خلف خلف وبشار دراغمه من رام الله: العيد بهجة الصغار، عبارة يرددها الكثيرين، لكن هذه العبارة تختلف في فلسطين، فعندما تنظر في عيون الأطفال ترى فيها هموم الدنيا ومآسيها، وترى وجوها غاضبة وشفاها ترتجف، وأعصابا ممزقة وقلوبا مجروحة، فتدرك حجم المعاناة التي بات يعيشها هؤلاء الأطفال.
العيد في معناه الاجتماعي: يوم الأطفال يفيض عليهم بالفرح والمرح، ويوم الفقراء يلقاهم باليسر والسعة، ويوم الأرحام يجمعها على البر والصلة، ويوم المسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور، ويوم الأصدقاء يجدد فيهم أواصر الحب، ودواعي القرب، ويوم النفوس الكريمة تتناسى أضغانها؛ فتجتمع بعد افتراق، وتتصافى بعد كدر، وتتصافح بعد انقباض.
لأطفال فلسطين واقع خاص، وعيد خاص، ونحن ايضا كنا بالأمس ننتظر العيد بلهفة وشوق وكنا صغاراً وكباراً نحرص على شراء الجديد ونفرح به ومازالت تمر في البال صور للأطفال وهم ينامون ليلة العيد بثيابهم الجديدة من فرط سعادتهم بها أما اليوم فقد بهتت هذه الصور وانطفأ بريق (ثياب العيد) فلم نعد نفرح بالثوب الجديد ولا بالشمس التي كنا نتقلب طيلة الليل في انتظار أن نراها وهي تشرق مجللة بأضواء التكبيرات المهيبة القادمة من المساجد لماذا فقد العيد بهجته القديمة؟ هل السبب الاحتلال الإسرائيلي وسياسته بالقمع، والإغلاق، والحصار والقتل والتدمير، أم هل الأيام أصبحت متشابهة؟


أطفال فلسطين والعيد
الطفلة رولا عادل 8 سنوات تقول: كنا ننتظر العيد بلهفة ونتوق إلى الثوب الجديد قبل أن تأتي إسرائيل إلى مدننا، وتدمرها، وتسرق ألعابي، وتحرمنا من أن نلعب حتى في ساحات المنزل، فهي تدخل في كل يوم إلى المدينة.
الطفل محمود جهاد 12عاما تحدث إلينا عن استقباله للعيد قائلا: والدي معتقل من سنتين فكيف لي أن أفرح بعيد أو بغيره، ولا اعرف من سيشتري لي ملابس جديدة هذا العيد، هكذا تعبر جهاد في حديثه لنا عن مشاعره تجاه العيد،

وتشاركه الطفلة عايشه داود الرأي فتقول: وتشير إلى أن العيد اختفى بريقة، وحتى (العيدية) فقد كنا ننتظرها بلهفة وشوق أما الآن فلم تعد شيئاً ذا قيمة في ظل الاحتلال والحصار.
وضحكت الطفلة ليلي محمد عندما سألناها عن مشاعرها بقدوم العيد ثم قالت: اختفت سعادتنا منذ زمن، كان العيد زمان مفرح، لكن العيد لم يعد مناسبة للفرح، كان في الماضي عندما كان مرتبطاً بالثياب الجديدة.
الطفل علي ياسر 11عاما، التقيناه يعمل على "بسطه" اخبرنا بأنه يعمل منذ ثلاث اشهر، وذلك ليوفر لأخوته وله ملابس جديدة يوم العيد.
أما الشابة سعاد سلمان والتي التقيناها في محل للملابس، وكانت أجابتها عن استعدادها للعيد بأنها تعمل في هذا المحل، لاضطرارها شراء ملابس العيد لأطفالها.


رأي سلبي
وردا على ما يقال بأن العيد هو للملابس الجديدة علق الشاب مؤيد إبراهيم 23عاما بالقول: هذا أمر سلبي يعود لخطأ في سلوكنا وتصرفاتنا حيث تحولنا لمستهلكين لا نكف عن الشراء ولا نقاوم إغراء كل ما هو جديد ولهذا خسرنا الفرحة بهذا الجديد ولم نعد نفرح بها اشترينا لأكثر من دقائق.

وتشارك الشابة نهى لؤي برأيها قائلة (هناك اختلاف كبير بين عيد أيام زمان والعيد اليوم خاصة من الناحية الاجتماعية فقديماً كانت الأسرة الكبيرة تعيش في بيت واحد أو في بيوت متقاربة ولذا كانت الفرحة في الأسرة الممتدة كبيرة جداً.
وترى أم علي أن الفرحة كانت أكبر قياساً بالزيارات العائلية التي باتت اليوم تتم بصورة روتينية من باب الواجب واختفت تقريباً زيارات الجيران فلم يعد المرء يعرف جاره حتى لذة حلويات العيد اختفت بعدما بات الاعتماد على الخدم أو السوق في أعدادها هو الغالب حتى العيدية لم تعد ذات قيمة أمام المعروف المصروف الكبير الذي يحصل عليه الأطفال هذه الأيام.

