وفي حق العديد من المقاومين القدماء من قبل الشرطة السياسية بين 1956 و1960. كما أنه أسهم على نحو واسع في الانشقاق الذي حدث داخل حزب الاستقلال وفي فك الوحدة بين الاتحاد الوطني والاتحاد المغربي للشغل بانضمامه إلى صف المخابرات السرية كمخبر متطوع لخدمتها. أسهم. كذلك، في إسقاط حكومتي امبارك البكاي، الأولى والثانية في العام 1958 وفي سقوط حكومة أحمد بلافريج في نونبر من العام نفسه، وحكومة عبد الله ابراهيم في ماي 1960 باعتباره كان متعاونا مع مصالح المخابرات ومع رضا اكديرة وأصحابه. بهذه الصفة كذلك ساهم أحرضان في التآمر ضد المهدي بنبركة لتصفية حساباته الشخصية معه ومع رفاقه، وفي جميع الضربات التي وُجهت للاتحاد الوطني. إذ كان يعتبر زعيم المعارضة المغربية عدوه الكبير، بل لم يتردد في دفع مبلغ مالي مهم لمجرم من رجال الأمن لاغتيال المهدي بنبركة.. كان ذلك في سنة 1957 بالرباط. كما أسهم بشكل واسع، إلى جانب رضا اكديرة، في تأسيس حزب الفديك، وفي تزوير الانتخابات خلال السبعينيات والثمانينيات. وإلى غاية اليوم (2004)، وقد بلغ الثمانين سنة، مازال المحجوبي أحرضان متشبثا ب «وجوده» في المشهد السياسي على رأس حزب الحركة الوطنية الشعبية، الذي سبق أن أسسه رفقة شريكه عبد الكريم الخطيب قبل أن يحدث الطلاق بينهما. فقد رمى أحرضان بالأخيرخارج الحزب سنة 1960، قبل أن يُرمى بدوره خارجا، سنة 1983، من قبل امحند العنصر، زعيم الحركات الشعبية منذ عشرين سنة.
عبد الكريم الخطيب، دكتور في الطب. كان أحد قدماء زعماء جيش التحرير المغربي، على الورق طبعا، وليس على الواقع. استغل حركة المقاومة وجيش التحرير، شأنه في ذلك شأن أحرضان، كمطية للتفاوض مع الملك محمد الخامس والأمير مولاي الحسن بعد عودة العائلة الملكية من المنفى. بهذه الصفة المزيفة استطاع عبد الكريم الخطيب، هو الآخر، أن يصبح واحدا من المقربين إلى الملك بمساعدة جهاز السديك الفرنسي بالمغرب، ومن ثمة نجح في أن يجعل صفته تلك «أصلا تجاريا» مسجلا باسمه لدى القصر. وبذلك صار «الصديقان» الشريكان مخاطَبين للقصر لا محيد عنهما، بل نصبا نفسيهما زعيمين حقيقيين للمقاومة وجيش التحرير!! فاحتكرا بالتالي هذا الحق، الذي كان عنوانا لأكذوبة كبيرة ومؤامرة واستغلال للنفوذ. فقد فرض الخطيب وأحرضان دكتاتوريتهما بين صفوف المقاومين وأعضاء جيش التحرير. في مقابل ذلك وعدا، سنة 1955، الملك محمد الخامس وولي العهد بتجريد المقاومين وأعضاء جيش التحرير من السلاح والالتزام بإدماجهم في سلك الأمن الوطني وفي صفوف الجيش الملكي. لكن وأمام المقاومة التي أبداها المقاومون وأعضاء جيش التحرير القدامى لذلك الوعد، الذي كان يروم مواجهتهم بالأمر الواقع، ذهب «الزعيمان» إلى اعتبار هؤلاء ثوريين مسلحين وخونة خارجين عن القانون.. وبالتالي وجب التخلص منهم في أقرب الاجال الممكنة، لاسيما أن قدماء المقاومين هؤلاء وأعضاء جيش التحرير طالبوا بالتفاوض المباشر مع الملك.. أمام هذا الذي حصل، انضم بعض زعماء جيش التحرير إلى صف الخطيب وأحرضان للعب أدوار ثانوية ورمزية لاستغلال الوضع وتحقيق أهدافهم الشخصية والاغتناء السريع، بينما فضل آخرون أمثال محمد بنسعيد آيت إيدر وأوجار، المعروف بسعيد بونعيلات، مواصلة الكفاح المسلح في جنوب المغرب ضد القوات الاستعمارية الفرنسية والإسباينية بغية تحرير جميع الأقاليم الصحراوية المغربية. في الوقت نفسه، عُين بعض زعماء جيش التحرير، مثل عبد الله الصنهاجي، عمالا على بعض الأقاليم المغربية وباشوات وقيادا وقضاة رغم محدودية معرفتهم وتعلمهم، ورغم أن البعض منهم كان أميا تماما. من جهته، رفض زعيم جيش التحرير في الريف، عباس المساعدي، دكتاتورية الخطيب أحرضان والأمر الواقع الذي كان يسعيان إلى فرضه عليه، كما رفض عرضا ماليا مغريا من المخزن