سمية درويش من غزة : قال الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة في مقابلة خاصة مع quot;إيلافquot; ، إن الصراع بين اليمين واليمين الفلسطيني المتشدد ، هو تعبير عن العجز الثنائي الفاضح في تحقيق الحد الأدنى من الأهداف الوطنية ، فضلا عما يتميز به من مظاهر خلل وفساد وهبوط سياسي وانحطاط سلوكي وفوضى.
وأضاف حواتمة الذي طار مؤخرا لأميركا اللاتينية واحتفل والشعب الكوبي بعيد ميلاد زعيمها فيدل كاسترو ، quot; خطأنا ذهاب فتح وحماس إلى دهاليز حوار ثنائي ينقض مبدأي الشراكة الوطنية الفلسطينية الشاملة، والتعددية السياسيةquot; ، مؤكدا بأنه لا توجد قوة بمفردها قادرة على فرض برنامجها أو تثبيت حلولها الخاصة ، وأن الذهاب إلى الانتخابات يحتاج إلى توافق وطني ، وإلا سنكون بذلك كمن يصب الزيت على النار.
وفي ما يلي نص المقابلة:-
- ما تعقيبكم على قرار الرئيس عباس بالدعوة لانتخابات مبكرة؟
بذلنا وسنبذل كل جهد ممكن من أجل عدم قطع الطريق أمام معاودة الحوار الوطني الشامل ، وخطأنا ذهاب فتح وحماس إلى دهاليز حوار ثنائي ينقض مبدأي الشراكة الوطنية الفلسطينية الشاملة، والتعددية السياسية.
هذا ينافي أبسط مبادئ الديمقراطية، خاصة في مرحلة التحرر الوطني التي يعيشها شعبنا ، خطاب الأخ أبو مازن أبقى الباب مفتوحا أمام الحوار الوطني الشامل لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهذا يجب أن يترجم بوقف استمرار محاولات البعض المماطلة والتهرب من استحقاق حكومة الوحدة الوطنية. وإذا استمر ذلك فهذا سيقود حكما إلى خيار وحيد وهو العودة إلى الشعب لحل ازدواجية السلطة، والعودة إلى حكومة الائتلاف الوطني وليس حكومات الاحتكار والإقصاء التي وصلت إلى الطريق المسدود منذ عام 1994 حتى يومنا هذا، وحل مأساة الصراع التناحري بين حركتي فتح وحماس، ومرة ثانية نؤكد أن الذهاب إلى الخيار يحتاج إلى توافق وطني، وإلا نكون بذلك كمن يصب الزيت على النار.
إن إنجاح الحوار الوطني يتطلب إشراك جميع القوى والكتل البرلمانية ومؤسسات المجتمع المدني للوصول إلى برنامج مشترك مشتق من quot;وثيقة الوفاق الوطنيquot;، ولحم القرارات الخاصة الخاطئة لطرفي الصراع الثنائي الاحتكاري، بما يمكن توحيد كل أبناء وقوى الشعب الفلسطيني في معركة كسر الحصار وتعزيز الائتلاف الوطني على قاعدة الشراكة الحقيقة في صنع القرار. وتتيح الفرصة الراهنة القيام بحوار شامل مكثف، من أجل إنجاز هذا الهدف، خاصة على ضوء تفاقم الأزمة الداخلية والانهيار الاقتصادي والانفلات الأمني، وتجدد الاقتتال.
- هل انتهينا من البروفة ودخلنا اللعبة على المسرح ؟
شعبنا الفلسطيني قادر على تقييم الوضع الناشئ تقييما سويا وسليما، ومواجهته استنادا إلى المخزون الكبير في خبرته النضالية، ولن يسمح بأي حال من الأحوال بأن يتم دفعه نحو حرب أهلية، شعبنا أكد ويؤكد بأنه مع الخيار الديمقراطي، وبأن التغيير يجب أن يتم عبر المؤسسات الوطنية القانونية. شعبنا في الضفة والقدس والقطاع يعاني من واقع مريع بسبب سياسات الاحتلال، وصلت الحالة الاقتصادية والاجتماعية إلى حالة مأساوية، وفوضى أمنية متزايدة تترافق مع المعاناة، وتولد نقمة اجتماعية عميقة، وفلتان أمني. وفي مثل هذه الحال ليس بإمكان الكلمات الجميلة ولا quot;النيات الطيبةquot; تغيير الواقع، بل ببرامج وطنية واقعية تعالج واقع الحال الفلسطينية من كل جوانبها.