الاحتلال ...السبب
ابو نهاد 46عاما يرجع سبب غياب البهجة للعيد إلى القمع الإسرائيلي المتواصل قائلا: كيف سيفرح الإنسان بعيد؟، وأولاده في داخل السجن، ومنذ سنه لم يراهم، ويتابع: العيد غادرنا من اليوم الأول الذي احتلت به إسرائيل أرضنا، وبتنا نسعى وراء لقمة العيش، والمحافظة على تمسكنا بما تبقى لنا من ممتلكات.
الحاج ابو جابر يقول: العيد هو الرئة التي تتنفس من خلالها كل دول العالم الإسلامي والعربي، إلا نحن يمر علينا العيد كيوم عادي، وأضاف: لكن رغم هذا سنبقى في هذه الأرض حتى يأذن الله لنا.

لكن للشاب سليم الشايب رأي مختلف فانه يرجع سبب غياب فرحة العيد لأسباب عديدة ومنها التلفزيون فيقول: نحن لم نعد نشعر بالفرحة فالتلفزيون أصبح يحكرنا في غرفة واحدة ولكننا كغرباء لا يتكلم أحدنا إلى الآخر أما الترابط والتواصل بين الأفراد فهو الذي يولد السعادة كما أن التليفزيون حولنا إلى مستهلكين فهو المسؤول عن العقلية الاستهلاكية التي تحكم معظم تصرفاتنا.


رأي علم النفس
يقول الخبير النفسي محمد عقل أن الاحتلال والضغط الذي يتعرض له المواطن من حصار وإغلاق هو السبب في ما يعيشه المواطن من إحباط، والعيد يأتي ليمر كزائر غريب على المواطنين.
ويتابع: كذلك هناك أسباب عدة أدت إلى سرقت فرحة العيد منها التفكك الأسراي، فهو قد لعب دورا كبيرا، في جعل المواطن يعيش بعزلة، وانطواء، فالشخص بات في زماننا يجلس لوحده طوال الوقت لسيطرة التكنولوجيا وضغط العمل على حياتنا، بدلاً من الاجتماع مع أسرته والاجتماع هو أهم مظاهر العيد وأكثرها قدرة على إسعادنا كما أن التلفاز هو المسؤول عن التفكك الأسري بالدرجة الأولى.
وكما أن أحدى بهجات العيد للصغار كانت شراء الألعاب والملابس الجديدة، لكن بات في أيامنا هذه كل شيء متوفر بعيد أو دونه.


كثرة الأعياد...السبب
الشاب محمد سعيد 25عاما يرى من جانبه أن الاحتلال هو الذي خطف فرحة العيد من وجوه الناس، لكن يرجع أيضا السبب إلى كثرة الأعياد التي بات يحتفل بها المسلمين، مثل عيد الأم وعيد الحب فتكرار هذه الأعياد والاحتفالات افقدنا فرحنا بالعيد الحقيقي الذي بات لا قيمة له.


تربية الابناء...الحل
يقول الشيخ عوض سليم أن تربية أبناءنا على هذه المناسبة الكريمة هي الحل، فيجب أن نجعلهم لا يفرحون بالعيد فقط لحصولهم فيه على الملابس، ولأنه يحمل لهم ثوباً جديدا، بل نجعلهم يحسون بالفقراء والهدف من عيد الأضحى هو مشاركة الفرحة للمسلمين الذين يعودون من زيارة بيت الله الحلال.
ويتابع الشيخ: في العيد أحكام تقمع الهوى، ومن ورائها حكم تغذي العقل، ومن تحتها أسرار تصفِي النفس، ومن بين يديها ذكريات تثمر التأسي في الحق والخير، وفي طيها عبر تجلي الحقائق، وموازين تقيم العدل بين الأصناف المتفاوتة من البشر، ومقاصد سديدة في حفظ الوحدة، وإصلاح الشأن، ودروس تطبيقية عالية في التضحية، والإيثار، والمحبة، وفي العيد تظهر فضيلة الإخلاص مستعلنة للجميع، ويهدى الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة، وكأنما العيد روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها.
وينهي الشيخ حديثه بالقول: مما يدل على عظم شأن العيد أنَّ الإسلام قرن كل واحد من عيديه العظيمين بشعيرة من شعائره العامة التي لها جلالها الخطير في الروحانيات، ولها خطرها الجليل في الاجتماعيات، ولها ريحها الهابّة بالخير، والإحسان، والبر، والرحمة، ولها أثرها العميق في التربية الفردية والجماعية، التي لا تكون الأمة صالحها للوجود نافعة في الوجود إلا بها.


ربما العام القادم
العبارة ليست لنا أو من نسج خيالنا، بل كانت جواب طفل فلسطيني، على سؤالنا له أن كان سيستعد للعيد أم لا، كانت أجابته لنا انه من المحتمل أن يستعد للعيد في العام القادم، مشيرا إلى أن العيد والاحتلال لا يتوافقان مع بعضهما البعض، ونقول نحن أن الهموم التي أمست تقع على كاهل كل طفل فلسطيني؛ جعلته يكبر قبل أوانه، وسلبته طفولته وحقه بالعيش كباقي أطفال العالم، وممارسة حياته الطبيعية في اللعب والتعليم، والفرحة حتى في العيد فالاحتلال الإسرائيلي لم يترك وسيلة إلا واستعملها لقمعهم وإرهابهم وتحويل حياتهم إلى جحيم.
ونقول عندما نرى أن الأطفال الفلسطينيين يستيقظون من نومهم باكرا في يوم العيد، للخروج من منازلهم إلى المتنزهات ولشراء الألعاب أو لزيارة أقاربهم، سيكون هناك عيد ليس لهم فقط، بل لكل إنسان فلسطيني يرزح تحت الاحتلال.