سلطان القحطاني من الرياض
: لم تثر عودة الداعية السعودي الشهير الدكتور عائض القرني إلى ساحة الدعوة الإسلامية،بعد أن كان قرر الاعتزال عنها إلى غير رجعة ، أي حماسة داخل الأوساط السعودية بمختلف توجهاتها ، سواءً أكانت إسلامية محافظة أو ليبرالية ، على الرغم من أن إعلان الاعتزال قد تسبب في إحداث ضجة ، وصلت بعد ذلك إلى أبواب صناع القرار في الحكومة السعودية ، واستدعت التدخل في إثناء الشيخ عن مغادرة الحياة الدعوية بعد أن أنفق فيها نصف عمره تقريباً. وكان الدكتور القرني قد حقق سابقة في تاريخ الكتاب السعوديين بعد أن تجاوزت مبيعات كتابه quot;لاتحزنquot; حاجز المليون نسخة تقريباً ، بعد أن طُبع بنحو خمس وعشرين لغةً، وهو الكتاب الذي يتسلى به الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في زنزاته ، إذ نقلت صحيفة quot;نيوز أوف ذي وورلدquot; في وقت سبق عن أحد محاميي صدام قوله أن صدام يمضي وقته في زنزانته حاليا بقراءة كتاب أرسلته له عائلته وهو quot;لا تحزن quot; Don't Get Sad.

وكان حاكم منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز ومساعد وزير الداخلية السعودية الأمير محمد بن نايف أكثر سياسيين سعوديين ألحا على الشيخ القرني لمراجعة قراره والعودة إلى الساحة الإسلامية ، وهي العودة التي تمت يوم أمس من خلال محاضرة ضمها جامع الملك خالد في غرب العاصمة الرياض ، حيث المسجد الذي كان إلى وقت قريب يحتوي أكثر دروس الشيخ الدينية التي دأب السعوديون على حضورها بشكل مكثف.

وفي قصيدة نشرتها صحيفة quot;المدينةquot; السعودية السبت 21-1-2006 تحت عنوان quot;قرار الجماهيرquot; أعلن الشيخ القرني العودة للعمل الدعوي. وذكر خلال تلك القصيدة أسباب ذلك، بجانب مرئياته لفترة التأمل التي اتخذها لنفسه لدراسة أمر العودة ، مستهلاً قصيدته بالشكر إلى الأمير سلمان الذي كان واقفاً معه خلال فترة الاعتزال المؤقت.

وبالمقارنة الأدبية ما بين قصيدة الاعتزال وقصيدة العودة فإن ثمة ما يفصل بينهما ، إذ قال ناقد سعودي لإيلاف اطلع على القصيدتينعن كثب أن القصيدة الاعتزالية كانت quot;أكثر صدقاً وحرقةquot; ، بينما جاءت قصيدة العودة التي جاوزت ستين بيتاً quot;باردة تخلو من العاطفة الصادقةquot;، وهي بالفعل كانت كذلك حسبما أجمع العديد من القراء.

واستعرض الشيخ القرني عضلاته الفكرية مطولاً خلال القصيدة جائلاً في حديث ظاهري عن تفرغه خلال العُزلة المؤقتة لقراءة سقراط والشافعي والمتنبي وفولتير وشكسبير وتولستوي وطاغور، وهي قراءة متشعبة الرؤى تُحسب لداعية مثل القرني الذي كان محسوباً على الصحويين المتشددين الذين برزوا كقوة مؤثرة في الساحة الداخلية السعودية منذ أوائل التسعينات من القرن الميلادي المنصرم.

وإذا كان القرني قد بدأ قصيدته الاعتزالية متغزلاً بمسقط رأسه بلاد بلقرن التي تقع في جنوب السعودية،فإنه آثر أن تكون قصيدة العودة مبدوءةً بالتغزل في نجد التي استقر فيها منذ نحو عقد وأكثر ، وشهدت بزوغ اسمه بشكل لم يعد يخفى على أي متتبع لشؤون الحركات السلفية في السعودية.