في المأزق الراهن ، لا توجد قوة بمفردها قادرة على فرض برنامجها أو تثبيت حلولها الخاصة، والمطلوب العودة إلى البرنامج المدعوم من الشعب بتشكيل حكومة وحدة وطنية، عملا بوثيقة الوفاق الوطني (27 حزيران/ يونيو 2006)، فهذه الوثيقة مدعومة من الفصائل ومن الغالبية العظمى من القطاعات الاجتماعية الفلسطينية، وليس من قبل المصادفة أن يجري الاستقطاب الثنائي للالتفاف عليها في محاولة كل منها احتكار السلطة أو المحاصصة بينهما كما ورد في خطاب رئيس السلطة ورئيس الحكومة عن وقائع المباحثات الثنائية المغلقة عن الشعب، كما أنه ليس بمقدور أي طرف من الطرفين الانتصار، فضلا عما يعنيه هذا الصراع إن وقع، فالمستفيد الأول هو الاحتلال الإسرائيلي، والمطلوب حل القضايا التي أثارت الأزمة من جذورها، وتنقية العلاقات الاجتماعية المتخلفة عبر تطوير المؤسسات السياسية والثقافية، وليس الانحدار نحو الموروث السلفي والدية والقتل مقابل القتل كما يجري الآن بين quot;فتح وحماسquot;، وتخليصها من الهرم البيروقراطي لدى الطرفين المتناحرين المنقلبين بالاحتكار عبر تحريك آمال شعبويات لدى جمهور كلا منهما. فالفكرة الأساسية لدى الشعب هي الخلاص من الاحتلال ونيل الاستقلال والحرية، وقضيته الراهنة هي الوحدة الوطنية والحياتية الأساسية الاقتصادية والاجتماعية والأمن والأمان. وأي تعبئة شعبوية تأمل بـ quot;معجزةquot; أو تأمل بأعجوبة سياسية واقتصادية هو من قبيل بيع الوهم، والمسلمة الوحيدة على جدول وجهتها هي المصالح الطفيلية للبيروقراطية في أعلى سلم التناحر الثنائي، وهي لا يجمعها جامع مع مصالح الشعب الفلسطيني.
من هنا ندعو ودعونا، ونشدد بالعودة إلى البرامج الوحدوية ، ومحاولات تكرار تبادل الأدوار في الاحتكار لن يتسنى لها النجاح، خاصة وأن الذاكرة الحية للناس والأجيال ما زالت تحمل كما هائلا من آلام هذه الممارسات.
لقد سبق وأن أظهر الشعب الفلسطيني وعيا سياسيا مسؤولا عندما طغت مشاريع التسوية المهنية والخروج عن الإجماع الفلسطيني. والآن ، لا أحد يستطيع الهروب من مسؤوليته التاريخية، وخاصة طرفي الاحتكار الثنائي، فالنظرة الضيقة تلحق ضررا فادحا بتراث المقاومة الفلسطينية، ومحاولة اختزال الشعب بفصيل وإلغاء العقلانية الفلسطينية، فلديمقراطية السياسية لا تتأسس في فراغ اجتماعي واقتصادي وثقافي، بقدر ما هي ضرورة تاريخية واجتماعية متكاملة في جوانبها، كإطار إجرائي يضبط الصراعات السياسية والاجتماعية ضمن سياق سلمي يؤسس لمجتمع حر موحد في معركة الاستقلال الوطني من الاحتلال الإسرائيلي، في الوضع القائم ومحاولة الاستمرار به هي نظرة ابتسار واحتكار واستبدال احتكار سياسي بآخر، واستدعاء المحاور الإقليمية والدولية لمد يدها في المعدة الفلسطينية، كما يجري الآن وزرع الأوهام في عيون الشعب بقرب الخلاص على يد هذه العاصمة أو تلك، بدلا عن العودة الضرورية للحوار الشامل والحلول الوطنية، وهذه الأساليب المنتهجة باتت عقيمة ومضرة بالقضية الفلسطينية، فالديمقراطية لا تتم بصفقات ثنائية فوقية ثبت فشلها، ولا بالانقلاب عليها، واستدعاء التدخلات الإقليمية والدولية، بل بالتقدير الجماعي الموضوعي للمصالح الفصائلية ربطا بالبعد بالمصالح الوطنية العليا، وبعيدا عن التعصب والولاء والتبعية العمياء.
