quot;الشعبيةquot; جرحت اثنين فانقطعت طريق أساسية ساعتين
رصاصات في لبنان تفتح الذاكرة على عداوات

الجيش اللبناني يحاول منع متظاهر من حرق الدواليب احتجاج
إيلي الحاج من بيروت: يتحاشى أهالي الناعمة وحارة الناعمة بكل الوسائل quot; جيرانهم quot; المسلحين الفلسطينيين من جماعة quot;الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ndash; القيادة العامةquot; التابعين لأحمد جبريل، المعتبر ضابطاً في الجيش السوري. فهؤلاء المسلحون المتمترسون في أنفاق حصينة تشرف على المنطقة من عل، ظلوا في مواقعهم العسكرية بدعم من القوات السورية بعد انتهاء الحرب، خلافاً لكل الميليشيات والتنظيمات الفلسطينية واللبنانية ، خارج إطار مخيمات اللاجئين وسلاح quot;المقاومة الإسلاميةquot;. وبعد خروج القوات السورية من لبنان استند مسلحو جبريل إلى تحالف غير مرئي بينهم وبين حلفاء لسورية وراهنوا على تعاطف فلسطينيي بقية التنظيمات ليتحدّوا الجيش اللبناني ويقتلوا أحد عمال المساحة المتعاقدين معه قرب الحدود اللبنانية السورية قبل نحو ثلاثة أشهر.
وصباح اليوم أقدم بعض مسلحي quot;الشعبيةquot; على إطلاق النار نحو سيارة كان فيها شرطيان بلديان تابعان لبلدية الناعمة كانا يجمعان رسوماً من مؤسسات ومعامل قرب تلال البلدة ، مما أدى إلى إصابة أحدهما مارون يزبك بجروح خطرة والآخر حنا الغصيني بجروح طفيفة. ونقلا إلى مستشفى المقاصد الإسلامية في بيروت ، حيث أفيد أن رصاصة من رشاش اخترقت رئة يزبك وتهدد حياته. وأخذت الإذاعات المحلية تبث نداءات للتبرع بالدم له ، لأنه من فئة نادرة . وأثار الحادث غضباً واستياء شديدين في الناعمة وحارة الناعمة ، وهما بحكم البلدة الواحدة ، فنزل عشرات الشبان والفتيان من الأهالي إلى جسر عند الطريق الدولية لا يبعد عن مطار بيروت الدولي أكثر من خمس دقائق وقطعوا السير في الاتجاهين بين بيروت وصيدا بالإطارات المشتعلة والحجارة.
وكان التحرك عفويا ًلم يلحق معه الأهالي على رفع شعارات ولافتات ، وعوّضوا بصيحات إحتجاج وصرخات تنادي بإخراج المسلحين الفلسطينيين من الأنفاق وتسلم السلطات الأمنية اللبنانية المنطقة. وعلى الفور ازدحمت السيارات في شكل خانق على طرقي الذهاب والأياب وحاولت دوريات أمنية إقناع المحتجين بالعدول عن خطوتهم تلك ، لكنها ما لبثت أن تركت للاتصالات السياسية أن تتولى الأمر. وهكذا كان، ولكن بعد ساعتين.
ويناصر أهالي الناعمة وحارة الناعمة عموما الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يترأسه النائب وليد جنبلاط ، أو حلفاء له. وكان أهالي هذه المنطقة المسيحيون قد تهجروا منها عام 1967 مع سقوط مدينة الدامور الساحلية المجاورة بأييدي الميليشيات الفلسطينية المؤيدة للسوريين ولا سيما منها quot;الصاعقةquot;، ولم ينفع غالبيتهم تأييدها للزعيم الاشتراكي الراحل كمال جنبلاط والد الرئيس الحالي للحزب النائب وليد، إذ كان على علاقة سيئة بالرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والد الرئيس الحالي لسورية بشار. ففي تلك البقعة على الشاطىء البناني تتقاطع الخلافات التاريخية والعداوات المتوارثة ، وكان ما يثير الخوف إلى أقصى حدوده صباح اليوم مشهد مسلحين فلسطينيين في جانب وقبالتهم مدنيين مسيحيين من دون حضور لقوى أمنية فاصلة ، فكيف إذا كان المشهد يستعيد إلى الذاكرة أيضاً صورة قطع مسيحيين الطريق الدولية بين بيروت وصيدا الذي جعل الدعوة إلى إزالتهم وبلداتهم عن الطريق تلقى قبولاً جارفاً في بيئات إسلامية واسعة خلال تلك الحقبة مما سمي quot;حرب السنتينquot;. صحيح أن كل شيء تغير كثيراً من ذلك الوقت، ولكن العقل بالكاديصدق أن المصادفة وحدها جمعت زمنيا هذا الحادث بافتتتاحية صدرت صباح اليوم لغسان تويني في صحيفة quot;النهارquot; عنوانها : حذارِ laquo;حرب آخرينraquo;لا يبقى بعدها لنا تاريخ ولا من يؤرِّخون!
اعتصام الاهالي وقطع للطريق احتجاجا على الحادث
أبرز ما تغير في الناعمة وحارتها منذ عامي 1975 ndash; 1967 انتماءات أهاليها. أولاً في المستوى الطائفي كانت الغالبية مسيحية فباتت الأكثرية إلى حد ما مسلمة بنتيجة الهجرة واختلاف نسب الولادات والتجنيس وبدليل أن الانتخابات البلدية الأخيرة حملت إلى مجلس المنطقة البلدي 8 مسلمين و7 مسيحيين ، وثمة اتفاق يحترمه الجانبان بأن تكون رئاسته مرة للمسيحيين ومرة للمسلمين . أما الاختلافات السياسية فلا تكاد تذكر . فبعدما كانت غالبية المسيحيين موالية لحزبي الكتائب والأحرار، تغلب لديهم منذ عودتهم الكاملة إلى بيوتهم وأراضيهم الموالاة لشخصيات سياسية ونواب خصوصاً قريبين من الحزب التقدمي الاشتراكي ، أو لحزب القوات اللبنانية الحليف المرتبط بوليد جنبلاط بحلف يزداد قوة ورسوخا يوما بعد يوم. إلى درجة بات ممكناً معها القول أن جنبلاط هو الزعيم الحقيقي لمسيحيي لبنان بعدما كانوا يعتبرونه الرجل الذي أنزل بهم أكبر نكبة في تاريخهم بنتيجة quot;حرب الجبلquot; التي أدت إلى تهجيرهم من النصف الجنوبي لجبل لبنان.
إنه لبنان ، عصي على الفهم لمن لا يفهم نفسيات الطوائف وتواريخها. كان يكفي جنبلاط في نظر المسيحيين أن يتصدى للهيمنة السورية والتدخلات الإيرانية والسلاح الفلسطيني المنفلش خارج المخيمات والمؤتمر بأوامر دمشق ليصبح عندهم بمنزلة حتى أعلى من زعيميهما التاريخيين كميل شمعون وبيار الجميل وليقرر زعيم quot;التيار الوطني الحرquot; ميشال عون أن الأفضل له ولتياره أن يحاول وفاقاً معه رغم اختلاف أطباعهما ونفور تكويني بينهما، بدل أن يواصل خطاً لن يوصله إلى مكان مريح مع quot;حزب اللهquot; وارتباطاته ومشاريعه الإقليمية الواسعة التي لا يستسيغها أنصار عون.
إنه لبنان والليلة ليلة عيد مما سرّع في فتح الطريق مجدداً. لكن فتح الذاكرة في هذه البلاد يثير ما هو أكثر من الخوف.