إلا أن الملاحظين لتصريحاته خلال اليومين الفائتين حول ظروف الاعتزال ومسبباته وجدوا تجاهلاً من قبله لرفاق دعوته ، وعلى الأخص الداعية الجهادي سلمان العودة الذي كان لا يذكر أحدهما إلا ويذكر الآخر، وذلك بعد الخلاف الذي نجم بين القرني ورفاقه الدعاة اثر صدور الفتوى التي تجيز كشف المرأة لوجهها ، وتراجعه عنه مُكرهاًُ بعد ذلك.

وعاد الشيخ القرني يوم أمس بقصيدة أسماها quot;قرار الجماهيرquot; ألقيت خلال تجمع حاشد من الجماهير التي ارتقبت عودته بفارغ الصبر،ووجه خلالها عدة رسائل دعوية.

نص القصيدة

خذ يا صبا نجد فضلاً وحي أفكاري

فنجد مرفأ ترحالي وإبحاري

ونجد جدّد فيها الحبّ وانبعثت

رسائل الشّوق تروي كلّ أخباري

ونجد مهبط آيات الجمال بها

ملاعب الحسن من سحرٍ وأشعار

رفقًا بقلبي يا نجد الهوى فأنا

متيّم لخيالٍ منك زوّار

لبّيك (سلمان) إكرامًا لدعوتكم

وللمحبّين من بدوٍ وحضّار

في نجد تبقى أمير المجد مبتهجًا

كأن مجدك فيها نصب تذكار

في دولةٍ نصر التوحيد أولهم

وسار أحفادهم في خير مضمار

شهر من الحبّ والآمال كنت به

في خلوةٍ بين أوراقي وأسفاري

وجدت نفسي بعد الهجر ساكنةً

وساءلتني عن عمدٍ وإصرار

قالت: أتعتزل الدّنيا وبهجتها

حسناء قد خطرت في عمر أزهار؟

فقلت: دنياي في حبرٍ وفي ورقٍ

مع صفوةٍ من مشاهيرٍ وأبرار

قالت: يقولون: ألقيت العصا تعبًا

وأنت في نصف عمرٍ بائع شاري؟

فقلت: كلاّ فلي في خالقي أمل

أعظم به من كريمٍ حافظٍ باري

قالت: فدعوتك الغرّاء هل نُسيت؟

وأين أحمد مع جبريل في الغار؟

فقلت: روحي فدا المعصوم واولهي

دمي ودمعي جرى حبًّا بتّيار

خويدم أنا للّدّين الحنيف وهل

للخادم العبد أن يأتي بأعذار؟

ومن أنا؟ ما قدري؟ وما عملي

الصّفر يوضع في خانات أصفار

وإنّما شرفي آي أرتّله

أو خطبة دبّجت أو قول مختار

قالت: فجلاّسكم من هم؟ وهل حفلت

تلك المجالس عن قومٍ بأخبار؟

فقلت: كان معي القرآن يبهجني

كذا الصّحيحان في أنسٍ وأنوار

و(لابن تيميةٍ) في عزلتي خبر

طارحته بأحاديثٍ وأسمار

وكان عندي في بيتي عباقرة

(كخالدٍ) و(ابن مسعودٍ) و(عمّار)

