للوضع العمالي في البحرين خصوصية من بين كافة دول مجلس التعاون الخليجي، منذ أن كانت البحرين مركزاً للتجمعات العاملة في صيد اللؤلؤ وما رافق إصلاحات العشرين من القرن المنصرم من اضطرابات كادت أن تتسع لولا انهيار تجارة اللؤلؤ من جهة والتحولات الاقتصادية المتسارعة والمتصاعدة التي بدأت باكتشاف النفط عام 1932 من جهة أخرى ليبدأ العمال مسيرة أخرى في مطالبهم من أجل زيادة الأجور والسماح بتشكيل نقابات لهم وتحسين شروط العمل ومساواتهم مع العمالة الأجنبية التي بدأت تتدفق بوتيرة متصاعدة رغم كل الحديث عن البحرنة أو العربنة أو غيرها في هذه المنطقة.
وخلال العقود المنصرمة حقق العمال الكثير من المطالب الأساسية التي طالبوا بها، خاصة حق التنظيم النقابي، حيث جرت تحولات نوعية في هذا الميدان منذ أن جاء الملك حمد إلى سدة السلطة، وتشكلت النقابات العمالية وتوج العمال هذا المكسب بتشكيل الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في الرابع عشر من يناير 2004.
ومنذ أكثر من عقد يحتفل عمال البحرين سنوياً وبشكل علني ورسمي بعيد العمال العالمي الذي يصادف الأول من مايو، مسجلين ما تحقق وما يجب تحقيقه في الفترة القادمة، مما يمكن اعتباره مؤشراً على درجة الصراع المجتمعي والسياسي في الوقت ذاته.
وقد برزت خلال العام المنصرم اشكالية العمل النقابي وسط القطاع الحكومي، حيث تصر الحكومة على عدم السماح للعمال والمستخدمين في وزارات الدولة بتشكيل نقابات، في الوقت الذي يرى العمال ومعهم كل الحركة العمالية العربية والدولية أن موقف الحكومة مخالف لكل الاتفاقيات والمواثيق والحقوق التي تنص عليها مستويات العمل العربية والدولية التي تتضمن حق المستخدمين في القطاع الحكومي بتشكيل نقابات واتحادات لهم، كما نشاهد في الكويت مثلاً، وأصبحت هذه المسألة من قضايا الصراع بين وزارة العمل والاتحاد خاصة أن هناك العديد من النقابات المنضوية تحت لواء الاتحاد تعمل في القطاع الحكومي دون اعتراف رسمي بها، مع العلم بأن البعض منها قد وضع لبناته الأولى منذ الستينيات من القرن المنصرم كما هو حال نقابة عمال الكهرباء ونقابة عمال الصحة على سبيل المثال.
إلا أن من المستجدات في الصراع الدائر مع قوى المجتمع خاصة العاملين في الحقل السياسي هو مشاريع القوانين التي طرحتها الحكومة على المجلس الوطني (نصف المنتخب) التي أعادت إلى الأذهان قانون أمن الدولة السيىء الصيت، سواء قانون مكافحة الإرهاب أو قانون المسيرات أو قانون الجمعيات السياسية أو الأهلية، وهي مشاريع تنطلق من حرص الحكومة على لجم قوى المجتمع وتضييق الخناق على الحركة السياسية المعارضة ووضع كافة قوى المجتمع تحت تصرفها وتحت سيطرتها المطلقة مما اعتبرته القوى السياسية ردة كبيرة يجب حشد كل قوى المجتمع ضدها وإفشالها وتقديم البديل لهذه المشاريع الخطرة على مسيرة الاصلاح السياسي والاقتصادي والدستوري المطلوبة في الوقت الحاضر، هذا البديل الذي يرتكز على حق قوى المجتمع في تنظيم نفسها دون أي تدخل من قبل الدولة، كما هو الحال في كافة البلدان الديمقراطية، وهذا ما عبرت عنه مواقف سائر الأطراف السياسية والمجتمعية في المهرجان الخطابي الكبير الذي عقد في الثالث من ابريل المنصرم في مقر جمعية العمل الوطني الديمقراطي تحت عنوان دفاعاً عن الحريات العامة، الذي اعتبره المراقبون أبرز موقف موحد بين قوى المعارضة السياسية والحركة العمالية والمهنية والشخصيات الديمقراطية التي مثلها الوزير السابق، الدكتور علي فخرو.
ولايقتصر الأمر عمالياً على هذه المشاريع الخطرة التي ستكون لها انعكاسات خطرة عليهم، وإنما يتمد الأمر إلى مشروع الإصلاح الاقتصادي الذي طرحته شركة ماكنزي في بنوده المتعلقة بإصلاح سوق العمل التي تعاني من تدفق العمالة الأجنبية من جهة، ومن تزايد أعداد العاطلين وسط المواطنين وتدني الأجور وعدم مواكبة مخرجات التعليم لسوق العمل مما يقدم مبررات لأرباب العمل بجلب المزيد من العمالة الأجنبية التي أغرقت السوق وشكلت لها (لوبيات) ومافيات قادرة على التحكم بمفاصل الاقتصاد في البحرين.
وقد راهنت الحكومة خلال السنوات الثلاث المنصرمة على الصراعات داخل الحركة العمالية التي عكست الصراع بين القوى السياسية خاصة المقاطعة والمشاركة للبرلمان، لتعطيل الاندفاعة العمالية الموحدة وتفسح المجال أمام شخصيات قريبة من الحكومة في الحركة النقابية، إلا أن وعي الحركة السياسية بالمخاطر الكامنة وراء مشاريع القوانين المطروحة قد دفعها نحو فتح ملف التعاون الجدي بين بعضها البعض، حيث شهدت الأسابيع القليلة المنصرمة لقاءات مكثفة بين قيادات التنظيمات السياسية الفاعلة مما اعتبره البعض بداية مرحلة من تكاتف القوى السياسية لمواجهة استحقاقات الإصلاح الاقتصادي الذي يعبر في أحد جوانبه عن توجهات السلطة للانخراط في العولمة وشروط منظمة التجارة الدولية ومشاريع الاصلاح الأمريكي المطروح في المنطقة عموماً، التي تعد لها الإدارة الأمريكية بدقة خاصة مسألة العمالة الأجنبية وتوطينها في منطقة الخليج والحقوق النقابية لكافة العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي، مما يضع على عاتق الحركة السياسية والنقابية اضافة إلى المسؤولين أهمية دراسة هذه الملفات وتقديم الحلول الصحيحة لها، قبل أن نجد أنفسنا في دوامة أخرى من الاشكاليات التي أفرزتها فوضى التطور الاقتصادي الذي شهدته المنطقة بعد اكتشافات النفط.
التعليقات