الرئاسة شغرت لبنانياً وبقيت اقليمياً
الموارنة أمام امتحان وحدة الموقف

سعد الحريري يتوسط السيد حسن نصرالله (يمين)
ونبيه بري خلال آخر جلسة للحوار في 28 الجاري أ ف ب
بلال خبيز من بيروت: حقق الحوار اللبناني انجازاً لا يستهان بحجمه يتصل بمعاودة البحث في إقالة الرئيس لحود وانتخاب خلف له. حيث اعلن الشيخ سعد الدين الحريري انه إلى جانب الرئيس بري والأمين العام لحزب الله يقف خلف بطريرك الموارنة مار نصرالله بطرس صفير في هذه القضية. وتالياً يمكن القول إن معظم القوى السياسية من غير الموارنة في البلد سلمت مفاتيح قصر بعبدا، الشاغر لبنانياً، والمشغول اقليمياً، إلى بطريرك الموارنة. لم يرض التوافق على تحكيم البطريرك بعض الموارنة الطامحين إلى الرئاسة، وفي مقدمهم بطبيعة الحال الجنرال ميشال عون. لكنه نقل المعركة من صعيدها اللبناني إلى صعيدها المسيحي، على نحو ما كان السيد حسن نصرالله يردد مراراً وتكراراً: quot;فليتفق الموارنة على مرشحهم، مثلما اتفق الشيعة على مرشحهم، ونحن مستعدون للسير وفق خيارهمquot;.

لا بد ان هذا التدبير، الذي وضع الكرة في ملعب البطريرك معنوياً وإن لم يضعها رسمياً بعد، يحرج إلى هذا الحد او ذاك بطريرك الموارنة المتعفف عن الدخول في لعبة الاسماء وفي تفاصيل السياسة الصغيرة. لكن الأيام التي تفصل بين جولة الحوار السادسة والسابعة، ستشهد على الأرجح نشاطاً محموماً في بكركي وحولها. ذلك ان ما تم حسمه في الجلسة الاخيرة، هو نوع من إعادة الأمور إلى نصابها الطائفي الطبيعي. وبمعنى آخر، يراد القول ان قادة الطوائف غير المارونية لا يفضلون زعيماً على آخر في بعبدا، وانهم يبدون استعدادهم للقبول بأٍي رئيس يتفق عليه الموارنة وبكركي.

لطالما ردد الجنرال ميشال عون ان الأقوى سنياً يحكم في الحكومة، والاقوى شيعياً يقرر شأن رئاسة المجلس النيابي، فلم لا يكون الأقوى مسيحياً رئيساً للجمهورية. والحق ان زعامة سعد الحريري للطائفة السنية اتت نتيجة لانتخابات خاض فيها مرشحون من أهل السنة وزعماء الطائفة ووجهائها خوضاً عنيفاً واستقرت نتيجة الانتخابات على ما استقرت عليه. بمعنى ان الشيخ سعد الحريري لم يعطل الانتخابات والترشيح لصالح استقواءه زعيماً اقوى في الطائفة. اما في ما يخص الشيعة ورئاسة المجلس النيابي، فالأمر ايضاً يختلف اختلافاً جلياً، ذلك ان حركة امل وحزب الله يحتكران التمثيل الشيعي لألف سبب وسبب، وحين رشحا الرئيس نبيه بري لم يستطع اي من نواب الشيعة غير المنتمين إلى الكتلتين الشيعيتين الكبريين ان يرشح نفسه خصماً للرئيس بري. كذلك لم يجرؤ اي شيعي على القبول بمنصب وزير في حكومة الرئيس السنيورة يوم اعتكف الوزراء الشيعة اعتراضاً على مناقشة خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الذي وصف فيه الرئيس السنيورة: quot;بأنه عبد مأمور لعبد مأمورquot;.

مثل هذا ليس متيسراً للجنرال ميشال عون، فليس من سبب يدعو المرشحين الموارنة إلى القبول بعون مرشحاً وحيداً والانسحاب لصالحه. فضلاً عن ان الخلافات السياسية التي تذر قرنها في قلب الطائفة المارونية، لن تسمح للجنرال ميشال عون ان يكون مرشحاً وحيداً بوصفه يحتكر التمثيل السياسي الماروني. وحتى لو عاد الجنرال عون إلى فريق 14 آذار ورضي به هذا الفريق مرشحاً وحيداً، فإن ذلك لم يمنع اقطاب موارنة وزعماء آخرين من الترشح في مواجهته، بصرف النظر عن حظ اي منهم بالوصول إلى سدة الرئاسة.

خلاصة القول ان حزب الله وحركة امل حسماً معركة احتكار التمثيل الشيعي في لبنان من دون اضطرار إى مساندة ومساعدة من الأطراف الأخرى، بل وتم ذلك في غالب الاحيان بمواجهة هذه الأطراف، وعلى النحو نفسه فإن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط حسم معركة تمثيل الدروز رغماً عن الجميع، وفي مواجهة البعض ومحالفة البعض الآخر، والحال نفسها تنطبق على الشيخ سعد الدين الحريري والطائفة السنية في لبنان.

كان خطاب الجنرال ميشال عون طوال الفترة السابقة محكوم، لينجح في تحقيق مبتغاه ، ان يستجدي نصرة اهل الطوائف الأخرى على ابناء ملته من الطامحين لرئاسة الجمهورية. وهو خطاب يفترض، حتى يسود ويقوى، ان يكون اثر التداخل الطوائفي، وهو طوائفي بامتياز، في قرار الطائفة المارونية وشؤونها بالغ التأثير والفاعلية. الامر الذي جعل الجنرال وبسبب من هذا الواقع الذي تعيشه الطائفة المارونية مستعداً لتغيير تحالفاته ومطالبه بحسب هوى الرياح التي تقرب سفينته نحو قصر بعبدا. لكن ما جرى في الجلسة السادسة من مؤتمر الحوار، نقل الأمور إلى نقطة لم تكن تقع ضمن توقعات الجنرال، والارجح ان معركة حسم الترشيح وحصره في يد رجل واحد، اكان عون او غيره، في الطائفة المارونية سيطول زمناً يكفي لأن ينهي الرئيس لحود ولايته بسلام.