وفضل الاستمرار في حمل السلاح ومواصلة القتال إلى جانب الجزائريين إلى أن يحصلوا على استقلالهم. في هذا السياق، تعاون أحرضان والخطيب، اليد في اليد، بين 1956 و1960، مع محمد الغزاوي والشرطة السياسية لتصفية عباس المساعدي لأنهم اعتبروه «منتفضا» ضد السلطة، وتصفية مئات المقاومين أمثاله، من الذين وصفوهم بذلك الوصف.. تعاونوا كذلك للتحضير لأول مؤامرة ضد الاتحاد الوطني (1959 ـ 1960)، ولاعتقال عشرات المقاومين. كما تعاونا مع رضا اكديرة ومحمد أوفقير والدليمي والمذبوح ومع مصالح الكاب1 في كل ما خططوا له من مكائد.. وقد أسهم الخطيب، بدوره، في سقوط الحكومات المذكورة إلى جانب صانعي هذا السقوط الذين ذكرت أسماءهم آنفا. يمكن القول إن عبد الكريم الخطيب كان قد أصبح ملكيا أكثر من الملك، مبتغاه في ذلك الاغتناء السريع على حساب قدماء المقاومين وقدماء أعضاء جيش التحرير، وإقصاء كل من من شأنه أن يعوق سيره في هذا الاتجاه. إذ لم يتورع عن التعاون الوثيق مع العناصر المخابراتية المكلفة باختطاف واغتيال المقاومين السابقين المصنفين ضمن خانة الخطيرين، المنتفضين من قبل الشرطة السياسية ومن قبل عناصر المخابرات المغربية في الكاب1بين 1960 و1973 على عهد أوفقير والدليمي والأخوين العشعاشي . تعاون كذلك مع ادريس البصري ومحمد العشعاشي في الديستي بين 1973 و1999. في هذ السياق دائما، ظل الخطيب يعتبر المهدي بنبركة رجلا سياسيا ثائرا، يشكل خطرا على الملكية في المغرب واستقرار البلاد.. وهو إذ يلعب دور المحب الكبير للملكية، فإنه لم يكن يخدم إلا مصالحه وتنمية ثروته التي راكمها، بشكل خاص بين 1955 و1960 في إطار تقربه من القصر وبفضل القصر واستغلاله الأصل التجاري المزيف للمقاومة وجيش التحرير. ومازال الخطيب، وإن بلغ من السن ثمانين سنة، مؤثرا في المشهد السياسي؛ باعتباره مازال يتحكم في خيوط اللعبة كما عراب مافيا شاخ ولم يفقد زمام أمور مافياه ! إذ مازال يقف خلف تسيير حزب العدالة والتنمية، وتسيير شؤون قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير داخل المفوضية السامية التي تأسست مع بداية الستينيات بمبادرة من عناصر الكاب1 ( شعبة مكافحة الشغب) لإخراسهم نهائيا..
الجنرال أوفقير: كان مديرا عاما للأمن الوطني ورئيسا لجهاز الاستخبارات المغربي الكاب1 بين 1960 و1971، بعد أن كان مخبرا يعمل لمصلحة السديك الفرنسي ضمن المحيط القريب من الملك محمد الخامس والأمير مولاي الحسن. كما كان مخبرا يعمل لمصلحة الموساد الاسرائيلي منذ العام 1948، ومخبرا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية منذ العام 1960. تعاون على نحو كبيرمع أحمد رضا اكديرة منذ سنة 1955. شغل، كذلك، منصب وزير الداخلية بين غشت 1964 ويوليوز 1971 و16 غشت 1972. كان محمد أوفقير، قبل هذا وذاك، رجلا عسكريا محدود التعلم والاطلاع المعرفي، إذ لم يتجاوز تحصيله شهادة الدروس الابتدائية قبل أن ينخرط في الجيش الفرنسي. وباعتباره واحدا من الذين كانوا مقربين إلى الدائرة المقربة من القصر، فقد كان من أكبر المتعاونين مع المخزن بين الفترة الممتدة بين 18 نونبر 1955 و16 غشت 1972، تاريخ "انتحاره"، المشوب بالألغاز، في القصر الملكي بالصخيرات. كما تورط في جميع الجرائم التي شهدتها البلاد طيلة الفترة التي عمل فيها مع المخزن المغربي، أي طيلة 17 سنة.. فقد خدم احمد رضا اكديرة من خلال العمل على ضمان فوز حزب الفديك بانتخابات 17 ماي 1963 المزورة. كان حينها في رتبة كولونيل. إذ أعطى تعليماته إلى الكاب1 بتكوين الكومندوهات التي تحدثنا عنها سابقا، كما وجه تعليماته إلى جميع المصالح الأمنية لتسهل عمليات النسف والترهيب التي قامت بها مليشيا الفديك، وبعدم التدخل لردع عمليات تزوير النتائج وشراء الأصوات..












التعليقات