- كيف يمكن أن يلعب اليسار دورا مهما بعد حالة الاستقطاب الحادة بين اليمين واليمين المتشدد ؟
سأركز في إجابتي على هذا السؤال انطلاقا من التحديات السياسية التي تواجه شعبنا الفلسطيني في هذه المرحلة، التي تشتد مخاطرها الداخلية والخارجية. اليسار الديمقراطي الفلسطيني يرفض أي تراجع عن انحيازه للخيار الديمقراطي الشرط الأهم للنصر في معركة الاستقلال الوطني، فالديمقراطية في الحالة الفلسطينية مشروطة بترتيب جديد للبيت الفلسطيني، وصولا إلى الأهداف التي توافق عليها شعبنا بالاستقلال والحرية، وتحت ترجمتها بإعلان القاهرة (آذار/ مارس 2005)، ووثيقة الوفاق الوطني (حزيران/ يونيو 2006) وليس أي إجراءات ممسوخة بعيدة عن ذلك.
كما أن اليسار الديمقراطي الفلسطيني، قد سبق وتناول بالتحليل العميق الأوضاع الفلسطينية الراهنة، ويؤثر بعمق لأزمة النظام السياسي الفلسطيني بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية القيمية. بمعنى أن الأزمة التي نعيشها الآن هي متشعبة الأوجه ومتعددة المظاهر، وتتعدى البعد السياسي وتمتد في المشهد الراهن إلى أزمة مجتمعية، فكرية واقتصادية وسياسية. وأحذر من أن الاستمرار على ذات المنهج سيطال الهوية الوطنية الفلسطينية ذاتها، فهي بالدرجة الأساسية ارتبطت مع مطلع التسعينيات من القرن الماضي وما زالت بأداء السلطة الفلسطينية ذاتها، والحزب الحاكم (فتح) طوال تلك الفترة، حين تصاعد الدور الخارجي المركزي المقرر (الأمريكي ـ الإسرائيلي)، والذي فرض سياساته واشتراطاته وquot;ديمقراطيتهquot; علينا، بعد أن اختلت موازين القوى لصالحه بصورة غير مسبوقة في كوكبنا بشكل عام، وفي منطقتنا العربية بشكل خاص.
إن أبرز مخاطر التحديات السياسية الراهنة، سعي إسرائيل إلى فرض quot;تسويةquot; وفق رؤيتها الهادفة إلى فرض حدود توسعية جديدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، عبر إعادة إخراج quot;خطة الانطواءquot;، وإجهاض نضال شعبنا من أجل دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة عاصمتها القدس، ويترافق هذا مع مسعى إسرائيلي وأمريكي، في سياق إعادة إنتاج التخلف والتبعية التي سبق لها وإن دفعت إلى مزيد من التهميش والفقر والحرمان لجماهيرنا. ولعبت على مزيد من التفتت والنزعات المدمرة ذات الطابع العصبوي العشائري والحمائلي والفئوي والطائفي، وغيرها من العصبيات المستحدثة بمختلف أشكالها وأجهزتها.
إن اليسار الوطني الديمقراطي هو الجهة الوحيدة القادرة على نقل الحقيقة كاملة للناس، عبر عمله وتوجهه المنظم، كمدخل لوعي شعبنا بحقائق الصراع وعلى طريق المشاركة في عملية التغيير، ما يعني لنا بوضوح إن تطور الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية باتجاه مصالح الجماهير الشعبية، مرهون بدور قوى التقدم ووحدتها على برامج، أي في تفعيل التيار الديمقراطي كقطب ثالث يضبط واقع الاحتكار الثنائي، عبر قيادته واتساع سيطرته بصورة منظمة داخل الوعي الشعبي المنظم، وبما يجعله قوة جماهيرية مؤثرة، قادرة على التحجيم السياسي للشرائح الطبقية الكومبرادورية والبيروقراطية والطفيلية السائدة، وإلغاء دورها المهمين على وعي ومقدرات الجماهير على الصعيد السياسي والثقافي والاجتماعي في آن معا.