وقد جلست مع (المغني) فسامرني

و(لابن خلدون) تقعيد بمعيار

حتّى (أبو الطّيّب) الهدّار أمطرني

بشعره كهنّيء الغيث مدرار

وقد قرأت على (إقبال) ملحمةً

من شعره بين إيرادٍ وإصدار

وقد شكى لي (شوقي) ما ألمّ به

قيثارة عند عزف اللّحن قيثاري

و(الشّافعيّ) كتاب (الأم) في يده

يقول: خذه بآياتٍ وآثار

و(لابن حزمٍ) معي ذكرى مورّقة

(طوق الحمامة) فيه نفحة الغار

وجاء (سقراط) يبكي خائفًا وجلاً

على جدارٍ من التّشكيك منهار

فقلت: فاتك ركب المصطفى فسرت

بك الظّنون ولم تظفر بأنوار

وزرت ليلاً (رهين المحبسٍين) فلم

يهنأ بعيشٍ ولم يرض بأقدار

و(لابن زيدون) أسرار معي حفظت

أضحى التّنائي بديلاً عن هوى جاري

على بساطٍ من الإجلال قابلني

(أبو حنيفة) مثل الكوكب السّاري

وقد رأيت (أبا تمّام) مرتجلاً:

السّيف أصدق من لوحٍ وأسفار

وقد تلوت على (فلتير) رائعةً

من فكره يوم أعلى قدر ثوّار

و(شكسبير) حكى لي من روائعه

(هاملت) أنضج فيها روح موّار

فقلت: يكفي جموع الانقليز علاً

بزوغ نجمكم يا (سوبر استار)

أما (تيولستي) الروسي فأخبرني

عن قصّةٍ كتبت في ربع سنجار

وقام ينشدني (طاغور) قافيةً

قد صاغها في (نيودلهي) بإبهار

حتى رباعيّة (الخيّام) جاذبني

بها نديميّ من علمٍ وأفكار

أطلال (ناجي) سقت بالدّمع ساحتها

وجئت أروي إلى (العقّاد) تسياري

و(دانتيّ) في ربا إيطاليا هتفت

حمائم الشّوق من روما بأسرار

نعم، وعاتبت (هارون الرشيد) على

قتل (البرامكة) الأجواد في الدّار

فقال: دعهم لنا عند الإله غدًا

مواقف سوف أتلو ثمّ أعذاري

أمّا (الغزاليّ) فطارحناه وارتحلت

بصوت (إحيائه) الفينان أسراري

ولم تزل (لابن رشدٍ) في مخيّلتي

أفلام ذكرى بإعزازٍ وإكبار

و(الجاحظ) الفذّ أبكاني وأضحكني

قول كمسبحةٍ في كفّ سحّار

و(لابن سينا) شفاء منه أمرضني

هذي العقاقير أم سكّين جزّار

وجدت نفسي في بيتي وقد هدأت

ولم تشتّت بأخبارٍ وأسعار

ولم تروّع بأنباء الحروب وما

في السّوق من سعر دينارٍ ودولار

إذ كنت في لجّة الدّنيا وضجّتها

ما بين فوضى وأهوالٍ وأخطار

وجدت (لا تحزن) المشهور آنسني

كأنّه تحفة في كفّ عطّار

سألت (لا تحزن) المحبوب أنت لمن؟

ومن أبوك فقد أنهيت أكداري

فقال: أنت أبي ودّعتني زمنًا

تطوي المنازل أسفارًا بأسفار

فقلت: أهلاً وسهلاً بالّذي سطعت

أنواره، قمر أزرى بأقمار

ضممته فوق صدري ضمّةً فعلت

بالهمّ والحزن فعل الماء بالنّار

وجئت والبسمة الكبرى على شفتي

كطلعة الفجر شعّت بين أستار

معي فؤاد بنور الله منتهج

وهمّة في تلظّيها كإعصار

وآية من حكيم الذّكر لو تليت

على الجبال لذاب الصّخر كالقار

ولمعة من حديث المصطفى برقت

كالنّجم لاح بليل الجهل للسّاري

وبيت شعرٍ شرودٍ لو هتفت به

(لميّ) سارت (لغيلانٍ) بإصرار

ونكته تضحك الثّكلى دلفت بها

فراحة البال عندي بعض أوطاري

وسحر بابل دبّجت البيان به

من سحر (هاروت) أو (ماروت) أوتاري

خرجت للنّاس ما في القلب من دغلٍ

كلا وليس به حقد لأخيار

والآن عدت إلى الدنيا وفي خلدي

حبّ سأسكبه كالسّلسل الجاري