تونس: عند تغطيتنا لفعاليات مهرجان قرطاج الدولي، استرعت انتباهنا مئذنة جامع العابدين المطلة على المسرح و الملقية بأضوائها البرتقالية وسط الفضاء الفسيح كأنها حارس أمين او شاهد على تاريخ قرطاج.
و كانت المئذنة النجم الوحيد الذي لا يأفل عن قرطاج، فيحضر نجم و يرحل آخر، و ينجح مطرب و يفشل آخر، و الصومعة راسخة، شامخة في هدوء و رصانة لا يحيرها هتاف المتفرجين و لا صراخهم.
و يقع جامع العابدين على ربوة "أوديون" بقرطاج في الضاحية الشمالية للعاصمة تونس، و تحيط به من كل الجهات الآثار الرومانية وهو على بعد أمتار من القصر الرئاسي.
ولعل في اختيار ذلك المكان بالذات لتشييد جامع العابدين دلالات عميقة، فقرطاج هي أهم مدينة تونسية ملأ اسمها العالم طيلة 28 قرنا وهو أول جامع كبير يقام في قرطاج منذ الفتح الإسلامي.
خصائص معمارية مستوحاة من الهندسة العربية الإسلامية:
استوحت الكفاءات التونسية التي أمنت بناء هذا الجامع، لتشييد هذا المعلم الهام، من الخصائص المعمارية للهندسة العربية الإسلامية، حتى يكون منسجما مع الطابع المعماري لأبرز المعالم الدينية بالبلاد التونسية.
و خلال شهر سبتمر من عام 1999 قرر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بناء الجامع الكبير بمدينة قرطاج و تابع بنفسه مختلف مراحل إنجاز هذا المعلم الديني الضخم الذي تواصلت أشغال إنجازه سنتين على مساحة 3 هكتارات.
ويتكون جامع العابدين من بيت الصلاة مساحتها 1500 متر مربع و صحن مسيج برواق مساحته 1500 متر مربع أيضا، يفتح على أبواب ضخمة قائمة في كل جهة ( 48 بابا من الخشب الرفيع المنقوش )، كما تحيط بالجامع من كل الجهات حدائق فضلا عن صحن خارجي مساحته 2500 متر مربع، ويبلغ ارتفاع مئذنة الجامع 75 مترا يمكن مشاهدتها على مدى 10 كلم من جميع الجهات.
إن مصير قرطاج ومئذنته و جامعه، هي أن تظلّ دائما و على امتداد العصور مشعة،تؤسس لقيم التسامح و الحرية و الديمقراطية في حوض البحر الأبيض المتوسط و في العالم بأسره، بعيدا عن التشنج و التطرف و الإرهاب.
ومن منطلق إيماننا بأن الهندسة المعمارية لشعب ما هي مرآة تعكس حضارته و تفكيره و ثقافته و معتقداته، فإن المعلم الجميل لجامع العابدين لا يمكن إلا أن يعكس خطابا دينيا يرتكز على معارف صحيحة تبصر بقيم الاعتدال و التضامن و الوسطية و"تحض على التقوى و ترتبط بالواقع و تنصهر في قضايا العصر".
إيهاب الشاوش
التعليقات