إن الصراع بين اليمين واليمين الفلسطيني المتشدد، هو تعبير عن العجز الثنائي الفاضح في تحقيق الحد الأدنى من الأهداف الوطنية، فضلا عما يتميز به من مظاهر خلل وفساد وهبوط سياسي وانحطاط سلوكي وفوضى، وأي مجتمع لا يمكن له أن يدوم على هذه الحال، وهنا أهمية التأسيس على الواقع المفروض في الإطار الوطني الديمقراطي كي تتحقق الأهداف الوطنية والاجتماعية والديمقراطية في الإطار الوحدوي.
وأشير هنا إلى أنني قد عدت للتو من أمريكا اللاتينية، ولقاءات مع قادتها وقادة أحزابها، ونحن نرى أن تقدمها من زاوية منظور تقدمها الاجتماعي وخبرتها اليسارية في مهماتها التاريخية، وهي تؤشر إلى تحولات العصر.
ويبرز هنا سمات مشتركة في فهم العملية التاريخية، وفي استخلاص خبرات ملموسة، فالمجتمعات على الدوام تقوم بإعادة إنتاج عملية التمايز في مواجهة منظوماتها الفرعية المتخلفة، حيث يمكن التغلب على التخلف. لقد قيمنا مع هذه الأحزاب الثورية العمليات التاريخية الهامة، ونحن نلاحظ أن قطاعا واسعا من البشرية ممثلا بالقارة اللاتينية خاصة وعمليات تقدمية واسعة في أفريقيا السمراء وآسيا (الهند مثالا)، التي تكد شعوبها نحو إحداث تحولات تقدمية عاجلة ، سياسيا واقتصاديا وفكريا وثقافيا، واستنفار مقومات الصمود والتحولات استنادا إلى نظام القيم اليساري والإنساني العام، وفي مواجهة التيارات الطفيلية الطاردة الإقصائية لمصالح الشعوب، فتقدمت الشعوب عبر أحزابها ببرنامجها وعبر حركة منسجمة لعناصر النظام الاجتماعي الجديد، لا المراوحة في مظالم الأحداث المحتملة، وتركها في تلقائية تتحرك لوحدها .
فالأزمات لا تضبط ذاتها بذاتها ، وفق النظرة المتخلفة العربية التي شاعت بالقول بالقدرية quot;المقدر مكتوبquot; وquot;دع الورم ينفجر لوحدهquot; بما يحتوي على سذاجة وخطورة، وتعبيرا عن فقدان الثقة بالتحرر الوطني والاجتماعي والتقدم إلى أمام، بل كان يتطلب الخيار صراعا عنيدا بهدف توسيع حركة القوى الشعبية التي عملت في نهاية المطاف على التخلص من الأورام القدرية في الواقع العملي، وجميعا مدعون لاستخلاص هذه الخبرة التاريخية الراهنة.
- في حال تم تحديد موعد للانتخابات المبكرة ، هل ستذهبون إليها ؟
هذا السؤال افتراضي ،من السابق لأوانه إعطاء إجابة قاطعة عليه، مهمتنا الراهنة العودة إلى الحوار الوطني الشامل على أساس وثيقة الوفاق الوطني (27 حزيران/ يونيو 2006)، وتشكيل حكومة وطنية عملا بها بدلا من الانقسام التناحري بين quot;فتحquot; وquot;حماسquot; والصراعات الدموية الثنائية، ويجب أن تضغط بالتشارك مع القوى والفصائل الفلسطينية لوضع آليات لتنفيذ ما ورد في هذه الوثيقة بقوانين انتخابية ديمقراطية لكل مؤسسات المجتمع الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وبلدان اللجوء لتجاوز الانقسامات على أساس التمثيل النسبي مائة بالمائة، وتعيد بناء منظمة التحرير الفلسطينية الائتلافية، وتوحيد الشعب الفلسطيني بكل تياراته وقواه في مواجهة الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي. هذه هي مهمتنا المركزية، وبعدها لكل حادث حديث.